"قمة عربية" لرئيس الولايات المتحدة
في عام 2018، جاءت إدارة ترامب بالفعل بفكرة إنشاء "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط"، والذي أطلق عليه اسم "الناتو العربي"، وأعلنت مهمته الأساسية، كما هو الحال الآن، لاحتواء إيران.
يكتب نيقولاي سوركوف، الباحث في المعهد القومي للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، مقالاً في موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، حول زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، وخصوصاً السعودية، وحضوره اجتماع مجلس التعاون الخليجي، بحضور قادة مصر والعراق والأردن أيضاً، ويتحدث عما يريده العرب من بايدن، وبالمقابل ما يطمح الرئيس الأميركي أن يعود منه بعد الزيارة.. وفيما يلي النص الكامل للمقال منقولاً إلى العربية..
أثارت زيارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن المرتقبة إلى الرياض لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي المقررة يومي 15 و 16 يوليو/تموز الجاري، الكثير من التكهنات حول جدول أعمال محادثاته مع القادة العرب. من الصعب حالياً إعطاء توقعات موثوقة، ولكن يمكن للمرء أن يحصل على تصور عما تنتظره الدول العربية من هذه الزيارة.
بادئ ذي بدء، يجمع المراقبون في المنطقة على أن زيارة بايدن ينبغي أن تمثل ذوبان الجليد في العلاقات مع دول المنطقة، وخاصة مع المملكة العربية السعودية.
الحجة الرئيسية في هذه الحالة تبدو شيئاً من هذا القبيل: ارتكبت إدارة بايدن خطأً، وأفسدت العلاقات مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وهذا يخدم إيران والصين وروسيا. في الوقت نفسه، يتم الإعراب عن الأمل في أن تعيد الولايات المتحدة النظر في خطط تقليص وجودها في المنطقة، حتى لا تخلق "نافذة من الفرص" لبكين وموسكو.
من الضروري الانتباه ليس فقط إلى محتوى الزيارة، ولكن أيضاً إلى الأجواء المحيطة بها. الرئيس الأميركي لن يذهب فقط للمفاوضات الثنائية، بل سيكون ضيف شرف في قمة دول مجلس التعاون الخليجي. في الوقت نفسه، دعا المضيف الفعلي للاجتماع، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قادة مصر والأردن والعراق إلى القمة. أي يمكن الحديث عن لقاء بصيغة "أميركا - العالم العربي".
تشير وسائل الإعلام السعودية بشكل مباشر إلى أن دعوة بايدن للقمة يجب أن تؤخذ على أنها اعتراف بالأهمية الاستراتيجية للعلاقات مع الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، يريد محمد بن سلمان أن يُظهر للرئيس الأميركي تضامن الدول العربية واستعدادها لمواجهة "التهديد الإيراني".
ومن المتوقع أن تتم محاولة أخرى في الرياض لبناء محور مناهض لإيران بقيادة السعودية، أو مع القيادة التقليدية للعالم العربي - السعودية ومصر.
الدافع الرئيسي لحشد العرب الآن هو التحديات التي قد تشكك في بقاء بعض الدول. إذ تحتاج دول المنطقة إلى الاستقرار لإعادة توجيه الموارد لمكافحة التصحر وندرة المياه. ومن الضروري كذلك ضمان النمو الاقتصادي لتخفيف التوترات الاجتماعية الناجمة عن الفقر والبطالة. لكن بحسب قيادات الدول العربية، فإن "المواجهة الإقليمية مع إيران تشتت الموارد". علاوة على ذلك تقول هذه القيادات إن "طهران حققت نجاحاً، إذ تمكنت من تقسيم العالم العربي وإخضاع العراق وسوريا ولبنان".
إيران كنقطة التقاء
وبحسب مراقبين سعوديين، فإن مساعي الرياض تعود تدريجياً بـ "الهدوء" الذي غاب عن المنطقة بسبب أحداث "الربيع العربي". وبفضل اتفاق "العلا" تحديداً، تم تجاوز الخلافات داخل مجلس التعاون الخليجي، وبعد المفاوضات الأخيرة بين ابن سلمان ورجب طيب إردوغان، جرى تطبيع العلاقات مع تركيا. لكن "المشكلة الإيرانية" باقية، وحلها يتمثل في إقامة تحالف الدول العربية "المعتدلة". وسبق للملك الأردني عبد الله الثاني أن أعرب عن فكرة إنشاء نظير لحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط لاحتواء إيران.
تتجلى أهمية القمة القادمة في أن محمد بن سلمان قام شخصياً بعمل تحضيري جاد. ففي حزيران/يونيو، قام بجولة في دول المنطقة -زار مصر والأردن وتركيا. ومن الجدير بالذكر أنه في الحالات الثلاث كلها، كان الأمر يتعلق بشكل أساسي بتطوير التعاون الاقتصادي، وتم سحب القضايا السياسية من المعادلة. ومع ذلك، في الحالات الثلاث أيضاً، كانت هناك وعود من الجانب السعودي لزيادة الاستثمار والتجارة، واستجابة لذلك كانت هناك تأكيدات بالتفاهم المتبادل والاستعداد للتعاون في قضايا الأجندة الإقليمية.
ونظراً لأن الاتفاقيات الاقتصادية في الشرق الأوسط عادة ما تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاتفاقيات السياسية (ليس بالضرورة أن تكون معلنة)، فإنه يمكن الافتراض أن الغرض الرئيسي من جولة محمد بن سلمان هو التأكد من أنه في القمة القادمة، ستظهر دول المنطقة لبايدن استعدادها للعمل معاً في إطار التحالف الذي يتم إنشاؤه.
ومع ذلك، ليست المملكة السعودية وحدها تستعد لوصول بايدن إلى المنطقة. فعشية وصول ابن سلمان إلى القاهرة، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قمة منفصلة في شرم الشيخ بمصر مع قادة الأردن والبحرين. البيان الختامي للاجتماع لم يتضمن تفاصيل، لكنه أشار إلى أن المشاركين ناقشوا المحادثات المرتقبة في الرياض، وهذا مؤشر آخر على جدية النوايا.
ومن باب الإنصاف، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2018، جاءت إدارة ترامب بالفعل بفكرة إنشاء "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط"، والذي أطلق عليه اسم "الناتو العربي"، وأعلنت مهمته الأساسية، كما هو الحال الآن، لاحتواء إيران. ومع ذلك، تم الترحيب بالمبادرة ببرود حتى في الخليج، بسبب الانقسام الذي نشأ بين دول مجلس التعاون الخليجي (كانت قطر تحت حصار جزئي من قبل جيرانها)، ولم يكن هناك موقف موحّد من إيران. كما لم تكن اتفاقيات "إبراهام" وقّعت بعد، مما يعني أنه كان من السابق لأوانه الحديث عن مشاركة "إسرائيل" في التحالف.
لن يعمل الناتو العربي بدون "إسرائيل"
الآن تغيرت الحقائق الإقليمية وكذلك الموقف من الدولة اليهودية، إذ يسعى السعوديون وأقرب شركائهم إلى ضم "إسرائيل" (التي تمتلك القدرات والتقنيات العسكرية اللازمة) إلى التحالف المناهض لإيران، لا سيما في مجال الأمن السيبراني والدفاع الصاروخي والطائرات بدون طيار القتالية.
الوضع خطير للغاية (إن لم يكن يائساً) لدرجة أنه قد يُعرض على "إسرائيل" تطبيع مبكر للعلاقات - حتى قبل تسوية القضية الفلسطينية، على الرغم من أن مبادرة السلام العربية (الوثيقة التأسيسية للتسوية في الشرق الأوسط) تطالب بالعكس.
ومن المتوقع أن يسمح أعضاء الحلف لـ "إسرائيل" باستخدام مجالاتهم الجوية وموانئهم وأراضيهم لنشر الرادارات ومحطات الاستخبارات الإلكترونية وما إلى ذلك. في المقابل، ستلعب "إسرائيل" دوراً نشطاً في إنشاء نظام دفاع جوي/دفاع صاروخي إقليمي.
ومع ذلك، من أجل تطبيع العلاقات علانية مع تل أبيب، تحتاج الرياض إلى مساعدة نشطة من واشنطن. إن التعاون بين دول الخليج و"إسرائيل" موجود بالفعل، لكن المملكة العربية السعودية -كقائد للعالم العربي والإسلامي - لا يمكنها رسمياً تطوير علاقات مع طرف لا يزال، في نظر الرأي العام الإقليمي، هو المعتدي والمضطهد للفلسطينيين. هناك حاجة إلى تحولات رمزية على الأقل، مما يعطي شبح الأمل في إيجاد حل مناسب للقضية - عندها سيعمل نفس المنطق، كما في اتفاقيات إبراهام: تطبيع العلاقات كوسيلة للتأثير على "إسرائيل".
لذلك، يتوقعون من زيارة بايدن، إن لم يكن تقدماً على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فعلى الأقل العودة إلى الوضع الذي كان موجوداً قبل أن يأتي الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. للقيام بذلك، يحتاج بايدن إلى استئناف العمل مع السلطة الوطنية الفلسطينية، التي قطعها سلفه، وإعادة التأكيد على تمسكه بمبدأ "دولتين لشعبين"، وإثبات أن أميركا تعترف بحقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية، على سبيل المثال، من خلال استئناف عمل القنصلية الأميركية هناك.
هناك حاجة إلى جدول أعمال عالمي
كما أن هناك تساؤلات في الدول العربية تتعلق بسياسة واشنطن الدولية. يرغب العرب، على وجه الخصوص، في فهمٍ أفضل لموقف الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، وهم قلقون بشكل خاص بشأن احتمالية نشوب صراع طويل الأمد وزيادة تصعيده، الأمر الذي سيعرض الأمن الغذائي لدول المنطقة للخطر، والتي تعاني أصلاً من جفاف شديد. من المهم بنفس القدر فهم النظام العالمي المستقبلي ومعرفة كيف ترى الولايات المتحدة مستقبل العلاقات مع بكين وموسكو.
في الشرق الأوسط، يناقش الخبراء السياسيون الآن بنشاط احتمال نشوب حرب باردة جديدة وانقسام العالم إلى كتلتين متعارضتين؛ روسية صينية، وأخرى موالية للغرب. يمكن أن يصبح مثل هذا التطور في الأحداث غير موات للغاية، حيث يمكن لهذه المعسكرات أن تحول الشرق الأوسط إلى ساحة للمنافسة، وتؤدي إلى تفاقم النزاعات الإقليمية، وتعطيل تدفقات التجارة العالمية.
من المهم أيضاً أن نفهم كيف يرى العرب المهام التي سيؤديها بايدن خلال جولته في الشرق الأوسط. يتفق معظم المحللين الإقليميين على أن الرئيس الأميركي سيتوجه إلى الرياض لإعادة العلاقات مع دول الخليج وإقناع الدول المصدرة للنفط بضرورة زيادة الإنتاج لصالح خفض أسعار النفط العالمية.
من المهم بنفس القدر ضمان ولاء الحلفاء الإقليميين في الحرب الباردة الناشئة مع الصين وروسيا.
أخيراً، هناك حاجة لتهدئة المخاوف العربية والإسرائيلية من اتفاق نووي جديد مع إيران. في هذا الصدد، من الممكن إبرام اتفاقيات أمنية ثنائية جديدة (بما في ذلك مع السعودية)، والتي ينبغي أن تؤكد استعداد الولايات المتحدة للبقاء في المنطقة وحماية حلفائها.
يعتقد المراقبون العرب أن زيارة بايدن مهمة للأجندة السياسية الداخلية لإدارته، لأن الانتخابات النصفية للكونغرس ستجرى في الخريف. من المهم أن يظهر الرئيس الأميركي نجاحاتٍ في السياسة الخارجية لتأكيد كفاءته وتعزيز شعبيته المهتزة. ومع ذلك، يُعتقد على نطاق واسع أن بايدن سيكون حذراً جداً بشأن التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، حتى لا يزعج اللوبي الموالي لـ "إسرائيل"، ومن غير المرجح أن يتخذ خطوات حاسمة قبل انتخابات التجديد النصفي.
ماذا يريد العرب أنفسهم من بايدن؟
في المجال السياسي، يحتاجون إلى تنسيق الجهود مع الدول العربية لإنشاء هيكل أمني إقليمي شامل؛ تحالف "المعتدلين" المذكور أعلاه، وكذلك بشأن الملف النووي الإيراني والعلاقات مع إيران وتركيا. يجب أن يُفهم هذا على أنه مطلب لأخذ المصالح العربية بعين الاعتبار. كما أن الولايات المتحدة مطالبة أيضاً بالمساهمة في التسوية في اليمن وسوريا وليبيا، وكذلك السعي إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا ولبنان والعراق وليبيا، وذلك بالتنسيق مع الدول العربية.
هناك أيضاً رغبات اقتصادية تتعلق بتغير المناخ وتحول الطاقة. ومن المتوقع تعاون أكثر نشاطاً في مجال الطاقة المتجددة من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن نقل التقنيات الحديثة لإنتاج وقود الهيدروجين رداً على كل الجهود الأميركية المذكورة أعلاه، ستكون الدول العربية مستعدة لدعم الولايات المتحدة في نقطة التحول هذه في تاريخ العالم.
نقله إلى العربية: فهيم الصوراني