الغرب غير التائب: شولتس والحق في ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة
موقع شبكة "ميدل إيست مونيتر" البريطانية يتناول في تقريرٍ الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والدعم الأميركي الغربي المتواصل لـ"إسرائيل" وعدوانها الوحشي، والمذبحة التي لا مثيل لها عبر التاريخ وعلى مرأى العالم أجمع.
موقع شبكة "ميدل إيست مونيتر" الصحافية البريطانية، يتناول في تقرير الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بالتنسيق القائم مع الولايات المتحدة. ويلفت التقرير إلى أنه رغم كل المذابح التي شاهدها العالم أجمع لا يزال المستشار الألماني، أولاف شولتس، يشعر بالقلق إزاء قدرة "إسرائيل" على "الدفاع عن نفسها" أكثر من قلقه على السكان الفلسطينيين المحاصرين في مذبحةٍ لا مثيل لها في التاريخ. ليشير التقرير بوضوح إلى أنّ الفلسطينيين أصبحوا ضحايا للاستعمار الإسرائيلي والاحتلال العسكري والفصل العنصري والحصار على مرأى العالم كله.
وفيما يلي نص التقرير منقولاً إلى العربية
قام المستشار الألماني أولاف شولتس بزيارة رسمية للعاصمة الأميركية واشنطن في الأسبوع الفائت، بهدف العمل بشكل مشترك مع الولايات المتحدة للتأكد من أنّ "إسرائيل" لديها ما تحتاجه كي "تدافع عن نفسها".
ومنذ7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يتكرر إصدار مثل هذه البيانات التي توضح التحيّز المعروف والمتأصل لكل من واشنطن وبرلين تجاه الدولة الإسرائيلية. لكن المختلف هذه المرة أنّ زيارة شولتس حصلت في اليوم الـ125 من الهجوم الوحشي الإسرائيلي على غزة، وتنفيذ الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين التي لا مثيل في التاريخ الحديث.
تمّ تسليط الضوء على الغرض من زيارة شولتس في مؤتمر صحافي للمتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، على الرغم من أنّ الرئيس جو بايدن اعترف بعد ساعات بأنّ "إسرائيل قد تجاوزت القمة"، في ردّها على عملية المقاومة الفلسطينية.
قتلت "إسرائيل" وجرحت حتى الآن أكثر من 100,000 مدني من الفلسطينيين، والمذبحة لا زالت مستمرة، بحرص شولتس وبايدن في ضمان حصول دولة الفصل العنصري على كل ما تحتاجه لتنفيذ جريمتها الدموية. ومع ذلك، في هذا السياق، من الذي يحق له التصرف دفاعاً عن النفس، "إسرائيل" أم فلسطين؟
في زيارة قمت بها مؤخراً إلى مستشفى في بلد بالمنطقة، والذي يجب أن يظل مجهولاً كشرط مسبق لزيارتي، شاهدت أفظع المشاهد التي يمكن للمرء أن يراها على الإطلاق. عشرات الأطفال الفلسطينيين بلا أطراف، بعضهم لا يزال يقاتل من أجل حياته، وبعضهم مصاب بحروق بالغة، وآخرون في غيبوبة.
وأولئك الذين تمكنوا من استخدام أيديهم رسموا الأعلام الفلسطينية لتعليقها على الجدران بجانب أسرتهم في المستشفيات. ارتدى البعض قبعات عليها شخصيات ديزني. كانوا أنقياء وأبرياء وفلسطينيون إلى حدّ كبير، يودعون الزائر بعلامات النصر لكل العالم، للتعبير على أنهم ما زالوا أقوياء، وأنهم يعرفون بالضبط من هم ومن أين أتوا، ومشاعرهم القوية تجاه وطنهم راسخ في وجدانهم البريء.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3236)، على سبيل المثال، "أكّد على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في فلسطين، والحق في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة". ربما تكون عبارة "حق الفلسطينيين في تقرير المصير" هي الأكثر تكراراً فيما يتعلق بفلسطين والنضال الفلسطيني منذ إنشاء الأمم المتحدة. وفي 26 كانون الثاني/يناير الفائت، أكّدت محكمة العدل الدولية أيضاً ما نعرفه بالفعل، على أنّ الفلسطينيين هم "مجموعة قومية وثقافية".
على أيّ حال لا يحتاج الأطفال الفلسطينيون المصابون إلى مصطلحات قانونية أو شعارات سياسية لتحديد وطنهم. إنّ الحق في العيش من دون خوف، ولا الإبادة، ومن دون قنابل أو احتلال عسكري هو حق طبيعي لا يتطلب أي حجج قانونية أو غيرها.
لسوء الحظ، نحن لا نعيش في عالم مبني على البديهية السليمة. والأنظمة القانونية والسياسية متقلبة ولا تلبي إلا مصالح الأقوياء. وفي ظل هذه اللاعدالة المنحازة بضراوة إلى جانب المجرم، يشعر شولتس بالقلق إزاء قدرة "إسرائيل" على "الدفاع عن نفسها" أكثر من قلقه على السكان الفلسطينيين المحاصرين، الذين يتضورون جوعاً، وينزفون، ومع ذلك غير قادرين على الحصول على أي قدر ملموس من حقوق الإنسان البسيطة.
في الواقع لا تملك دولة الاحتلال الحق في ادعاء "الدفاع عن النفس"، حين يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم بوجه احتلالها الدموي لبلادهم. وينبغي لمن يدعمون أعمال العدوان الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي ألا يطالبوا الضحايا بالامتناع عن المقاومة.
لقد وقع الفلسطينيون ضحايا للاستعمار الإسرائيلي والاحتلال العسكري والفصل العنصري والحصار والآن الإبادة الجماعية. وعلى هذا النحو، فإنّ لجوء "إسرائيل" إلى الفصل السابع من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يسخر من القانون الدولي، إلى التلاعب بروح القانون الدولي.
وتحظر المادة 2 من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة، "التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية"، و "تدعو جميع الأعضاء إلى احترام سيادة الدول الأخرى وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي". وبالنظر إلى أنّ "إسرائيل" تنتهك هذه القوانين، فليس لها الحق ببساطة في الاحتجاج بالمادة 51، في جرائمها في غزة.
في العام 2012، تمّ الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة. كما أنها عضو في عدد لا يحصى من المعاهدات الدولية، ومعترف بها من قبل 139 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
وحتى لو قبلنا الحجة القائلة بأن ميثاق الأمم المتحدة ينطبق فقط على الأعضاء الكاملي العضوية في الأمم المتحدة، فإن حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس لا يزال قائما بموجب القانون الدولي. وفي عام 1960، كفل إعلان الجمعية العامة رقم 1594 الاستقلال للأمم والشعوب المستعمرة. وعلى الرغم من أنها لم تناقش حق المستعمرين في استخدام القوة، إلا أنها أدانت استخدام القوة ضد حركات التحرير.
وفي عام 1964، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار رقم 2105، الذي اعترف بشرعية "كفاح" الدول المستعمرة لممارسة حقها في تقرير المصير. وفي عام 1973، أصدرت الجمعية القرار 3076، بلغة هذه المرة لا لبس فيها، عن "حق الشعوب في النضال ضد الهيمنة الأجنبية الاستعمارية بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الكفاح المسلح".
نفس الديناميكيات التي حكمت الأمم المتحدة في أيامها الأولى لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، حيث تواصل الدول الغربية، التي مثلت الجزء الأكبرمن جميع القوى الاستعمارية في الماضي، احتكار استخدام القوة. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الجنوب العالمي، الذي عانى تحت نير تلك الأنظمة الغربية، يصرّ على أنّ له أيضاً في الدفاع عن نفسه ضد التدخل الأجنبي والاستعمار والاحتلال العسكري والفصل العنصري.
إلا أنّ من المثير للاهتمام، كيف يواصل المستعمرون بناء العلاقات والتضامن حول نفس المبادئ القديمة، فبينما كان شولتس في واشنطن لمناقشة المزيد من الطرق لقتل المدنيين الفلسطينيين، قدمت حكومة نيكاراغوا طلباً رسمياً للانضمام إلى جنوب أفريقيا في جهودها لمحاسبة "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية على جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
مرة أخرى، ينهض الجنوب العالمي تضامناً مع الفلسطينيين، في حين تواصل دول الشمال، مع استثناءات قليلة، دعم التوحش الإسرائيلي.
قبل أن أغادر المستشفى المذكور بقليل، ناولني طفل جريح عدة رسومات عبارة عن صور مكدسة واحدة فوق الأخرى، كما لو كان الصبي الصغير ينشئ جدولاً زمنياً للأحداث التي أدّت إلى إصابته: خيمة بداخلها جندي إسرائيلي يطلق النار على فلسطيني، والده خلف قضبان السجن، وأخيراً مقاتل يحمل علم فلسطين.
إنه يعرف من هو، ويعرف من أين أتى، ويعرف إلى أين ينتمي، ولن ينسى أبداً..
نقله إلى العربية: حسين قطايا