هل سيتمكن الأوروبيون من فرض عقوبات جديدة ضد روسيا؟
القدرة على المناورة لدى الأوروبيين عبر إدخال قيود جديدة على الاقتصاد الروسي باتت مساحته ضيقة، وأصبح من الصعب بشكل متزايد التوصل إلى توافق في الآراء في ما بينهم.
تناولت مديرة مركز خبراء سياسة العقوبات في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية يكاترينا أرابوفا، في صحيفة "إزفستيا" المسكوفية، محاولات الاتحاد الأوروبي الحفاظ على ماء وجهه بعدما استنفد آلية العقوبات التي فرضها على 10 دفعات تجاه الاتحاد الروسي، وتمكن الأخير من تجاوزها.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
اليوم، لا يشك أحد في أن الاتحاد الروسي يرزح تحت العقوبات الأوروبية منذ مدة طويلة، وأن الحزمة العاشرة "اليوبيلية" لن تكون الأخيرة. لم تضعف الرغبة لدى الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على ماء الوجه السياسي، ويظهر هذه الرغبة عبر توطيد المسار المناهض لروسيا بالتوازي مع الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين الآخرين ضد بلادنا.
في الوقت نفسه، لا يقل وضوحاً لدى المراقبين أن القدرة على المناورة لدى الأوروبيين عبر إدخال قيود جديدة باتت مساحته ضيقة، وأصبح من الصعب بشكل متزايد التوصل إلى توافق في الآراء في ما بينهم. منذ نصف عام على الأقل، كان للموافقة على العقوبات هيكل مكون من مستويين: الأول، بسبب الاختلافات في المصالح الوطنية وعدم تجانس الاعتماد الاقتصادي على السوق الروسية داخل الاتحاد الأوروبي، كان من الضروري وضع محتوى أي حزمة مقبلة من العقوبات على طاولة النقاش؛ والثاني، وجبت مناقشة الآليات الممكنة للتملص منها، والمدد الانتقالية التي تنطبق على الأفراد الأكثر حساسية لدى اللاعبين الأوروبيين. وهذا يتطلب المزيد من الجهود السياسية والتطور الاقتصادي، وبالتالي، يؤخر اعتماد قرارات موحدة بفرض العقوبات.
ما الذي يمكن أن تتضمنه الحزمة المقبلة من العقوبات ضد روسيا؟
لا تزال بعض مجالات تصعيد العقوبات في احتياطي الاتحاد الأوروبي، حيث ينظر الأوروبيون منذ عدة أشهر في مسألة إدخال قيود على الماس، فيما يستمر النظر في إمكانات إدخال قيود على الطاقة الذرية نظرياً، وهناك مورد للتأثير على تجارة المعادن، بما في ذلك الأتربة النادرة. ومع ذلك، فإن كل هذه مجالات يصعب تنسيقها داخل الاتحاد الأوروبي، بسبب تصادم مجموعات المصالح المختلفة ومناطق النفوذ.
ومن غير المرجح أن تشكل العقوبات "الماسية" أساس الحزمة الحادية عشرة. تمنع بلجيكا دخول الماس الروسي منذ أكثر من شهر، حيث تقع إحدى أكبر بورصات الماس في العالم. من المرجح أن تصبح القيود على الماس أساساً للعقوبات لدى دول مجموعة السبع، وتضم هذه المجموعة الدول السبع الرئيسية المستفيدة من حزمة العقوبات على الماس، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكندا. ومع ذلك، وبترتيب الأولويات، فإن العقوبات "الماسية" هي الاتجاه التالي في التوسع الكمي للقيود، ومن المحتمل جداً أن يتم تطبيقها في إطار حزمة الاتحاد الأوروبي الثانية عشرة.
أما الأمر مع العقوبات النووية، فيصبح أكثر تعقيداً. يعتمد اثنان على الأقل من أعضاء الاتحاد الأوروبي (المجر وفرنسا) اعتماداً كبيراً على الطاقة النووية ويهتمان بتنفيذ العقود طويلة الأجل مع شركة "روسآتوم" لبناء محطات الطاقة النووية، وشراء اليورانيوم وشحن الوقود النووي المستهلك إلى روسيا. ومن المتوقع أن يعرقلا تبني العقوبات في هذا المجال. كما أن التوصل إلى توافق في الآراء، حتى مع التحفظات والاستثناءات، سيكون مستحيلاً.
افتراضياً، هناك إمكانية لإدراج عقوبات ضد خامات الحديد الروسية. إن بوادر هذه القيود واضحة: في كانون الأول/ديسمبر، حظر الاتحاد الأوروبي الاستثمارات في المناجم الروسية، ويخضع أليشر عثمانوف لعقوبات الاتحاد الأوروبي الشخصية، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركتي "ميتال إنفست" وUSM. ومع ذلك، من غير المحتمل أن ينعكس ذلك في الحزمة التالية. إن اعتماد بعض البلدان الأوروبية (خاصة بلجيكا وإيطاليا) على المعادن الحديدية الروسية مرتفع للغاية لدرجة أنه حتى مع الأخذ في الاعتبار نمو التجارة البينية الأوروبية والمشتريات من الصين وتايوان، فإن الأضرار الناجمة عن القيود المفروضة على الإمدادات الروسية ستمنع إدراجها في الحزمة الجديدة.
لا يمكن التقليل من شأن احتمال فرض عقوبات على عبور فئات معينة من البضائع (يبدو أنها ذات تقنية عالية)، والتي كتبت عنها "بلومبرغ" مؤخراً. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي، مرة أخرى، لن يتسرع في اتخاذ هذه الإجراءات، لأن مثل هذا التقييد لن يلحق الضرر بالاتحاد الروسي فحسب، بل يؤثر أيضاً على العلاقات التجارية والاقتصادية الأوروبية مع الصين. في العام الماضي، انخفضت أحجام العبور عبر روسيا بسبب إعادة توجيه الموردين من حركة السكك الحديدية المباشرة إلى النقل في أعماق المحيطات واستخدام طرق بديلة متعددة الوسائط تتجاوز الاتحاد الروسي (على سبيل المثال، الممر الأوسط عبر كازاخستان وموانئ بحر قزوين والبحر الأسود). ومع ذلك، فإن الطرق البديلة كذلك لديها قيود موضوعية تتعلق بالبنية التحتية، وبالتالي قد لا تكون جاهزة للتعامل مع تدفق كبير للبضائع في حال منع العبور الروسي.
خلاصة القول: الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً للتوسع الكمي في العقوبات اليوم. من أجل الحفاظ على تصعيد العقوبات من حيث الشكل، سيضطر إلى استخدام الموارد المتاحة بأسلوب مدروس للغاية واللجوء إلى ما يسمى بالحزم الوسيطة، أي توسيع الإجراءات التقييدية التي سبق فرضها. هناك شعور بأن الحزمة الحادية عشرة من العقوبات ستكون كذلك.
يقوم جوهرها الأساسي على تحسين كفاءة القيود المفروضة التي أدرجت سابقاً، والتحكم في تنفيذ أنظمتها الموجودة. كجزء من الحزمة الجديدة، يمكن توسيع قائمة الأشخاص المحظورين وكذلك السفن والناقلات الروسية، فإن نطاق السلع ذات الاستخدام المزدوج الخاضعة لمراقبة الصادرات أمر لا مفر منه. من المؤكد أن استهداف معاهد الأبحاث الروسية سيستمر وذلك لمحاولة ضرب الإمكانات العلمية للبلاد.
بعد الولايات المتحدة، سوف يتحرك الاتحاد الأوروبي بثقة على طريق توسيع ممارسة تنفيذ العقوبات وإضفاء الطابع الرسمي على آليات التدابير الثانوية. سيتم تكثيف العمل المتعلق بتبادل المعلومات وتزامن مسؤوليات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بما يتعلق بالالتفاف الروسي على العقوبات. قد تتبع أوروبا مسار تشكيل القوائم السوداء للشركات، وقطاع تكنولوجيا المعلومات، وهياكل النقل، وسلاسل البيع بالتجزئة، وسيكون القطاع المالي الهدف الرئيس. كذلك سيعمل فارضو العقوبات على زيادة الضغط على تركيا والهند والصين والإمارات العربية المتحدة ودول الاتحاد السوفياتي السابق.
نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف