المسيحيون العرب في أعيادهم: أجراس المقاومة.. حرّاس اللغة
حراس الأمة والقدس واللغة وأجراس المقاومة والتنوير، المسيحيون العرب أيها القتلة التكفيريون ومشايخ الناتو والإسلام الأطلسي ومنابر النفط والغاز المسال والاستخبارات، ليسوا عابرين في كلام عابر أو زلة لسان أيديولوجية.
المسيحية، روح الشرق كله لا نص مغلق في الأسفار والأناشيد، ولا طائفة بين الطوائف، لا شريعة ولا جدل أعمى بين المسكونيات والرّها والإسكندرية وأنطاكيا، والطبيعة والطبيعتين، الابن المخلص فادياً وقرباناً، ورسالة للسلام والمسرة:
في الروح المطلق كشف وتجلٍ، وشفاعة معمّدة بدم القربان، من زمان إلى زمان، من الطبيعة الأولى ما قبل المجتمع والعقل والدولة، إلى الحضارة والتاريخ والروح الموضوعي في أرض الخطاة، ومدينة الرب في كتب الأولين، فلسفة الحق وأفلاطون، الأكويني وأوغسطين.
في التاو والزن والمستنير تحت شجرة التين.
في ماني وراء النهر، في طواسين الحلاج، في رسائل ابن عربي وعلاماته على الطريق، في طيور العطار والحريق.
في الزمن الآتي لتلك الأيام، سبينوزا والنبي عند جبران.
في شهادة الإمام والعشاء الأخير مرتين، كما النفي الدامي والظهور الثاني من حجرين بين القدس وكربلاء.
في سيدة الكوكب الدري والأفلاك العاليات والتجلي في صورتين، مريم العذراء كما فاطمة الزهراء.
فيما قبل وما بعد، وحيثما كانت الأقانيم الثلاثة: مفتاح الحياة، أوزيريس وإيزيس وحورس. تموز وايل وبعل وعشتار أو عناة. في لوحة رفائيل وفلسفة السبابتين، شاهدان على جدل الأرض والسماء، فلسفة الإغريق وشرق الأنبياء، العقل والوجدان والحدوس. هنا العهد الجديد كما قال الآباء: إبراهيم رحباني ويوسف يمين.
شتان شتان بين خراف العبرانيين وعجلهم الذهبي وبين نبي تدميه المسامير ولا يشتكي: إيلي إيلي لماذا شبقتني فالصليب ليس مقصلة إعدام ولا خشبتين متقاطعتين، والسيد ما جاء نفخة من روح الله لا من سلالة داوود إلا فادياً: من آمن بي وإن مات فسيحيا.
وما جاء متمماً لسفر الملوك والقضاة والأسباط، بل مقاتلاً ونقيضاً: من كان منكم بلا سيف ليبع رداءه وليشترِ واحداً.
كيف لا، والعبراني ينكره حتى اليوم، وحيث باركه يوحنا في النهر المقدس، راح العبراني يجفف النهر ويحيله إلى درب آلام وصليب جديد.
عهد المسيح لا يشبه عهد العبرانيين كما الماء في عرس الجليل، وكما الحنطة والزوان لا تجتمعان في فطير، عهدان متناقضان كما الليل والنهار:
عهد العبرانيين في عمود النار، قبائل رعوية جوابة برسم الإيجار منذ العهد القديم وحتى يومنا هذا، ومن كان على هواهم من العابرين ولصوص القوافل والغنائم والجواري وخدام السلاطين.
عهد الابن المخلص الفادي، ونمط الإنتاج الزراعي، الأرض والشمس والجبال والماء والأنهار، كرّامون، صيادون، ونجارون يشربون من كأس المحبة حيناً وحيناً أولو بأس شديد.
في كل ذلك لم تكن الروح القدس حبيسة التراتيل وأجراس الأحد، بل حرة طليقة في أجراس تشرين الأول/أكتوبر ومخيم جنين، في كومونة باريس وقبضة شافيز، وغيفارا في جبال الأنديز، سانتياغو همنغواي في عرض البحر، وكل سنتياغو جرّح الملح يديه كما المسيح على الصليب.
المسيحيون العرب
حراس الأمة والقدس واللغة وأجراس المقاومة والتنوير، حراس الأمة والقدس، المسيحيون العرب أيها القتلة التكفيريون ومشايخ الناتو والإسلام الأطلسي ومنابر النفط والغاز المسال والاستخبارات الأنغلو ساكسونية، ليسوا عابرين في كلام عابر أو زلة لسان أيديولوجية في لعبة التاريخ، أو أن بيتهم أوهن من بيت العنكبوت، أو من زجاج، أو أنهم في انتظار عطف الطائفيين للسلام عليهم في العيد.
هم جنباً إلى جنب مع الإسلام الصحيح، الإسلام المقاوم، الإسلام المعتدل وانبعاثات الأمة في الغار، زيت القنديل، ملح الأرض والهواء العليل وبستان العالي كلما أشرق صباح: التين والزيتون، العناقيد الدانيات، وعين الكرّام تنام الدنيا ولا تنام.
تحضيراً للإسلام، كان المسيحيون في أرض العرب على مد النظر، وكانوا في أول الخيل في جيش الإسلام، كنده، تغلب، بكر بن وائل، قضاعة، طي، عذره، وكان في حملة طارق إلى الأندلس مسيحيون من الأمازيغ، فكانوا ولا يزالون مكوناً أساسياً في نسيج الأمة وروحها كما قال البارودي:
لا حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد يباعـــــــــدنا ولا دين يفرّقنا
لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
مع الثورة الصناعية البرجوازية في أوروبا وأفول الإمبراطوريات الإقطاعية، الجرمانية والعثمانية، كان المسيحيون العرب أول من قرع جرس الثورة والتنوير ضد الموجة الجديدة من الاستعمار: مكرم عبيد، ثاني اثنين مع سعد زغلول في الثورة المصرية ضد الإنكليز.
العازوري ونجيب نصار والسكاكيني وهم يحذرون من الصهيونية، حين كان كاظم بيك، المتصرف العثماني، سمساراً للوكالة اليهودية، فكانوا موجة إثر موجة من أجل الحرية والاستقلال، والوحدة والعدالة والحق والخير والجمال، حيناً كما كان الآباء المبجلون: كبوشي، عطا الله حنا، الأب مسلم، بولس عواد، ولاهوت التحرير في كل مكان وزمان، وحيناً آخر في ركاب جمال عبد الناصر وحركات التحرر.
حراس اللغة والثقافة العربية
وفق هايدغر وفيخته والأرسوزي، الروح لغة تتكوّن بين النعاس البدائي في الطبيعة والحضارة والتاريخ وسيرورة الحرية، وتنقل الأمة معها من الوعي بذاتها إلى الوعي لذاتها.
عربياً كانت البداية مع الخزافين الأوائل للحضارة في النيل والرافدين ثم أبجدية اللاذقية في أوغاريت، فالآرامية والسريانية المسيحية، فالأنباط يجمعون السريانية والحميرية في إيلاف لغوي، فشعراء الأحناف والمسيحية:
امرؤ القيس، عمرو بن كلثوم، عنترة، وشعراء تغلب والبسوس، وقريش. وجنباً إلى جنب مع القرآن الكريم هدى للناس، كان المسيحيون يعرّبون الدواوين الرومية في بلاط أمية. وبين نشوء الأمة وثلاثية البيان والعرفان والبرهان، كان مناطقة بغداد في العصر العباسي وجلّهم من العرب المسيحيين ينقلون فلسفة الإغريق إلى بيت الحكمة وبلاط المأمون ويدفعون الجدل إلى اللغة وعلم الكلام.
وستمرّ قرون طويلة من الركود الحضاري تحت الاحتلال العثماني قبل أن تنهض الأمة في عصر محمد علي ثم الشام وتستعاد لغة الضاد على إيقاع الأجراس مع بطرس البستاني واليازجي والكرملي والسكاكيني ومطابع ومدارس الكنائس، حتى إنّ محمد كرد علي ومجمع اللغة في دمشق لم يجدوا أفضل من المدارس المسيحية لمواجهة التتريك وحفظ لغة القرآن الكريم.