"هآرتس": سلاح الجو سيُشلُّ في الحرب المقبلة
منذ سنوات وهم يحاولون إنتاج صورة بطولية لسلاح الجو، وكأنه سلاح الجو الأفضل في العالم، لكن الواقع مختلف تماماً، فهناك بحر من المشاكل التي ستؤثّر بشدة في سلاح الجو في الحرب المقبلة المتعددة.
-
"هآرتس": في الحرب القادمة، سلاح الجو سيُشلّ
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تنشر مقالاً للواء احتياط إسحاق بريك، وهو قائد الكليات العسكرية وقائد فيلق ومفوض شكاوى الجنود سابقاً في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يتحدث فيه عن المشاكل التي ستؤثّر بشدة في سلاح الجو في الحرب المقبلة المتعددة الساحات.
وفيما يأتي نص المقال منقولاً إلى العربية:
منذ سنوات وهم يحاولون إنتاج صورة بطولية لسلاح الجو، وكأنه سلاح الجو الأفضل في العالم، وما دام الوضع على هذه الحال، فإنّ الجمهور يعتقد أنّ بإمكانه أن يكون مطمئناً. الواقع مختلف تماماً، وهذه نقطة في بحر المشاكل التي ستؤثّر بشدة في سلاح الجو في الحرب المقبلة المتعددة الساحات.
توجد في سلاح الجو ثقافتان تنظيميتان. في كل ما يرتبط بتدريب الطيارين، قدراتهم التنفيذية، نوعية الطائرات والتحليق بها، استخلاص العبر وتطبيقها، وتحقيقات موثوقة، في كل هذه المواضيع القيادة العليا تصب غالبية اهتمامها. ثقافة تنظيمية في أفضل أحوالها. لكن في نفس السلاح توجد ثقافة تنظيمية رديئة في كل ما يتعلق بإعداد قواعد سلاح الجو لحربٍ متعددة الساحات.
اهتمام القيادة العليا لسلاح الجو بالاستمرارية الوظيفية لقواعده في الحرب القادمة المتعددة الساحات تقلّص، وأثره ليس ملحوظاً في تحسين الوضع. يبدو أنّ القيادة العليا لسلاح الجو منهمكة في رأس الهرم – الطيارون والطائرات – ولا تتعاطى وفق ما يجب مع أساس الهرم، الذي من دونه لا يمكن لرأس الهرم أداء وظيفته.
في الحرب القادمة المتعددة الساحات، قواعد سلاح الجو ستشكّل هدفاً استراتيجياً للعدو. صواريخ دقيقة برؤوسٍ حربية تزن مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، ستُطلق يومياً على قواعد سلاح الجو من مسافة مئات الكيلومترات، وكذلك طائرات غير مأهولة. أسراب من الطائرات المسيّرة ستُطلق يومياً على قواعد سلاح الجو وستُلحق ضرراً شديداً بالأداء الوظيفي للقواعد وفي إقلاع الطائرات.
سلاح الجو لا يستعد لذلك وليس لديه استجابة. الوحيد الذي يحاول العمل على هذا مع نواب قادة القواعد، المسؤولين عن الموضوع، هو رئيس فرع الاستمرارية الوظيفية في سلاح الجو، وهو برتبة مقدّم. من دون اهتمام ودعم القيادة العليا فوقه، لا يحدث ولن يحدث أي شيءٍ حقيقي. كذلك، القليل المتبقي الذي كان في قواعد سلاح الجو، من ناحية القوة البشرية ووسائل ضمان الاستمرارية الوظيفية في الحرب القادمة المتعددة الساحات، يتدهور بوتيرة مثيرة للدوار.
في كل قاعدة لسلاح الجو توجد كتيبة احتياط مسؤولة عن الاستمرارية الوظيفية للقاعدة خلال حرب، من أجل تمكين الطائرات من الإقلاع والهبوط وأداء مهامها. مسؤولية الكتائب هذه هي جمع الشظايا من المدارج في أعقاب تفجّر صواريخ العدو، وإطفاء حرائق في القواعد من جراء إصابات مباشرة من صواريخ، ومعالجة الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات. معالجة كل أحداث إصابة القاعدة: بناء صورة الإصابة، عزل الحدث، معالجة المقذوفات وإعادة أماكن العمل والقاعدة إلى أهلية كاملة. غير أنّه لم يُجرَ عمل تنظيمي منتظم في سلاح الجو على مدى سنوات. منذ إقامة كتائب الاستمرارية الوظيفية قبل سنوات، الجيش الإسرائيلي لم يعترف بها ولم يحدد معاييرها. هذا تسبب بنقصٍ خطر في القوة البشرية، في الأعتدة والآليات، وبسبب هذا لا تستطيع هذه الكتائب أداء مهمتها في الحرب القادمة. أي أنّ إقلاع الطائرات الهجومية وهبوطها سيتضرران بشدة.
يمكن أن نضيف إلى ذلك تعبئة وقود طائرات سلاح الجو في الروتين وفي الحرب، القائم في الأساس على شركة مدنية خاصة، "باز شيروت تعوفا" (باز لخدمات الطيران). إنّها تشغّل نحو 100 موظف يقومون بتعبئة وقود الطائرات، وغالبيتهم يخدمون في الاحتياط أيضاً. الأعتدة بأغلبها هي لسلاح الجو. السائقون ومعبّئو الوقود هم موظفو الشركة. سلاح الجو يستند إلى الشركة، وعليها بُنيت تعبئة وقود الطائرات في الروتين وفي الحرب. لكن، كون سائقي صهاريج الوقود سيُفرزون إلى سلاح البر في حرب، لن يكون هناك من سيوصل الوقود إلى الطائرات. على مدى سنوات وإلى اليوم، لم يتم إيجاد حل يجسُر بين حاجات الذراع البرية إلى سائقي صهاريج وناقلات، وبين طلب سلاح الجو بقاء السائقين في الطوارئ ضمن الشركة كيلا تتضرر تعبئة الطائرات بالوقود.
غالبية كتائب الاستمرارية الوظيفية هي اليوم في حالة تآكل متقدمة. حتى الكتائب التي لا تزال فيها قوة بشرية، ليس هناك إطفاء ولا وسائل إطفاء. وتقريباً لا توجد سيارة إسعاف لنقل الجرحى إلى المستشفيات، ولا توجد آليات للتجوال والسيطرة في أنحاء القاعدة. من المفترض أن يستخدم عناصر الاحتياط سياراتهم الخاصة. لا توجد لا قوة بشرية ولا وسائل كافية لجمع شظايا الصواريخ عن مدارج الإقلاع في وقتٍ معقول. لا توجد عقيدة قتالية موحّدة، ولا جهاز تدريب موحد، ولا عملية منتظمة للتجنيد والتأهيل في الكتائب. سلاح الجو لم يحدد حاجاته للجيش ولوزارة الأمن.
وأكثر من هذا، غالبية قواعد السلاح لا توجد فيها ملاجئ لآلاف الجنود من عناصر الخدمة الدائمة وموظفي الجيش الإسرائيلي، الموجودين في كل قاعدة. كذلك، لم يتم القيام أي إعدادٍ ذهني لوضعٍ كهذا. الحديث عن سلاح جو مستعد لمعركة بين الحروب – هجمات في سوريا وجولات متكررة مع حماس في غزة – لكنه يقف جانباً في كل ما يتصل بالحرب القادمة المتعددة الساحات، التي ستكون فيها قواعد سلاح الجو هدفاً إستراتيجياً لصواريخ العدو. سلاح الجو لا يستعد لذلك.
إنها مسلكية غير مناسبة وغير مسؤولة للقيادة العليا لسلاح الجو، الذي رؤوس قادته في السحاب وأقدامهم ليست على الأرض. أغمضت عيونهم عن رؤية ما سيحدث على الأرض في حرب. بحسب قول قادة كبار في السلاح، بمن فيهم طيارون حربيون تحدثتُ معهم، القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي وفي سلاح الجو منفصلة عن الواقع القاتم على الأرض. طالما الطائرات في الجو، كله تحت السيطرة، لكن ماذا سيحدث على الأرض في حرب؟ هذه مسألة أخرى.
القيادة العليا لسلاح الجو تفضّل تأجيل النهاية والقول إنّ كل شيءٍ على ما يرام. غالبية الميزانية، وهي بحجم 9 مليارات دولار من المساعدات الأميركية، مخصصة في السنوات الأربع المقبلة لشراء طائراتٍ جديدة ومستلزماتها، وتقريباً لا يُنفقون شيئاً في إعداد الوسائل والقوة البشرية التي ستمكّن من الاستمرارية الوظيفية التي ستمكّن من إقلاع الطائرات وهبوطها في حرب. ليس هناك تناقض أكبر من هذا. كل من لديه عقل يعلم أنّ مِنعة وصمود سلسلة من الخلايا إنّما تحددهما تحديداً الخلايا الأضعف، لأنّها عندما تتمزق فإنّ كل السلسلة تخرج من العمل. الوضع الحالي حرج ويتطلب معالجة فورية، إذا كنا نرغب في الحياة ولا نريد أن نشهد كارثة وطنية بأم أعيننا.
قبل حوالى سنة ونصف، نقلتُ رسالة في الموضوع إلى القيادة العليا للجيش الإسرائيلي وسلاح الجو. لم يتم فعل شيء. قبل نحو ثلاثة أشهر جلستُ وجهاً إلى وجه مع القيادة العليا للجيش الإسرائيلي وسلاح الجو، ومرة أخرى لا مؤشر على تغيير. هذا لا يُعقل. هذا الموضوع كان يجب أن يكون المَهمة الوطنية الفورية في سُلّم أولويات من الدرجة الأولى، ضمن رقابة خارجية من أجل التأكد من أن كل شيءٍ يجري كما هو مطلوب. اللا-مبالاة مستمرة. ونتيجة غيابٍ صارخ للمسؤولية من جانب القيادة العليا، ستكون هناك ضربة قاسية جداً لقدرة تنفيذ مهام الهجوم والنقل لسلاح الجو في الحرب القادمة المتعددة الساحات.