"فورين أفيرز": كيف يُصنع السلام مع بوتين

يجب على الغرب التحرك بسرعة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

  •  الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
    زيلينسكي لا يقرر شروط السلام بل الغرب هو من يقرر عنه.

كتب توماس غراهام وراجان مينون مقالة مشتركة في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تناولا فيها إمكانية إحراز السلام بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من الجهة المقابلة، وكيفية صنع هذا السلام.

ورأى الكاتبان أن السؤال عن الشروط التي يجب أن تقبلها أوكرانيا لإنهاء الحرب "غير المبررة" التي شنّتها روسيا عليها قد يعتبره البعض وجيهاً. لكن السؤال الصحيح هو "ما الذي تطالب به الولايات المتحدة وشركاؤها، وأوكرانيا أولاً وقبل كل شيء، أن تفرضه على روسيا كعقاب على عدوانها الفاضح".

وأضاف الكاتبان أنه من المحتمل أن يكون تحقيق نصر مُرضٍ على روسيا بعيد المنال، على الأقل حالياً. فقد واجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاومة شديدة غير متوقعة من الأوكرانيين وعقوبات قاسية من غرب موحّد بشكل غير متوقع، لكن لا شيء يشير إلى أن بوتين على وشك التراجع. بدلاً من ذلك، فهو يضاعف هجومه. ومع تزايد عدد القتلى وحجم الدمار وخطر اتساع الصراع، يجب أن تكون الأولوية هي إنهاء المعاناة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال المشاركة الدبلوماسية التي تؤدي إلى تسوية سياسية.

ينبغي استمرار التفاوض

وفي رأي الكاتبين، يتمثل التحدي الأول والأكثر إلحاحاً في التوسط في وقف إطلاق النار وتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين، داخل وخارج أوكرانيا. التالي هو التفاوض على إنهاء الحرب. إن وقف إطلاق النار سيخلق ظروفاً لمزيد من الدبلوماسية المثمرة، لكن المحادثات، مثل تلك الجارية الآن بين الأوكرانيين والروس، يجب أن تستمر حتى لو ثبت أنها غير قابلة للتحقيق. في كلتا الحالتين، سيحتل الجيش الروسي مساحة كبيرة من الأراضي الأوكرانية: بالطبع، شبه جزيرة القرم، ولكن كذلك أجزاء من شمال أوكرانيا وشرقها، بما في ذلك ممر بري يربط القرم بروسيا والأراضي الشمالية المحاذية لشبه الجزيرة. 

واعتبر الكاتبان أن أوكرانيا والغرب سيحتاجان إلى تحديد التنازلات التي يمكنهما تقديمها لحض بوتين على وقف حربه وسحب قواته. إن تجريد أوكرانيا من السلاح أو إبعادها عن دائرة النفوذ الغربي، كما تطالب موسكو، سيكون أمراً غير مقبول. ومع ذلك، وبغض النظر عن مثل هذه التهدئة، يجب على كييف وشركائها الآن التفكير في مدى استعدادهم للتنازل. ففي صفقة نهائية، من المرجح أن يتم استبعاد محاولة كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) - وربما زيادة توسّع الحلف في الفضاء السوفياتي السابق - لكن روسيا ستحتاج أيضاً إلى قبول أن أوكرانيا المحايدة ستحتفظ بعلاقات أمنية وثيقة مع الغرب. 

وأضاف: يجب أن تتضمن الاتفاقية أيضاً خططاً لمساهمة روسيا في تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا وإجراء استفتاءات لتسوية المستقبل السياسي لجمهوريات القرم ودونباس. على الغرب، من جهته، توضيح الظروف التي يكون فيها مستعداً لرفع العقوبات عن روسيا. لن يكون أي طرف راضياً عن جميع جوانب التسوية النهائية. لكن من دون التنازلات الصعبة، قد لا تنتهي الحرب.

الخيارات محدودة أمام الغرب

وأقر الكاتبان بأنه لا يوجد طريق واضح لانتصار مبكر وحاسم على روسيا. فقد رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها إمكانية التدخل العسكري المباشر للدفاع عن أوكرانيا، نظرًا لخطر اندلاع حرب نووية. إن تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا سيزيد من خسائر روسيا الكبيرة بالفعل في الجنود والأسلحة، لكن يبدو أن بوتين مستعد لقبول التكلفة إذا كان هذا هو ما يلزم لإخضاع الجيش الأوكراني. وقال الكاتبان إن بوتين قد بدأ هذه الحرب، لكن الإطاحة به لن تنهيها بالضرورة. من المستبعد قيام انتفاضة شعبية تطيح به.. وفي حالة حدوث انقلاب في الكرملين، قد يكون القائد الجديد أكثر استعدادًا للتحدث ولكنه لن يكون مهتمًا بالاستسلام، نظرًا للمخاطر التي قد تشكلها على البقاء في السلطة. لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن محاولة تغيير النظام من الخارج ستؤدي إلى نتيجة إيجابية أيضًا. أولئك الذين يدافعون عن هذا الطريق يفترضون أحد سيناريوهين: ظهور قائد جديد مستعد لإنهاء الحرب من دون انتصار، أو حتى احتجاجات جماهيرية تؤدي في النهاية إلى روسيا ديمقراطية. إنهم يتغاضون عن نتيجة ثالثة لا يمكن استبعادها: الاضطرابات السياسية الطويلة والعنف الذي يزعزع استقرار قوة نووية عظمى.

وبالمثل، فإن العقوبات القاسية لن تنهي الحرب في أي وقت قريب. يُظهر السجل التاريخي أن العقوبات تستغرق وقتًا طويلاً للتأثير على حسابات الدولة المستهدفة، إذا فعلت ذلك أساسًا. لنأخذ مثال كوريا الشمالية. القادة الذين يعتقدون أن أفعالهم ضرورية لتحقيق أهداف الأمن القومي الحيوية، كما يفعل بوتين اليوم، أثبتوا في كثير من الأحيان استعدادهم لدفع ثمن اقتصادي باهظ.

تكاليف الحرب ومخاطر تمددها

وخلصت المقالة إلى أنه من دون التنازلات الصعبة، قد لا تنتهي الحرب. فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لا يستطيعون الانتظار لمعرفة المدة التي يمكن أن يتحمل فيها الكرملين تكاليف حربه. إنهم يقتربون بسرعة من الحد الأقصى للعقوبات التي يمكنهم فرضها من دون المعاناة من التداعيات الاقتصادية. فأسعار البنزين آخذة في الارتفاع، وكذلك تكلفة القمح (كل من روسيا وأوكرانيا من كبار المصدرين). من المتوقع أن يزداد التضخم، الذي كان حادًا بالفعل، وأن تنخفض معدلات النمو الاقتصادي، مما يعرّض الاقتصاد العالمي إلى مخاطر حصول تضخم مصحوب بركود اقتصادي على غرار فترة سبعينيات القرن العشرين. تفاقمت اضطرابات سلاسل التوريد التي بدأت أثناء الوباء بسبب الحرب، حيث تواجه شركات شحن الحاويات معدلات تأمين أعلى وتضطر طائرات الشحن إلى استخدام طرق أطول بعد قرار روسيا برفض حقوق التحليق لـ36 دولة.

وقال الكاتبان إنه سيؤدي إطالة أمد الهجوم الروسي إلى مقتل المزيد من الأوكرانيين الأبرياء وإلحاق المزيد من الأضرار الاقتصادية بأوكرانيا والتي ستستغرق سنوات، وربما عقودًا، لإصلاحها. وستزيد من فرص انتشار الحرب خارج أوكرانيا، مما يدفع الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو إلى مواجهة مسلحة مع روسيا. أعلنت موسكو بالفعل أن القوافل التي تحمل أسلحة غربية إلى أوكرانيا هي أهداف مشروعة وصعدت من الضربات الجوية والهجمات الصاروخية على مواقع بالقرب من حدود أوكرانيا مع بولندا. إن المطالبات بإنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا أو تشديد العقوبات بهدف إسقاط النظام السياسي لبوتين تنطوي على مخاطر عواقب وخيمة غير مقصودة من دون تحقيق النتائج المرجوة.

حان الوقت لبدء التفاوض

وقال الكاتبان إنه على الرغم من أن أوكرانيا وداعميها الغربيين ليسوا في وضع يسمح لهم بهزيمة روسيا في أي جدول زمني معقول، إلا أن لديهم نفوذًا للضغط من أجل المفاوضات. تؤدي المقاومة الشديدة من الجيش الأوكراني والقوات غير النظامية إلى مضاعفة الخسائر الروسية، والتي - جنبًا إلى جنب مع الظروف الاقتصادية المتدهورة في روسيا ومخاوف النخبة الحاكمة من السخط الشعبي - يمكن أن تضع ضغطًا كافيًا على بوتين لجعله قابلاً للتسوية السياسية. قد يكون قادة أوكرانيا، من جانبهم، منفتحين على تنازلات كبيرة من أجل إنهاء المعاناة الإنسانية والأضرار الاقتصادية الناجمة عن الهجوم الروسي. قد تكون نقطة التحول لكلا الطرفين للالتزام بنوع الاتفاق الذي يمكن أن ينهي الحرب على بعد أسابيع فقط.

وتابعا: هذا يعني أن الوقت المناسب لرسم الخطوط العريضة للحل الدبلوماسي قد حان الآن. من حق الأوكرانيين بالطبع أن يقرروا الشروط المقبولة لإنهاء مقاومتهم المسلحة للهجوم الروسي. لكن المفاوضات لن تقتصر على أوكرانيا وروسيا، لأن أي حل للأزمة سيحتاج ليس فقط إلى معالجة التوجه الجيو-السياسي لأوكرانيا ولكن أيضاً معالجة مخاوف موسكو الأوسع بشأن الهيكل الأمني ​​في أوروبا. بالنسبة لهذه المناقشات، لن تقبل روسيا أي محاور آخر غير الولايات المتحدة، الدولة الأخرى الوحيدة التي لديها القوة العسكرية الكافية لتغيير ميزان القوى في القارة، والعمل كضامن للتوصل إلى تسوية نهائية.

ورأى الكاتبان أن في رأس هذه المفاوضات ستكون مسألة توسّع الناتو باتجاه الشرق، والذي رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حتى الآن بشكل قاطع مناقشته مع روسيا. من الصعب أن نتخيل، مع ذلك، أن بوتين سيتخلى عن مطلبه بعرقلة عضوية أوكرانيا في الناتو قبل أن يسحب قواته. قبل الحرب، كانت عضوية الناتو غير قابلة للتفاوض بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. لكن تصريحاته الأخيرة أعادت الحياد إلى الطاولة. في غضون ذلك، قد تضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تقرير ما إذا كانوا على استعداد لإغلاق باب الناتو أمام الدول السوفياتية السابقة الأخرى التي تسعى إلى العضوية.

الخطوط العريضة للحل الدبلوماسي

وقال الكاتبان إنه حان الوقت الآن لرسم الخطوط العريضة للحل الدبلوماسي. فالتحدي التالي هو إيجاد ترتيب يمكن بموجبه لأوكرانيا غير منحازة عسكرياً - أو محايدة - أن تثق بأمنها. بعد الهجوم الروسي، لن تكون صفقة بشروط مشابهة لتلك الواردة في مذكرة بودابست لعام 1994 - التي قدمت بموجبها روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضمانات أمنية في مقابل تخلي أوكرانيا عن الترسانة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي - مقبولة للقادة الأوكرانيين. سوف تتطلع كييف بلا شك إلى الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين للحصول على الأسلحة والتدريب العسكري، فضلاً عن المساعدة في تحديث صناعاتها الدفاعية، لضمان أن أوكرانيا لديها القدرة على الدفاع عن النفس. ستكون روسيا غير مرتاحة لمثل هذه النتيجة، لكنها قد تقبلها طالما وافقت أوكرانيا على عدم السماح لقوات الناتو المقاتلة أو قواعده العسكرية في التواجد على أراضيها. في المقابل، قد تسعى أوكرانيا إلى فرض قيود على الانتشار العسكري الروسي في أراضيها المتاخمة لأوكرانيا.

يجب أن تضمن التسوية كذلك تخلي روسيا عن الأراضي التي احتلتها منذ تدخلها في 24 شباط / فبراير ووضع إجراء لتحديد الوضع المستقبلي لشبه جزيرة القرم ودويلتي دونباس التي اعترف بوتين باستقلالهما قبل الهجوم. من الناحية المثالية، سينتهي هذا الإجراء بقرار يستند إلى الاستفتاءات المراقبة دولياً والتي يتم التصديق عليها على أنها حرة وعادلة. من المرجح أن يؤكد مثل هذا التصويت أن شبه جزيرة القرم جزء من روسيا، والتي يمكن لأوكرانيا قبولها كحقيقة من دون الاعتراف بها رسمياً - سيكون هذا مشابهاً للطريقة التي تعاملت بها جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية مع علاقتهما في معاهدة موقعة في عام 1972. نتيجة الاستفتاء في دونباس ستكون أقل تأكيداً. منذ أن ادعى القادة الانفصاليون، بدعم روسي، مجمل مقاطعات دونيتسك ولوهانسك، التي سيطروا فقط على ثلثها قبل الحرب، يجب أن تصر كييف على إجراء الاستفتاءات في جميع أنحاء المقاطعتين. يكاد يكون من المؤكد أن يؤدي ذلك إلى هزيمة الانفصاليين وتصفية معاقلهم.

ودعا الكاتبان إلى أن تتضمن التسوية بنوداً لإعادة إعمار أوكرانيا التي مزّقتها الحرب. لن يكون الروس مستعدين لتحمل العبء بأكمله، لكن على موسكو أن تغطي جزءًا كبيرًا من التكاليف التي تسبب بها غزوها، وستتحمل الولايات المتحدة وأوروبا والمؤسسات المالية الدولية الباقي. إن إقناع روسيا بالتعهد بالتزام مالي كبير - أو تقديم أي من التنازلات الصعبة الموضحة هنا - سوف يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها طرح خطة لرفع العقوبات. ستريد موسكو معرفة الشروط والجدول الزمني للإغاثة الاقتصادية المرحلية، وفي النهاية، إنهاء جميع العقوبات. من دون هذا التأكيد، لن يكون لديها حافز للموافقة على تسوية.

التسوية والتنازلات الضرورية

ستعتمد الشروط النهائية للاتفاق الفعلي على واقع القتال مع بدء المفاوضات. ستؤثر المواقف في ساحة المعركة والظروف الاقتصادية والسياسية داخل روسيا وأوكرانيا والغرب على وتيرة المحادثات ونتائجها. قد تكون روسيا وأوكرانيا مستعدتين لتقديم التنازلات الضرورية فقط بعد أن تستنتج كلتاهما أن تكاليف استمرار القتال تفوق التضحيات التي تتطلبها التسوية الدبلوماسية. وقد يدفع الغرب بقوة للتوصل إلى تسوية فقط عندما يدرك أن العقوبات المفروضة على روسيا تتطلب تحمّلها لضربة اقتصادية قاسية. لم يصل أي طرف إلى هذه المرحلة حتى الآن، ولكن بالنظر إلى وحشية الصراع والخسائر المتزايدة على الجانبين والظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة في الغرب، فقد يأتي الوقت في وقت أقرب مما كان متوقعًا.

وخلص الكاتبان إلى أنه يجب أن توازن التسوية الدائمة بين مصالح جميع أطراف النزاع. في الإطار المقترح هنا، لا يحقق أي طرف أهدافه النهائية، لكن كل طرف يحصل على شيء يحتاج إليه بشكل عاجل - هذه هي النتيجة الحتمية لأي مفاوضات لإنهاء حرب مروعة. لن يبدو مثل الانتصار الذي يتوق إليه كثيرون في الغرب وأوكرانيا. ومع ذلك، فإن التسوية التي تحافظ على أوكرانيا المستقلة مع ما يكفي للدفاع عن نفسها يجب أن تعتبر نجاحًا كبيرًا. يجدر بنا أن نتذكر أن الغرب ربح الحرب الباردة ليس بضربة واحدة ولكن من خلال سلسلة من الخطوات - بما في ذلك، التنازلات مع موسكو لتجنب الحرب، عندما كان ذلك ضروريًا. وكانت النتيجة التراكم المطرد للمزايا على مدى 40 عامًا. هذا هو النهج الذي يجب أن يتبناه الغرب اليوم.

*توماس غراهام، زميل متميز في مجلس العلاقات الخارجية، عمل كمدير أول لشؤون روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بين عامي 2004 و2007.

**راجان مينون هو أستاذ العلاقات الدولية في كلية مدينة نيويورك، وباحث أول في معهد سالتزمان لدراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.