"كومسومولسكايا برافدا": سنعود إلى الضفة اليمنى للدنيبر

يقول الكاتب في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" إنّ الغرب يستعد للحرب، ومن الواضح أنّ ما يشيعه حالياً حول "توقعات التفاوض" يرجع تحديداً إلى أنه فقد أي أمل في "أوكرانيا المنتصرة"، وأنه لم يكمل استعداداته بعد، ويحتاج إلى مدة زمنية كافية لذلك.

  • سحب روسيا مجموعة الـ30 ألف جندي من نطاق خطر التطويق هو ضمانة المعارك الحاسمة في المستقبل
    سحبُ روسيا مجموعة الـ30 ألف جندي من نطاق خطر التطويق هو ضمانة المعارك الحاسمة في المستقبل

تحت عنوان "الضفتان اليمنى واليسرى لنهر الدنيبر كلاهما ستكونان لنا"، يتحدث المحلل السياسي في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" المسكوفية، يفغيني أوميرينكوف، عن أبعاد انسحاب القوات الروسية المشاركة في العملية العسكرية الخاصة من مدينة خيرسون وجوارها. 

وفيما يلي النص معرباً:

قبل شهر، عندما تحدث القائد العام الجديد للقوات المشاركة في العملية العسكرية الخاصة الجنرال سيرغي سوروفيكين، للمرة الأولى، عن إمكانية اتخاذ "قرارات صعبة"، فكر الجميع في خيرسون بالطبع، ثم اتخذ هذا القرار الذي كان أثره مريراً وشعر به الجميع، لكن الحقيقة، كما قال أحد الحكماء، وحدها التي تشفينا من الجراح التي تصيبنا. سوف يلتئم هذا الجرح بالطبع عندما نعود إلى الضفة اليمنى لنهر الدنيبر.

لا أطرح هنا فرضيات بشأن وجهة النظر العسكرية، وما كان مطروحاً أمام القيادة لتبنيه، وما الذي وقع عليها خيارها، فعندما تستلقي على طاولة الجرّاح، يجب أن تكون على ثقة بين يديه بمعرفته وإرادته. وخلاف ذلك، ليس عليك أن تدخل إلى غرفة العمليات.

إنّ انسحاب قواتنا إلى الضفة اليسرى لنهر الدنيبر، إذا نظرت إليه من وجهة نظر الحملة العسكرية، فلا مفرّ من التفكير في شنّ هجمات وإعادة التموضع والهجمات المضادة، ولكن من وجهة نظر أخرى، أي كحدث يستفز الذهن، فالانسحاب رسالة قوية للخوض في الأفكار الصعبة.

وكي لا نضيع فيها ولا نستسلم لإغراء الراديكالية العاطفية، يجب ألا ينسى المرء تاريخه. وأهم ما يُعبّر عنه بالفعل أكثر من مرة هذه الأيام هو تصريح كوتوزوف بأنه ليس من الصعب الاستيلاء على القلعة، ولكن من أجل الفوز بالحملة كلها تحتاج إلى الصبر والوقت. أي تحملْ، اجمع قواك، ركز، استخلص النتائج وابن خططاً جديدة للنصر. هذه هي المهمة في المرحلة المقبلة.

ويحضرنا تذكير مهم للغاية ومطلوب بشدة هنا، وهو أن العملية العسكرية الخاصة التي شنتها روسيا في شباط/فبراير الماضي ضد نظام زيلينسكي، تدحرجت ككرة ثلج على أسفلت الدونباس الروسي بدعم من حلف شمال الأطلسي، ثم تحولت، بمنطق لا يرحم، إلى حرب حقيقية مع الغرب. إنّ هزيمة أوكرانيا، كما قال ستولتنبرغ، الأمين العام للتحالف الغربي، ستكون هزيمة للحلف كله. 

وقد تحولت كييف بالنسبة إليه إلى تلك القشة السحرية التي سيموت إذا ما كسرتها. لذلك، فالغرب مجتمعاً كـ"أقوى كتلة عسكرية في العالم"، كما يقول عن نفسه، يضمن استمرار المقاومة الشرسة ضد روسيا، وذلك يساعد فقط في توسيع نطاق المناورة الحالية للقوات الروسية قرب خيرسون. 

الرهان على الحرب ليس الرهان الصحيح، بل على الحق في الحياة. لذلك، إنّ سحب مجموعة الـ30 ألف جندي من نطاق خطر التطويق هو ضمانة المعارك الحاسمة في المستقبل. هناك، بالطبع من يفرح ويرى أنّ أوكرانيا تستعيد أراضيها، لكن من يبالي بما يقولون؟ 

لماذا اجتاح بطرس الأكبر إنغريا السويدية، وهي أرض إنغريا الروسية؟ ذهب ليستعيد ملكيته، وبنى هناك عاصمة جديدة. هل يجب على السويديين اليوم "استعادة" هذه الأراضي أم أنّ العالم نسي أنّ خيرسون لم يؤسسها أوكرانيون أصلاً، وأن استعادتها مسألة موقّتة.

"الصبر والوقت" لا يعنيان في أي حال من الأحوال ترك الأمور على غاربها، وأنّها ستصلح نفسها بنفسها. نحن أمام فرصة لجمع القوة المادية والمعنوية للحتمية الأكبر والمعارك الحاسمة. 

قد يكون من الصعب على الذين نشأوا في عقود من "الحروب المحلية البعيدة" وأفسدتهم إغراءات الاستهلاك، أن يفهموا أنّ الأزمات على وشك أن تحدث، وأنها لن تذهب إلى أي مكان، لأنها ستسعى إلينا حتى لو لم نبحث عنها. 

بصرف النظر عما يقال عن بدء روسيا للحرب، فكل ما تقوم به هو محاولة الحفاظ على السلام حتى النهاية، فعندما كانت تحذّر لم يُستمع عن عمد إلى تحذيراتها، وكان الغرب يستفزها علانية. لقد حان الوقت لشحذ الذاكرة، أو كما قال الشاعر: دارت رحى الحروب على الأرض طوال الزمن بلا توقف. حروب بعيدة وقريبة، أحياناً معنا، لكن في مكان ما على الحدود. أما الآن، فها هي الحرب داخل منزلنا.

الغرب أيضاً يستعد للحرب. من الواضح أنّ ما يشيعه حالياً حول "توقعات التفاوض" يرجع تحديداً إلى أنه فقد أي أمل في "أوكرانيا المنتصرة"، وأنه لم يكمل استعداداته بعد، ويحتاج إلى مدة زمنية كافية لذلك. لماذا يحثّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفرنسيين على الاستعداد للحرب؟ ولمَ قال بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، إن "من الضروري تعزيز الاتصالات العسكرية شرقاً"؟

"حسناً، الوقفة الموقتة لن تضرنا أيضاً.. يعرف جيشنا كيفية استخدامها".

نقله إلى العربية: عماد الدين رائف

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.