"جيروزاليم بوست": اتفاق التعاون العسكري الإسرائيلي - المغربي تاريخي
الاتفاق العسكري بين "إسرائيل" والمغرب إنجاز مهم، خاصة وأن "إسرائيل" لم تكن مطالبة بدفع ثمنه،
مقال للكاتب إيلي بودِه في صحيفة "جيروزاليم بوست" يتحدث فيه عن اتفاقية التعاون العسكري بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي المزمع توقيعها، ويقول إن أحد أسباب كشف العلاقات الإسرائيلية - المغربية هو رغبة المغرب في ردع جارته الجزائر.
وفيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:
وصل وزير الأمن بيني غانتس إلى المغرب في يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر للتوقيع على اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين.
حتى الآن، لم توقّع أي دولة عربية أخرى علناً اتفاقية عسكرية مع "إسرائيل". حتى مصر والأردن، وكذلك الدول العربية الأخرى التي تحافظ على تعاون أمني مع "إسرائيل"، تفعل ذلك سراً.
علاقة "إسرائيل" بالمغرب طويلة وغنية ومتعددة الأبعاد، وتتألف من تعاون دبلوماسي واستخباري وعسكري ومدني. وبينما كانت العلاقات الرسمية تجري سراً، كانت العلاقات المدنية علنية جزئياً بل وتوسّعت وتعمقت في السنوات الأخيرة.
يعود التعاون إلى الستينات من القرن الماضي على خلفية التهديدات المشتركة، أولاً وقبل كل شيء من مصر في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر.
كما ساعدت "إسرائيل" المغرب ضد عدوٍ مشترك آخر، الجزائر. كما أدى ترتيب الهجرة السرية لليهود من المغرب إلى "إسرائيل" إلى توثيق العلاقات الأمنية. وقادت عملية التعاون دائرة "تيفِل" (Tevel) في الموساد التي تحافظ على علاقات مع دول لا تقيم معها "إسرائيل" علاقات دبلوماسية.
إضافةً إلى ذلك، منذ سبعينات القرن الماضي، توسط الملك الحسن الثاني، والد الملك الحالي، سرًّا بين "إسرائيل" ومصر وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية. بخلاف الوساطة مع مصر التي أدت إلى زيارة الرئيس أنور السادات للقدس، فشلت جهود الوساطة الأخرى.
لا يُعرف عن تعاون "إسرائيل" والمغرب على نطاق واسع في الشؤون العسكرية.
من المعروف أنها ساعدت المغرب في كفاحه ضد حركة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية. تتكون المساعدات الإسرائيلية في الغالب من نصائح حول إقامة سياج أمني في منطقة الصحراء التي سيطر عليها المغرب.
كان رئيس الوزراء السابق إيهود باراك أحد الضباط المعروفين أنهم زاروا الصحراء. مارست "إسرائيل" ضغوطاً على الكونغرس الأميركي والإدارات الأميركية لسنوات لدفع الاعتراف بضم المغرب للصحراء، لكن من دون جدوى.
على عكس الدول العربية الأخرى، لم تكن العلاقة المغربية طويلة الأمد مع "إسرائيل" نتيجة لمصالح مشتركة فحسب، بل نشأت أيضاً من دور يهود المغرب في "إسرائيل" والشتات بشكلٍ عام (وخاصة في فرنسا).
لطالما افتخر المغرب بمكانة اليهود واليهودية واللغة العبرية في تقاليده وتاريخه.
أقامت "إسرائيل" والمغرب العلاقات لأول مرة في سنة 1995 بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، لكنها قُطعت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في سنة 2000.
وتجددت العلاقات بعد اتفاقيات التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في خريف سنة 2020. تم إقناع الملك محمد السادس باتخاذ هذه الخطوة ليس فقط بسبب سابقة الخليج ولكن في الغالب بسبب المكافأة الأميركية - الاعتراف بالسيطرة المغربية على الصحراء.
كانت سرعة التطبيع بين "إسرائيل" والمغرب منذ تجديد العلاقات مفاجأة مبشّرة. في غضون عام، تم توقيع العديد من الاتفاقيات الدبلوماسية، وتشكيل مجموعات عمل ثنائية، كما تم إجراء العديد من الزيارات رفيعة المستوى، مثل زيارة وزير الخارجية يائير لابيد والمدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشبيز.
كما تمّ القيام بالعديد من الأنشطة في مجال المجتمع المدني. والواقع أن التطبيع في هذا المجال سبق السلام الرسمي. إذا كان التعاون بين الناس هو أقوى مؤشر على سلام "دافئ"، فإن العلاقات الإسرائيلية - المغربية تفي بهذا المؤشر.
يذكرنا الاتفاق العسكري بالاتفاقية الموقعة مع تركيا في التسعينيات من القرن الماضي. ويشمل تبادل المعلومات الأمنية، والروابط بين الصناعات الدفاعية للجانبين - والتي تكمن أهميتها في الغالب في حيازة المغرب لأسلحة ومعدات إسرائيلية - والتدريبات العسكرية المشتركة.
إن اهتمام "إسرائيل" بالتوقيع على اتفاقية عسكرية علنية مع المغرب واضح ظاهرياً لأنه يهدف إلى تعزيز علاقات "إسرائيل" ومكانتها في الشرق الأوسط بشكلٍ عام وضد إيران بشكل خاص.
إضافةً إلى ذلك، يبدو أن وزارة الأمن، المسؤولة عن الجيش والاستخبارات العسكرية، تريد تطوير علاقة مستقلة مع المسؤولين الأمنيين في المغرب دون الاعتماد على الموساد، الذي كان دائماً القناة الرئيسية للعلاقات بين البلدين. الاتفاق يُرسي التعاون العسكري رسمياً.
على النقيض من الهوس الإسرائيلي بالكشف عن علاقات "إسرائيل" السرية، فإن هذه المسألة هي ما دفع الملك إلى هذا القرار بالنظر إلى أن المغرب كان بإمكانه الاستمرار في الحفاظ على العلاقات مع "إسرائيل" خلف الكواليس.
أحد أسباب القرار هو رغبة المغرب في ردع جارته الشرقية الغنية، الجزائر، التي دعمت على مدى عقود حركة البوليساريو المنافسة له. السبب الثاني هو الرغبة في توسيع الحوار الاستراتيجي المتعلق بالتهديدات المشتركة، بما في ذلك الإرهاب. وربما الأهم من ذلك كله، أن المغرب يسعى إلى أن يُظهر لإدارة بايدن التزامه بعملية التطبيع من أجل ضمان تنفيذها لقرار الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن الصحراء.
توجد جيوب مقاومة للتطبيع في المغرب، وعلى رأسها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، والتي تأسست في سنة 2013، وهي تقوم بجمع الأموال وتنظيم المؤتمرات والندوات لرفع الوعي بالنضال الفلسطيني، وتدير لوبي في البرلمان المغربي، وتنظّم تظاهرات دعماً للفلسطينيين وتشجّع المقاطعات المناهضة لـ"إسرائيل".
بعد توقيع اتفاقيات التطبيع، اندلعت احتجاجات في عدة مدن ونشرت تنديدات على تويتر تحت هاشتاغ "التطبيع خيانة". من الصعب تقدير أعداد ووزن معارضي التطبيع.
وقد شارك عدد قليل منهم في أحدث تظاهرة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر خارج البرلمان المغربي. ويبدو أن القصر أيضاً يحاول تخفيف حدة المعارضة.
الاتفاق العسكري بين "إسرائيل" والمغرب إنجاز مهم، خاصة وأن "إسرائيل" لم تكن مطالبة بدفع ثمنه. لا ينبغي على المرء أن يتسرع في استنتاجات حول الساحات والدول الأخرى، لأنه يجب على المرء أن يتذكر أن العلاقات الإسرائيلية - المغربية كانت حالة خاصة ومختلفة، وتبقى كذلك حتى يومنا هذا.