على الأميركيين وقف المسيرة إلى الحرب العالمية الثالثة بشأن أوكرانيا
رسالة حلف "الناتو"، بأن المجتمع عبر الأطلسي لا يمكن أن يكون مستقراً وآمناً إلا إذا كانت أوكرانيا آمنة، دعوة مفتوحة للحرب العالمية الثالثة والتدمير المتبادل للغرب وأوراسيا، وحان الوقت لكي يتخذ الأميركيون موقفاً ويقاومون هذه المسيرة المخططة نحو الحرب.
نشرت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية، مقالاً عن ضرورة وقف الأميركيين المسيرة إلى الحرب العالمية الثالثة بشأن أوكرانيا، موضحةً أنّه "بسبب الشعور الزائف بالأخلاق يلفه الغطرسة والحسابات المكيافيلية، تدفع واشنطن بالعالم نحو حافة الهاوية، ويجب منع هذا".
فيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
قبل قمة حلف "الناتو" في مدينة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا في شهر تموز/يوليو الجاري، أوصى 46 خبيراً في السياسة الخارجية، باتخاذ تدابير تؤمن فوز أوكرانيا، وإعادة فرض سيطرتها الكاملة على حدودها المعترف بها دولياً، فضلاً عن ترسيخ كييف ضمن الترتيبات الأمنية والاقتصادية للحلف الأطلسي.
بعيداً عن مقولة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم ينجح بإعادة تشكيل أمن أوروبا، شدّد أعضاء "الناتو"، على أن المجتمع عبر الأطلسي لا يمكن أن يكون مستقراً وآمناً إلا إذا كانت أوكرانيا آمنة، وأنّ انضمام أوكرانيا إلى الحلف تم التعهد به في قمة "الناتو" في العام 2008 في بوخارست، سيتحقق.
مع ذلك، وضع هذا الهدف في قاعة الانتظار على المستوى الرسمي، مع التزام "عارم" بتزويد أوكرانيا بجميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ طويلة المدى، والطائرات المقاتلة المتقدمة والدبابات والذخائر بكميات هائلة للانتصار في ساحة المعركة. كذلك، تطوير استراتيجية الأمن القومي الأوكرانية، واستراتيجية الدفاع الوطني، وهيكلتهما بما يتوافق مع معايير "الناتو". وخلص المجتمعون إلى أن المجتمع عبر الأطلسي سيكون عند ذلك فقط، أكثر استقراراً وأماناً وازدهاراً.
ببساطة، رسالة حلف "الناتو"، دعوة مفتوحة للحرب العالمية الثالثة والتدمير المتبادل للغرب وأوراسيا. ويقوم على تحليل خاطئ، تغطية الغطرسة واللامبالاة والجهل بالتاريخ والجغرافيا السياسية. بهذا المستوى من المواربة والمكر، يخفي أعضاء "الناتو"، هدفهم بمحاصرة روسيا بالكامل، كي يتسنى لهم السيطرة على (عاصمة بطرس الأكبر). وفي الوقت نفسه، لم يعر هؤلاء أيّ اهتمام للاعتراضات والمحاولات التي قامت بها القيادة الروسية لثني الغرب عن توسيع "الناتو"، خاصةً نحو الشرق. فمن منظور روسيا، يستمر الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بالمناورات في هذا الموضوع، ويطلب من روسيا أنّ تدفن رأسها في الرمال بما يخص أمنها القومي.
كان الرئيس الأميركي جورج بوش، قد وعد آخر رئيس سوفياتي ميخائيل غورباتشوف، في قمة مالطا في العام 1989، بأنّه لن يكون هناك توسع لحلف "الناتو" بوصة واحدة نحو الشرق. لكن، في قمة "الناتو" في مدريد في العام 1997، دعيت رسمياً 3 بلدان من حلف "وارسو" السوفياتي السابق، هي بولندا والمجر وجمهورية التشيك للانضمام إلى الحلف. وبعد ما لا يقل عن أسبوعين من دخول عضويتها حيز التنفيذ في العام 1999، بدأ "الناتو" بقصف صربيا، حليف روسيا الصلب في وسط أوروبا.
استمر غض النظر عن أيّ اعتبارات للأمن القومي الروسي، وبدأت المرحلة الثانية لتوسيع "الناتو" في عام 2004، حيث أصبحت بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا أعضاء في الحلف الأطلسي. وبالتزامن، شجّعت الولايات المتحدة وحرضت على "الثورات الملونة"، في جورجيا وأوكرانيا، بغاية تثبيت حكومات عميلة للمنظومة الغربية، والدفع نحو تهدييدات للأمن القومي الروسي بلا هوادة، مما أدى إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا الاتحادية في العام 2014، ثم إلى العملية الخاصة في أوكرانيا فيالعام الماضي.
بالعودة إلى العام 2008، لخص الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف، مخاوف روسيا، من التوسع العدواني والخطير لحلف "الناتو"، على طول الحدود الغربية والجنوبية لروسيا، والذي يرسم خطوطاً فاصلة جديدة في أوروبا، ومن الطبيعي أن تنظر موسكو، إلى هذا على أنه عمل موجه ضدها.
لم يكن ميدفيديف يضخم التهديدات الأمنية لروسيا، بقدر ما كان يحذّر من استمرار الغرب بلعبته المجنونة والخطرة. وكان جورج كينان، مهندس سياسة الاحتواء الأميركيية، أيّ "الحرب الباردة" مع الاتحاد السوفيتي، قد صرح بأنّ "توسيع الناتو سيكون الخطأ الأكثر فداحة للسياسة الأميركية في حقبة ما بعد الحرب الباردة بأكملها". وأوضح أنّ روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي، في أمر يساوي وجودها، ويجعل الآباء المؤسسين لهذا البلد يتقلبون في قبورهم.
وتوقع جورج كينان، أنّ تفشل الخطط الأطلسية، تحت ضربات متصاعدة على التوالي من الردود الروسية، التي ستدفع بالمنظومة الغربية إلى ندم كالعادة لم يعد ينفع. وعلى خطى كينان، سار 50 شخصاً من خبراء السياسة الخارجية البارزين، بمن فيهم أعضاء سابقون فيي مجلس الشيوخ الأميركي، و أرسلوا خطاباً مفتوحاً إلى الرئيس بيل كلينتون في العام 1997، يوضح معارضتهم لتوسيع حلف "الناتو"، ويصفونها بأنه "خطأ سياسي تاريخي".
تحققت نبوءة جورج كينان في عام 2022، لكن العقلية السياسة الغربية، تمسكت بوجهة نظرها "المعصومة عن الخطأ"، فرفعت من دعم أوكرانيا إلى مستوى مذبح الالتزام "المقدس" بحماية الديمقراطية والدفاع عن السلام في الغرب ضد الاستبداد والشر. ولا بد من تشويه صورة الرئيس فلاديمير بوتين للهيمنة على روسيا. قامت إدارة بايدن، بتشجيع وتحريض من وسائل الإعلام الرئيسية والمحافظين الجدد والتدخل الليبرالي ومراكز الفكر المرتبطة بمؤسسة الدفاع، بتصعيد وتيرة الحرب تدريجياً من خلال رفض آفاق السلام والارتقاء بشكل مطرد. كمية ونوعية الأسلحة الفتاكة المسلمة إلى أوكرانيا.
تدافع الآن القوات الروسية عن مناطق الدونباس وشبه جزيرة القرم، كما فعلت عبر مئات السنين من التاريخ، حيث لا مكان لفكر الهزيمة، بغض النظر عن من يحكم في موسكو. ومنذ هزيمة روسيا القيصرية، للمغول في القرن الخامس عشر، كانت شبه جزيرة القرم والمناطق المجاورة لها في شرق وجنوب روسيا، تشكل مكانة كبرى في كل مراحل التاريخ لهذا البلد. وفي وقت مبكر، وضع القيصر الروسي بطرس الأكبر، بحر آزوف وشبه جزيرة القرم نصب عينيه، واستولى عليهما من العثمانيين، في العام 1698
بهذا المعنى، يظهر أن روسيا في الماضي والحاضر، شكّلت لها شبه جزيرة القرم ودونباس، مركز ثقل جيوسياسي ولمكانتها كقوة عظمى.
والآن، يقول سكان القرم، أنه في العام 1991 تم تسليمهم مثل كيس من البطاطس، إلى جمهورية أوكرانيا، حين كانت مضطرة أنّ تقبل الوضع، الأوقات العصيبة التي كانت تمر بها آنذاك، لدرجة أنها من الناحية الواقعية لم تكن قادرةً على حماية مصالحها. ومع ذلك، لم يستطع سكان القرم أنّ يتصالحوا مع هذا الظلم التاريخي الفادح.
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مراراً أنّ زمن تواضع موسكو السياسي، قد انتهى إلى غير رجعة. وشدّد على أنّ شبه جزيرة القرم جزء لا يتجزأ من روسيا، وحجر زاوية لظهورها كحضارة ودولة عظمى. والحفاظ على القرم هو فعل لتصحيح الظلم التاريخي الفظيع الذي ارتكب ضد روسيا. وكذلك، هي مناطق دونباس من الخطوط حمراء لروسيا، التي فضل شعبها إشعال النيران في موسكو وحرقها بدلاً من التنازل لجيش نابليون.
وروسيا، التي صمدت بوجه الغزو النازي على طول الجبهة الشرقية، المعزز بحوالي 3.5 مليون جندي ألماني، بتكلفة مذهلة، لكنها، وجهت ضربة قاسية للرايخ في برلين. ومن خلال الصد الروسي للغزو النازي، مهد الطريق لانزال النورماندي الشهير.
هل يفكر المسؤولون في الغرب في ردود الفعل الروسية المحتملة، وهل تدرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنّ شعاراتها الأخلاقية الزائفة يلفها حسابات الغطرسة والميكيافيلية، وتأخذ العالم بثبات والعديد من إلى حافة هاوية الحرب النووية. لقد حان الوقت لكي يتخذ الأميركيون موقفاً ويقاومون هذه المسيرة المنسقة والمخططة نحو الحرب العالمية الثالثة. ويجب على الأميركيين أن يوقفوا هذا الجنون..
نقلها إلى العربية: حسين قطايا