لماذا أهدى خروتشوف القرمَ لأوكرانيا؟
لا تزال مسألة شرعية نقل القرم مثيرة للجدل، ويرتفع الضجيج الرئيسي عندما تثار مسألة الاستفتاء. يُزعم أنه كان من المقرر إجراء استفتاء على مستوى البلاد، لكن لم يتم تضمين الحقوق والإطار القانوني للاستفتاء في الدستور السوفياتي.
قصة القرض
إنَّ إحدى فرضيات نقل القرم إلى أوكرانيا هي ما يُسمى "قصة القرض"، التي ربطت بين جمهورية روسيا السوفياتية الاتحادية الاشتراكية ومنظمة "جوينت" الأميركية اليهودية.
بدأت فكرة إعادة توطين اليهود في شبه جزيرة القرم فور انتهاء الحرب الأهلية، وبدأت الصناديق الأجنبية الترويج لهذه الفكرة بحماسة، وناقش المكتب السياسي مراراً وتكراراً هذا المشروع، وكان من أبرز مؤيديه والمتحمّسين له تروتسكي، وكامينيف، وزينوفييف، وبوخارين، وريكوف. وفي سيمفيروبول (عاصمة القرم)، تم إنشاء فرع لبنك "أجرو جوينت".
في كانون الثاني/يناير 1924، جرى الحديث فعلياً عن "حكومة يهودية مستقلة متّحدة مع روسيا"، وتم إعداد مشروع مرسوم بشأن إنشاء جمهورية يهودية ذاتية الحكم في الجزء الشمالي من شبه جزيرة القرم.
وفي 20 شباط/فبراير 1924، وزعت وكالة التلغراف اليهودية (ETA) بلاغاً مماثلاً في الخارج بهذه الخصوص. وعام 1929، تم إبرام اتفاق بين روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية ومنظمة "جوينت".
الوثيقة التي حملت عنواناً جميلاً "حول جزيرة القرم الكاليفورنية"، تضمنت التزامات الطرفين. وقد منحت "جوينت" الاتحاد السوفياتي 1.5 مليون دولار سنوياً (حتى عام 1936، حصل على 20 مليون دولار).
وفي مقابل هذا المبلغ، قامت اللجنة المركزية التنفيذية (أعلى هيئة للسلطة في الاتحاد السوفياتي من 1922 إلى 1938 - ملاحظة المترجم) بإعطائها 375 ألف هكتار من أراضي القرم كضمان، وتمت صياغتها في أسهم اشتراها أكثر من 200 أميركي، من بينهم روزفلت وهوفر، ورجلا المال روكفلر ومارشال، والجنرال ماك آرثر.
جرت المماطلة في تنفيذ قرار إنشاء "كاليفورنيا القرم". وخلال مؤتمر طهران، ذكّر روزفلت ستالين بالتزاماته، لكن الأمين العام لم يكن في عجلة من أمره. ويفسر بعض المؤرخين ترحيل التتار عام 1944 بتحرير شبه جزيرة القرم للمستوطنين اليهود. كان عام 1954 هو الموعد النهائي لسداد الديون، واتخذ خروتشوف "خطوة الفارس" بإعطاء شبه جزيرة القرم لأوكرانيا.
المسألة القومية
إحدى أهم قضايا القرم هي القضية القومية. عام 1944، بدأ ترحيل الشعوب من شبه جزيرة القرم. عادةً ما يجري الحديث عن ترحيل التتار فقط، ولكن التتار لم يطردوا وحدهم، فقد تم ترحيل اليونانيين (نحو 15 ألفاً) والبلغار (12.5 ألفاً) أيضاً.
غادر معظم التتار إلى أوزبكستان، واستقرَّ اليونانيون والبلغار في آسيا الوسطى وكازاخستان، وفي مناطق معينة من روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. وفقاً لتعداد عام 1939، كان نحو 50% من الروس، و25% من التتار، و10.2% فقط من الأوكرانيين، يعيشون في شبه جزيرة القرم.
بعد ترحيل التتار عام 1944، بدأ القرم بـ"العواء"، فقد تضررت الزراعة بشكل خاص. وعام 1950، انخفض إنتاج الحبوب بنحو 5 مرات، والتبغ 3 مرات، والخضار مرتين، مقارنة بعام 1940. وعام 1953، كان هناك 29 محل بقالة و11 متجراً متعدد الأقسام في المنطقة بكاملها.
في الستينيات، بدأت عملية عودة التتار، واستوطن الأوكرانيون والروس القرم. كانت هناك عملية "أكرنة" طوعية وإجبارية في الوقت نفسه. وفي كل مكان، باستثناء سيفاستوبول، أُدخلت اللغة الأوكرانية في المناهج الدراسية.
يوجد اليوم أكثر من 2 مليون شخص في شبه جزيرة القرم: نحو مليون روسي، وأكثر من 400 ألف أوكراني، و240 ألفاً من التتار. ليس مستغرباً النظر إلى عبارة "دولة واحدة، وشعب واحد، ودين واحد" في القرم بشكل مبهم على أقل تقدير.
خلفية تاريخية
إنَّ نقل شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا كان فكرة قائمة قبل 10 سنوات منذ العام 1954. وفي ذروة الحرب الوطنية العظمى (الثانية)، عندما طُرد الألمان من شبه الجزيرة، أمر خروتشوف، الذي كان آنذاك السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني، بإعداد تقرير عن شبه جزيرة القرم.
بحث خروتشوف في الأرشيف عن العلاقات التاريخية بين روسيا وأوكرانيا. ويذكر أحد العاملين في الجهاز الحزبي أنّ خروتشوف حدّثه عن عام 1944 قائلاً: "كنت في موسكو، وقلت: أوكرانيا في حالة خراب، والجميع ينسحبون منها. ماذا لو أعطيناها القرم؟ بعد ذلك، لم تبقَ شتيمة لم توجه إليّ، وكانوا على استعداد لتحويلي إلى رماد".
مسألة الشرعية
لا تزال مسألة شرعية نقل القرم مثيرة للجدل، ويرتفع الضجيج الرئيسي عندما تثار مسألة الاستفتاء. يُزعم أنه كان من المقرر إجراء استفتاء على مستوى البلاد، لكن لم يتم تضمين الحقوق والإطار القانوني للاستفتاء في الدستور السوفياتي، باستثناء المادة 33، التي تشير إلى أن هيئة رئاسة مجلس السوفيات الأعلى لروسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية يمكنها إجراؤه.
لاحظوا نقطة مهمة هنا: "يمكنها"، ولكنها ليست ملزمة بذلك. بهذا الشكل، حُذفت مسألة الاستفتاء.
الإجابة عن السؤال حول الهيئة التي تملك سلطة إعطاء الموافقة على تغيير الحدود، وردت في المادة 22 من الدستور: "الهيئة العليا لسلطة الدولة في روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية هي مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية".
وفقاً للمادة 24، "مجلس السوفيات الأعلى لروسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية هو الهيئة التشريعية الوحيدة في روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية". تنص المادة 151 على أن تغيير الدستور غير ممكن إلا بقرار من مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، والذي تم تبنيه بأغلبية ثلثي الأصوات على الأقل.
وبالتالي، يمكن اعتبار التعديل في المادة 14 من دستور جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وإزالة إقليم القرم منها، موافقة على نقل هذه المنطقة إلى جمهورية اتحادية أخرى. وهكذا، إن الإجراء القانوني لنقل شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا عام 1954 كان صحيحاً تماماً.
ناقشت هيئات رئاسة مجلس السوفيات الأعلى هذه القضية في كل من روسيا وأوكرانيا. وقد ناشدت بشكل مشترك مجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وبناءً على هذه المناشدة فقط، تم اعتماد القرار والتوقيع على مرسوم بشأن نقل شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا.
من اتخذ القرار؟
يُعتقد أن خروتشوف اتخذ قرار نقل شبه جزيرة القرم. في تشرين الثاني/نوفمبر 1953، قام برحلة إلى شبه جزيرة القرم. وبحسب صهره الصحافي ألكسي أجوبي الذي رافقه، فقد صُدم لعدم وجود خضراوات وفواكه في القطاع التجاري الحكومي في المنطقة.
ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة أن خروتشوف كان أوكرانياً، ما أثّر في قرار نقل القرم. بالطبع، هذا الأمر ليس صحيحاً. لم يكن خروتشوف أوكرانياً، ولم يتحدث الأوكرانية قط. كان لديه بعض المشاعر الأوكرانية، وكذلك الشعور بالذنب للمشاركة في عمليات القمع التي جرت في أوكرانيا.
قد يؤثر ذلك بشكل غير مباشر في القرار، لكن قرارات الحكومة لا تتخذ بناءً على المشاعر، كما أن قرار النقل لم يتخذه خروتشوف وحده. إن الحاشية هي التي تصنع الملوك، وحاشية خروتشوف كانت تضمّ بولجانين ومالينكوف ومولوتوف وكاغانوفيتش وكوزينين، والدور الرئيسي أداه جورجي مالينكوف الذي ترأس مجلس الوزراء.
نقله إلى العربية: فهيم الصوراني
رابط المقال: http://yarcenter.ru/articles/history/khod-konem-zachem-nikita-khrushchev-podaril-krym-ukraine/