"جيروزاليم بوست": ليس لدى "إسرائيل"خطة عسكرية فعّالة ضد المنشآت النووية الإيرانية

لم يكن نفتالي بينيت مخطئاً بعد أن أصبح رئيساً للوزراء عندما قال إن سلفه، بنيامين نتنياهو، كان شديد التركيز على التحدث ضدّ إيران لدرجة أنه أهمل اتخاذ إجراءات لوقفها.

  • إيران تكشف النقاب عن  طائرة قتالية بدون طيار جديدة تسمى
    إيران تكشف النقاب عن طائرة قتالية بدون طيار جديدة تسمى "غزة" في 22 أيار /مايو 2021 (أ ف ب).

كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست " الإسرائيلية أنه ليس لدى "إسرائيل" حالياً خطة عسكرية فعّالة ضد المنشآت النووية الإيرانية، مؤكّدة أن  "مأزق "إسرائيل" الاستراتيجي تجلّى في خطاب بينيت في الأمم المتحدة.

فيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:

إليكم الأخبار السارة: ما لم يحدث شيء متطرف ودراماتيكي، لن نشهد طائرات F-35 أو F-15 الإسرائيلية تقلع في العامين المقبلين لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

إليكم الأخبار السيئة: تواصل إيران التقدّم نحو سلاح نووي بوتيرة غير مسبوقة، وفي غضون سنوات قليلة قد تحتاج طائرات F-35 وF-16 الإسرائيلية إلى الإقلاع ومحاولة تدمير المنشآت النووية الإيرانية.

قد يبدو هذا متناقضاً، لكنه ليس كذلك. لا تزال إيران تشكّل التهديد الذي كانت عليه منذ 20 عاماً، وتتجاوز العتبة النووية باستمرار بينما تتلاعب بالغرب. بقيت استراتيجيتها كما هي: تقدم ببرنامجها بينما تحاول دفع أقل ثمنٍ ممكن. شيء يشبه الرقص - خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، والعكس صحيح.

إليكم خبراً سيئاً آخر: ليس لدى "إسرائيل" حالياً خطة عسكرية فعالة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية. النبأ السار هو أنه في المستقبل القريب، من المتوقع أن يتغير كل شيء.

هنا حيث يصبح الوضع معقّداً. من ناحية أخرى، لم يكن نفتالي بينيت مخطئاً بعد أن أصبح رئيساً للوزراء عندما قال إن سلفه، بنيامين نتنياهو، كان شديد التركيز على التحدّث ضدّ إيران لدرجة أنه أهمل اتخاذ إجراءات لوقفها.

الحقيقة أن استراتيجية نتنياهو فشلت. تتفق المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إلى حد كبير على أنه في حين أن الاتفاق النووي لعام 2015 كان اتفاقاً سيئاً، إلا أن إقناع دونالد ترامب بالانسحاب منه في سنة 2018 لم يحقق النتيجة المرجوة.

لم يقتصر الأمر على عدم رضوخ إيران للعقوبات أو العودة إلى طاولة المفاوضات، بل أصرت على أنه إذا انسحبت أميركا من الصفقة، فقد تنتهكها أيضاً.

وهكذا حصل، تمتلك إيران حالياً حوالى 5 أطنان من اليورانيوم منخفض التخصيب، و85 كغ من المادة الانشطارية المخصبة بنسبة 20%، و10 كغ أخرى مخصبة بنسبة 60%. بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، ليس من المفترض أن تمتلك إيران أكثر من بضع مئات من الكيلوغرامات من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وفقًا للاستخبارات العسكرية، يمكن لإيران أن تقرر أخذ كل هذا اليورانيوم منخفض التخصيب واستخدامه، في غضون شهرين، لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لسلاح نووي، ما يشار إليه باسم  SQ(significant quantity) - "كمية مهمة".

في محاكاة الجيش الإسرائيلي، يشار إلى مثل هذه الخطوة باسم "إعلان حرب"، لكن هذا لا يعني أن "إسرائيل" ستحتاج إلى خوض حربٍ على الفور.

حتى مع وجود قدر كبير من اليورانيوم المخصب بدرجة عسكرية، ستظل إيران بحاجة إلى أخذ الغاز وتحويله إلى معدن يورانيوم، وهي عملية معقدة للغاية - جنباً إلى جنب مع تجميع رأس حربي مثبت على صاروخ باليستي يمكن أن يصل إلى "إسرائيل" - سوف تستغرق على الأقل عامين.

المشكلة هي أن "إسرائيل" تخلّفت. في السنوات 2010 و2012، كان لدى "إسرائيل" خطة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. ربما لم تكن مثالية أو مضمونة، لكن كانت هناك خطة.

تمّ تدريب وإعداد أسراب من سلاح الجو. عرف الطيارون أهدافهم وكيف سيصلون إليها. عندما ظهر الاتفاق النووي، على الرغم من أنه كان سيئاً، إلى حيّز الوجود، وضعت "إسرائيل: خطط الهجوم في الدُرج.

على الرغم من مشاكله، كان الجميع في "إسرائيل" يعلمون - بما في ذلك أكبر عدو له، نتنياهو - أنه مع تنفيذ الاتفاق النووي، أصبحت العملية العسكرية الآن خارج الطاولة.

ولكن كما هو الحال في صالة الألعاب الرياضية، عندما تقوم ببناء العضلات وذاكرة العضلات، عليك الحفاظ عليها. يجب أن يستمر الطيارون في التدريب، ويجب أن تخضع الذخائر للصيانة، ويجب تخصيص الميزانيات.

عندما بدا أن الاتفاق النووي يعمل، تمّ اتخاذ قرار في الحكومة بوقف تلك الاستعدادات. حتى أنه عُرض على المجلس الوزاري المصغر ​​ووافق عليه نتنياهو، كجزء من خطة الجيش الإسرائيلي السابقة متعددة السنوات، المسماة "غدعون".

بدا ذلك جيداً لبضع سنوات، واصلت طهران دعمها للإرهاب، لكنها في الغالب تمسكت بالاتفاق. في حين أن الجيش الإسرائيلي لا يزال بحاجة إلى توخّي اليقظة ومراقبة كل خطوة لإيران، إلا أنه كان قادراً على استثمار أمواله في مكان آخر. نتيجة لذلك، تم تنحية العضلة المرنة - خطة الهجوم ضد إيران - جانباً.

لكن عندما انسحب ترامب من الاتفاق وانتهكته إيران أيضاً، لم ترد "إسرائيل" وفقاً لذلك. كان ينبغي أن تكون دعوة للاستيقاظ. لكنها لم تكن كذلك. لم تُعد "إسرائيل" استثمار الأموال اللازمة لشحذ خطتها الهجومية لضربة محتملة.

في الجيش الإسرائيلي، يلقي الضباط اللوم على ما يشيرون إليه بالعاصفة المثالية - انتهاكات إيران تحدث جنباً إلى جنب مع بداية جولات الانتخابات الإسرائيلية الأربعة. هذا يعني عدم وجود ميزانية للدولة، ما يعني أنه لا توجد وسيلة للجيش الإسرائيلي لإعداد خيار الهجوم مرة أخرى.

اليوم، مع وجود ميزانية في طريقها للموافقة عليها في الكنيست، يمكن لهذه الخطط أن تتقدم مرة أخرى. كما أنها لم تعد كما كانت في سنة 2012.

لقد كان لدى إيران الوقت لتعزيز منشآتها النووية وتعزيز دفاعاتها. هذا يمثّل تحديات، لكن لا ننسى أن التكنولوجيا الإسرائيلية قد تحسنت أيضاً لم يكن لدى "إسرائيل" حتى طائرة مقاتلة واحدة من طراز F-35 بقدرات التخفي في سنة 2012. واليوم لديها أسطول من 30.

إن استخدام الميزانية كذريعة لسبب سقوط خطة الهجوم جانباً هو أمر شعبوي بعض الشيء. خلال ما يقرب من 3 سنوات بدون ميزانية حكومية، عرف الجيش الإسرائيلي كيفية الحصول على أموال إضافية، وكيفية تحويل الأموال من أي مشروع يعتبر أقل أهمية إلى مشاريع أخرى تُعتبر أكثر أهمية.

إذا شعر الجنرالات الإسرائيليون أن إيران تضع سيفاً على أعناقهم، فهل نصدق أن الافتقار إلى ميزانية الدولة هو ما يعيقهم؟ تمكنت حكومة انتقالية من تخصيص مليارات الشواكل لمساعدة الإسرائيليين على تجاوز المصاعب الاقتصادية التي سببتها الكورونا. ألم يكن بإمكانها أن تفعل الشيء نفسه إذا كانت هناك حالة طوارئ مع إيران؟

من الطبيعي أن يكون لديهم ذلك، ما يعني أنهم لم يشعروا بالإلحاح. قد يستخدم السياسيون إيران للتعبير عن شعورٍ بالإلحاح أو لقمع أحد خصومهم، لكن هذه الشعبوية لا تتطابق دائماً مع الطبيعة الحقيقية للتهديد.

في حين أن إيران تشكّل بلا شك أكبر تهديد لـ "إسرائيل" وربما حتى خطراً وجودياً، لا يمكننا تجاهل أنها تُستخدم أيضاً لأغراض سياسية عندما يكون ذلك مناسباً - من قبل السياسيين الذين يسعون لمهاجمة بعضهم البعض، أو من قبل الجيش للضغط للحصول على المزيد من الأموال من خارج الميزانية. 

تجلّى مأزق "إسرائيل" الاستراتيجي في خطاب بينيت في الأمم المتحدة يوم الاثنين. بينما قال إن صبر "إسرائيل" قد نفد، وأن الكلمات وحدها لن توقف إيران، إلا أنه لم يعارض بشدة الجهود الأميركية للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ولم يحدد خطة واضحة خاصة به بشأن ما ستفعله "إسرائيل" عندما تفشل الدبلوماسية. 

هل يعود عدم وجود تهديد واضح إلى فهم أن الخيار العسكري الإسرائيلي ليس جاهزًا بعد، أو لأن بينيت لم يرغب في أن يُنظر إليه على أنه يقوض جهود إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق؟

يبدو أن الإجابة في مكان ما في الوسط، وهذا هو السبب في أن "إسرائيل" تركّز حالياً على محاولتين متوازيتين: إعداد الجيش، ومحاولة إقناع البيت الأبيض بتقديم تهديد عسكري موثوق به.

فقط هذان الخياران، جنباً إلى جنب مع عقوبات قاسية، سيحظيان بفرصة لإيقاف الإيرانيين، وفقاً للجيش الإسرائيلي. وإذا فشل كل شيء آخر، فستكون الخطط جاهزة في المستقبل القريب لأي شيء قد يلوح في الأفق.