الحرية الأميركية مرتبطة بقاعدة "صنع في الصين"
حرية أميركا اليوم في فعل ما يحلو لها والعيش كما يحلو لها يعتمد إلى حد كبير على قاعدة "صنع في الصين".
موقع شبكة تلفزيون الصين الدولية، ينشر مقالاً للكاتبة داريل جوبي، تتحدث فيه عن الدور الصيني في الاقتصاد الأميركي.
في ما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
تلقيت صورة إعلانية عبر البريد لمنتج كتب اسمه بأحرف كبيرة "الحرية الأميركية"، وتحت الاسم بحروف أصغر، يُقرأ "صنع في الصين".
بالرغم من السخرية الواضحة في الإعلان، فهي ليست مزحة، لأن حرية أميركا اليوم في فعل ما يحلو لها والعيش كما يحلو لها يعتمدان إلى حد كبير على قاعدة "صنع في الصين".
الحرية ليست مفهوماً ليبرالياً مجرداً. وتستدعي أبعادها العملية عناصر؛ التحرر من الجوع والفقر، والعيش بكرامة، وعدالة اقتصادية تقلل من فارق الدخل الفاحش بين رواتب صغار الموظفين وكبار المديرين التنفيذيين ومجالس الإدارة. بالإضافة إلى أنّ الحرية هي نتاج لمجتمع ثري في كل المجالات والقطاعات، فهي تتيح للأفراد والجماعات مروحة واسعة من المواد والأدوات الصناعية بجودة جيدة وبأسعار أرخص.
وقد أدت الصين دوراً مهماً في هذا الأمر، في مواجهة عقود الانكماش الاقتصادي العالمي، إذ سهلت وخففت كثيراً من تكاليف الأعمال التجارية مع الحفاظ على هامش ربحي جيد.
بالطبع، عندما تضاف التعريفات الجمركية إلى البضائع الصينية، ترتفع أسعارها، ما يسرّع من "التضخم" الذي لم يفهمه ببداهة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
كذلك، قدمت الصين تكنولوجيا عالية الجودة مقابل أسعار معقولة. شركة "هواوي" هي واحدة من الشركات الرائدة في هذا المجال، وتتفوق على منافساتها في الولايات المتحدة، والتي لم تستطع منافسة الصين في التطوير السريع لشبكات الاتصال من الجيل الخامس
(5G) والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. ولهذا تستمر واشنطن، في منع هذه التكنولوجيا من الانتشار في مواقع أخرى من العالم، بالرغم من أن البلدان التي تستخدم "هواوي" تتقدم بسرعة فائقة في المجالات المذكورة.
يعدّ وجود مصانع إنتاج في الصين تدعم الشركات الأميركية مثل "آبل" وسواها، أنموذجاً للعمل المتقن من قبل المهرة في الصين، وهذه ليست عمالة منخفضة التكلفة، بل مبتكرة وفعالة.
هكذا يستفيد المستهلك الأميركي من الأعمال التي يتم القيام بها في الصين، ومن دونها، لا يمكن للمستهلكين أن يعيشوا أسلوب حياتهم الحالي، ولا حتى يمكن للأعمال التجارية الاستمرار في العمل كما هي الآن.
تساهم السوق الصينية الواسعة، بشكل كبير، في أرباح الشركات الأميركية الكبرى مثل "جنرال موتورز"، و"جنرال إلكتريك" اللتين باعتا سيارات في الصين أكثر مما باعت شركات الوجبات السريعة الأميركية، ويعتمد مقدمو الخدمات في الولايات المتحدة على الصين لتحقيق أرباحهم الفائقة التي تدعم الرخاء الأميركي.
الولايات المتحدة هي أكبر دولة مَدِينَة شهدها العالم على الإطلاق. وهي مدينة للعالم بمبلغ لا يمكن تصوره وقدره 31 تريليون دولار اقترضتها باستخدام أسواق سندات الخزانة الأميركية. والصين هي ثاني أكبر حائز للديون الأميركية. عندما يزور الرؤساء الأميركيون الصين، فإنهم حرفياً سيلتقون بدائني بلدهم. والحكومة الأميركية قادرة على تقديم خدماتها إلى حد كبير لأن الصين توافق على تمويل ديونها واقتراضها.
إذا تخلت الصين عن إقراض الولايات المتحدة، فسوف تزيد تكلفة الفوائد على الديون للحكومة الأميركية، وترفع تكلفة التمويل للمستهلكين والشركات، وبالتالي تضعف احتمالات الانتعاش الاقتصادي.
الأمر نفسه ينطبق على أستراليا التي يقوم الاقتصاد فيها على توريد سلع مثل خام الحديد والفحم إلى الصين. يعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياح الصينيين والطلاب. وتتمتع صناديق الخزانة الأسترالية بقدرة على إجراءات تخفيض الضرائب، والإنفاق الدفاعي، وتحسين خدمات الصحة والتعليم، في جزء كبير منه بسبب تجارة أستراليا مع الصين.
لو كانت اتهامات واشنطن لبكين بممارسة دبلوماسية الديون صحيحة، فيجب أن تكون قادرة على التأثير في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين. لكن للأسف، الأمر ليس كذلك.
تعتمد الحرية عموماً على اقتصاد منتج يدعم نمو الطبقة الوسطى. وهذا النوع من الحرية ليس شيئاً أميركياً فريداً. وبدون دعم الصين المالي للولايات المتحدة، ستفقد واشنطن القوة الاقتصادية التي تستند إليها حريتها.
التحرّر من الجوع والفقر وظروف المعيشة السيئة يعتمد على الازدهار الاقتصادي. وهذا بدوره يعتمد على دخل الصادرات والتحسينات المطردة في الإنتاجية وانخفاض الأسعار والجودة الأعلى. الصين هي المصدر الرئيسي لهذا الازدهار العالمي.
إن الإنجاز الكبير الذي حققته الصين، لا يقتصر على انتشال ملايين الصينيين من براثن الفقر، بل إن إنجاز الصين يكمن في رفع مستوى المعيشة العالمي.
الصورة التي وصلتني بأن "الحرية الأميركية، صنع في الصين"، صحيحة تماماً.
نقله إلى العربية حسين قطايا.