الدروز عرب أقحاح وطنيّون
وجود زمر من العملاء داخل مذهب أو طائفة أو جماعة، ظاهرة عالمية، وبالمثل فإنّ انحيازات سياسية هنا وهناك على غرار ما شهدته سوريا ولبنان في محطات معروفة، مسألة شائعة لا يقاس عليها لإقامة حدّ سياسي أو أيديولوجي ضدّ جموع وطنية بكاملها.
من المستهجن أن يضع أحد أو جهة أصحاب مذهب أو تيار ديني أو إثني من البيئة العربية، موضع شبهة، بل والمقاطعة لأنّ أفراداً من هذا المذهب أو التيار أقاموا علاقة مع العدو الصهيوني أو خدموا في صفوف مؤسساته العسكرية والأمنية الإجرامية.
ولو طبّقنا هذا المعيار على المرجعيات العامة، لوجدنا اختراقات هنا وهناك من مختلف التيارات والمذاهب والجماعات، فالذين طبّعوا أو وقّعوا اتفاقيات تشمل كل شيء، بما في ذلك التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني يعودون في غالبيتهم الساحقة إلى أكثر المذاهب والتيارات انتشاراً في الوسط العربي والعالم الإسلامي، وعلى حد قول السيد المسيح حول مريم المجدلية، من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
صحيح أن العدو نجح باختراقات في البيئة العربية وغير العربية، وجنّد في مؤسساته بدواً ودروزاً وشركساً، لكن هذه البيئة كما غيرها، قدّمت طوابير من المقاومين والشهداء، وبالمثل ما يتعلّق من ظواهر داخل ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، حين رفع المتظاهرون أعلاماً طائفية في السويداء، أو علم الانتداب القديم في سوريا، وهو العلم الذي صمّمه الاحتلال الفرنسي من وحي تقسيمه سوريا إلى دويلات طائفية، لكن هذه المظاهر لا تعكس المزاج الشعبي العام لا في جبل العرب ولا في عموم سوريا، ولا يجوز التأسيس عليها لاتهامات بالجملة.
وفيما يخصّ الدروز تحديداً، سواء في جبل العرب كما أكد الرئيس جمال عبد الناصر، أو في لبنان أو الأردن أو فلسطين المحتلة وحيثما يوجدون، فإنّ تاريخهم الوطني ناصع وحافل بالوثبات والوقفات المسلّحة، بل إنهم كانوا من السبّاقين إلى الثورة على العصور العثمانية المظلمة وسياسات التمييز والتتريك ضدّ العرب، من تحالفهم مع محمد علي لبناء قوس مصري – شامي يقود إلى نقل مركز السلطنة إلى القاهرة، إلى ثورتهم ضدّ التتريك عام 1910، وسقوط مئات الشهداء منهم. ولم تقتصر هذه الثورات على كونها ضدّ سلطنة الاستبداد والفساد العثمانية، بل كانوا من السبّاقين أيضاً في الثورة ضدّ الاستعمار الأوروبي، ولا سيما ثورة جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش ضدّ الاحتلال الفرنسي.
ومن ينسى ثورتهم في لبنان عام 1958 لإسناد عبد الناصر ومشروع التحرّر العربي ضدّ الاستعمار الأميركي الجديد، كما من ينسى دورهم مع الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية في إسقاط اتفاق 17 أيار الذي حاول العدو الصهيوني فرضه بعد غزو لبنان 1982. من ينسى دور الدروز في الحركات الوطنية والتقدّمية في عموم سوريا الطبيعية، من الحزب السوري القومي إلى الشيوعيّين والقوميّين وغيرهم.
إن وجود زمر من العملاء داخل مذهب أو طائفة أو جماعة، ظاهرة عالمية، وبالمثل فإنّ انحيازات سياسية هنا وهناك على غرار ما شهدته سوريا ولبنان في محطات معروفة، مسألة شائعة لا يقاس عليها لإقامة حدّ سياسي أو أيديولوجي ضدّ جموع وطنية بكاملها.
الدروز (الموحّدون)، شيء من التاريخ
يعرف الدروز بالموحّدين أو بني معروف، ورغم أنه ليس ثمة توافق بين الباحثين حول أصول محدّدة لهم، إلا أن الأصول المعروفة لعائلاتهم النافذة ترجّح أن غالبيتهم يتحدّرون من قبائل عربية، يمنية وقيسية، مثل أرسلان وعلم الدين وبحتر من تنوخ والشهابيين (من فهر)، وقد يكون بعضهم متحدّرين من أصول غير عربية مثل آل جنبلاط (أصول كردية)، وكغيرهم من القبائل العربية في بلاد الشام والعراق كانوا من السريان (الآراميين الذين تنصّروا) "سمير عبده، الدروز-ص13-21".
كان الدروز عملياً القوة الأساسية في جبل لبنان، قبل اتساع الموجات المارونية حول معقل المردة في الشمال، وقبل إلحاق مناطق سورية واسعة تضمّ سكاناً مسلمين من السنة والشيعة وضمّها إلى لبنان وقد تعاقبت على زعامة الدروز عائلات عديدة، من أشهر رموزها الأمير فخر الدين المعني (توفي معتقلاً لدى الأتراك)، والأمير بشير الشهابي الذي تحالف أيضاً مع محمد علي في مصر وضاهر العمر في عكا ومع روسيا وفرنسا ضدّ الأتراك.
ويقال إنه تحوّل إلى المارونية. وكان الدروز أيضاً جزءاً أساسياً من الحرب الأهلية عام 1860 التي فسّرها البعض كحرب بين الإقطاع الدرزي المدعوم من إنكلترا والفلاحين الموارنة المدعومين من فرنسا.
عقيدة الدروز
تشكّلت هذه العقيدة في أجواء الدولة الفاطمية في القاهرة (دولة إسماعيلية أيضاً) وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي، وكانت هذه الدولة تقوم على فكرة الإمام المعصوم الذي وصلت إلى حد اعتباره حاملاً للنور الإلهي (من علي إلى الحاكم بأمر الله).
وانقسمت الدعوة الدرزية بين شخصين، هما نشتكين الدرزي وحمزة بن علي الدرزي، وقد أغلقت الدعوة في القرن الخامس عشر (سمير عبده 29/31).
وليس للدروز كنيسة ولا مسجد بالمعنى المعروف للكلمة، بل هناك (المجلس) أي الموضع الذي يجتمع فيه الأجاويد كلّ مساء خميس ليصلّوا معاً، أمّا أبرز أركان عقيدتهم فهي:
1. في إطار مزيج من الإسماعيلية وفلسفة أفلوطين وفيثاغورس والعقلانية اليونانية الأولى، ويطلق الدروز على عقيدتهم اسم مذهب التوحيد، ويسمّون أنفسهم موحّدين، فأسس معتقدهم وحدانية الله في هذه الوحدانية ليس لله صفات خارجية عن ذاته بل صفات الله هي عين ذاته (ليس كمثله شيء)، إن الله سبحانه لا يدخل تحت الصفات واللغات.
ويعبّر الدروز عن هذه المعتقدات عبر الخلوة والروح المحاربة والإيمان بمهدي خاصّ بهم وبمعركة عالمية كما هرمجدون ينتصر فيها هذا المهدي (ماكس أوبنهايم، الدروز).
2. ويؤمن الدروز بالتقمّص، وفي اللغة العربية اصطلاحات للتعبير عن أنواع التقمّص، فانتقال النفوس إلى جسد بشري يسمّى تقمّصاً أو نسخاً وانتقالها إلى بدن الجماد يسمّى فسخاً، وانتقالها إلى الأجسام النباتية يسمّى رسخاً ولذلك علاقة بفكرة وحدة الوجود.
3. مصدر التشريع عند الدروز هو القرآن وحده ليس غير.
4. بالإضافة إلى النبي محمد (ص) ورسالته، يوقّرون النبي شعيب والإمام علي وصحبه سلمان الفارسي وعمّار بن ياسر وأبا ذر الغفاري والمقداد بن عمرو.
5. الصلاة تختلف عن صلاة جمهور المسلمين، فالفروض وإن كانت خمسة إلا أنّ عدد الركعات في كلّ صلاة يختلف عن عدد الركعات المعروفة وربما طريقة الصلاة نفسها، هذا والوضوء ليس ضرورياً ما دام المصلّي نظيفاً (سمير عبده ص33).
6. الأساس في الصوم هو الامتناع عن الرفث.
7. اختيارية الزكاة وزيارة مكة.
8. الإنسان مخيّر، فهم ضدّ الجبر ومع العقل.
9. لا يجوز لأي إنسان اعتناق المذهب.
10. لا يجوز الزواج من غير الطائفة، وتشير بعض الدراسات (ماكس أوبنهايم) إلى أنهم ضدّ تعدّد الزوجات ومع حقّ الزوجة في وراثة نصف ثروة زوجها كما كانوا ضدّ سبي النساء.
11. عيد الأضحى هو العيد الأهم عندهم لما يرمز له من حالة قربانيّة.
12. يشار أخيراً إلى تنصّر بعض أمراء الدروز.
فمن مفارقات الحالة الدرزية تنصّر العديد من الأمراء الشهابيّين واللمعيّين مثل الأمير بشير الشهابي، وهو تنصّر كان ولا يزال موضع تساؤل حول حقيقته ووظيفته (سمير عبده ص 12).
المجتمع الدرزي: وينقسم إلى عقّال وجهّال
1. العقّال: ولهم رئيسان دينيان يسمّيان بشيخي العقل.
والعقّال هم المتمسّكون بالقواعد السلوكية في المذهب، من الامتناع عن التدخين وشرب الخمر، ثم التقشّف في المأكل والملبس وهم يميّزون في الملبس عن الجهّال بكونهم يتعمّمون بعمامة بيضاء أسطوانية، ويرتدون ملابس بسيطة هي القباء والعباءة ولونها أزرق غامق.
وعلى (العقّال) الصدق في القول وتجنّب الشهوات ورفض الحرام من الطعام والامتناع عن القتل والفسق والسرقة والزنا والرياء والغش والحقد والنميمة وسائر الرذائل، والامتناع عن الحلف بالله صدقاً أو كذباً، ولا يجوز للعاقل أن يخلو للمرأة ولا أن يردّ تحيتها إلا إذا وجد شخص ثالث بينهما.
وشيوخ العقل هم الطبقة العليا من العقّال، بوصفهم أحرصهم على الفضائل وبعضهم يقيم في (الخلوات) وهي بيوت للعبادة تقام في أماكن منعزلة، وكثير منهم يقضون أوقاتهم في نسخ كتب الدروز المقدّسة، وأشهر الخلوات خلوات البيّاضة، القريبة من حاصبيا في لبنان.
2. الجهّال وهم سائر أبناء الطائفة الدرزية، ويسمّون أيضاً (الشرّاحين)، لا يسوغ لهم غير تلاوة بعض شروح الرسائل الدرزية من دون الرسائل نفسها.
حروب الدروز
قاتل الدروز الصليبيّين والتتار كما اشتبكوا مع المردة، وجرت معارك داخلية بينهم أيضاً، وقد قتل العديد من أمراء الدروز في هذه الحروب، مثل الأمير مجد في الحرب مع الصليبيّين عام 1126، كما قتل العديد من أمراء الصليبيّين على يد الشهابيّين في معارك حاصبيا، ومن معارك الدروز مع الموارنة (المردة) معركة نهر الموت وأنطلياس، كما تقاتل الدروز فيما بينهم مرات عديدة، من أشهرها معركة القيسية واليمنية في عين دراه 1711.
أما في العصر الحديث، فقد ثاروا على العثمانيّين والفرنسيّين وانخرطوا في المعركة ضدّ كميل شمعون والقوات الأميركية عام 1958، ورفضوا تهويد الجولان بعد احتلاله، كما برز من قياداتهم الوطنية الشهيدان سمير قنطار، وعصام زهر الدين.