ريال مدريد يظلم نافاس!
رغم تاريخه وعراقته واعتباره نموذجاً في الوصول إلى النجاحات والألقاب والإنجازات، إلا أن ريال مدريد لا يُعتبر نموذجاً في تعامله مع لاعبيه وتقديرهم وإعطائهم حقّهم. الدور وصل الآن إلى كايلور نافاس بعد أمثلة كثيرة سابقة.
ريال مدريد نادي القرن. ريال مدريد العراقة والتاريخ. ريال مدريد بطل أوروبا برقم قياسي (13 مرة). ريال مدريد المسيطر على الكرة الأوروبية في الأعوام الثلاثة الأخيرة بـ 3 ألقاب لدوري الأبطال. ريال مدريد الذي لعب له أساطير وعمالقة في الكرة العالمية. كل هذا متّفق عليه ولا جدال حوله.
ريال مدريد إذاً نموذج للنجاح والوصول إلى الألقاب والبطولات، لكنه في مكان آخر لا يُعتبر نموذجاً في تعامله مع لاعبيه وتقديرهم وإعطائهم حقّهم. في ملعب "سانتياغو برنابيو" لا تشفع إنجازات وسيرة اللاعب وحتى المدرّب له، إذ في لحظة قد يجد نفسه خارجه أو مغبوناً في حقّه. الأمثلة كثيرة هنا للاعبين ومدرّبين ظلمهم ريال مدريد من دون وجه حق. إيكر كاسياس وما أدراك من إيكر كاسياس؟ أسطورة الحراسة في إسبانيا و"الميرينغي" خرج من النادي الذي كتب إسمه فيه بأحرفٍ من ذهب بطريقةٍ غير لائقة من دون رضاه ومن غير وداع يستحقّه. لا تزال دموع كاسياس وحيداً في المؤتمر الصحفي الأخير في الـ "برنابيو" ماثلة في الأذهان. لقيَ حينها اللاعب تعاطفاً من العالم.
قبل كاسياس خرج الألماني مسعود أوزيل الذي قدّم السحر في الـ "برنابيو" مرغماً أيضاً وفي الساعات الأخيرة للانتقالات بعد أن تعاقدت إدارة النادي مع الويلزي غاريث بايل مقابل مبلغ 100 مليون يورو. ذلك المبلغ القياسي حينها الذي أفسد الكرة وأوصلها إلى ما وصلت إليه الآن من أرقام فلكية لتتحوّل إلى سلعة.
هذا الموقف عاشه أيضاً الأرجنتيني أنخل دي ماريا وقبله الهولنديان ويسلي سنايدر وأريين روبن والفرنسي كلود ماكيليلي الذي خسر "الميرينغي" الكثير ببيعه وغيرهم.
هذا الإجحاف أيضاً طال مدرّبين على غرار الألماني يوب هاينكس الذي قاد الفريق إلى لقب دوري أبطال أوروبا عام 1998 ثم وجد نفسه خارجه في نهاية الموسم، كما الحال مع الإيطالي فابيو كابيلو الذي قاد الفريق للقب "الليغا" في 2007 وأٌقيل في صيف ذلك العام.
الدور جاء الآن على الكوستاريكي كايلور نافاس. نافاس لا يزال في ملعب "سانتياغو برنابيو" لكن أصبح مكانه مقعد البدلاء بعد أن قرّرت إدارة الريال التعاقد مع "إسم كبير" هو البلجيكي ثيبو كورتوا. لكن مَن قال إن نافاس ليس كبيراً ومن أفضل حرّاس العالم؟ هذا الكوستاريكي بدأ من الصفر. اجتهد وكافح وتعب ليصبح حارساً أساسياً في "الميرينغي" بعد أن وصل إليه من صفوف ليفانتي المتواضع. نافاس لم يستند في 2014 إلى تألّقه اللافت مع منتخب بلاده في مونديال البرازيل ما حدا بالريال إلى ضمّه وليحقّق اللاعب حينها حلمه وحلم بلاده لا بل كل منطقة الكونكاكاف باللعب في الكبير المدريدي. وضع عبارة "الحلم تحقّق" التي قالها عند قدومه جانباً واجتهد وتألق على نحو فاجأ الجميع لإدراكه أن مجرّد ارتداء قميص الريال لا يعني الوصول إلى الهدف بل هذا يتحقّق بالبذل والتعب وإصابة النجاح. ورغم أن هذا الكوستاريكي عاش تجربة أولى مريرة بعد فترة من قدومه إلى مدريد عندما كان الملكي في طريقه للتخلّي عنه إلى مانشستر يونايتد الإنكليزي مقابل "إسم كبير" آخر هو حارس الأخير الإسباني ديفيد دي خيا، بَيْدَ أن الانتقال توقّف في اللحظات الأخيرة من سوق الانتقالات بسبب خطأ في إرسال المستندات اللازمة، إلا أن ذلك لم يُحبط نافاس بل على العكس زادت عزيمته وتألّق أكثر فأكثر ليُثبت أحقّيته بحراسة مرمى الفريق، وكان حتى نهاية الموسم الماضي عنصراً أساسياً في تتويجات الملكي بألقابه الأوروبية.
أكثر من ذلك، ورغم ما وصل إليه نافاس في مدريد وتحديداً في بلاده حيث تحوّل إلى بطل، فإنه ظلّ محتفظاً بتواضعه. رغم تألّقه، فإن الأضواء كانت غالباً ما تتّجه نحو نجوم الصف الأول في الفريق. نافاس يُشهد له أنه لم يخرج مرة واحدة أمام الإعلام مُشتكياً أو مُنتقداً. يُشهد له أنه لم يدخل في خلاف مع زميل له أو مدرّب له أو مُنافس. نافاس مثال يُحتذى.
لكن دور نافاس في ريال مدريد بات ثانوياً الآن حيث من المتوقّع أن يلعب في مسابقة الكأس وعند إصابة كورتوا وقد يلعب اليوم مثلاً ضد أتلتيكو مدريد في كأس السوبر الأوروبية لا لشيء سوى لأن زميله البلجيكي لم يتأقلم بعد مع الفريق. هذا ما وصلت إليه حال الكوستاريكي.
رغم كل ذلك، فإن نافاس رفض الرحيل عن ريال مدريد وتمسّك ببقائه في صفوفه رغم أن بإمكانه اللعب أساسياً والتألّق مع أيّ فريق كبير آخر. موقف نافاس يُعتبر ردّ جميل منه لفريقٍ كبيرٍ مثل ريال مدريد فتح له بابه، لكنه في الوقت ذاته إثبات أن علاقته به أبعد من كونه مجرّد ناد يتقاضى فيه راتبه، بل هو حلم البدايات ومشوار النجاحات وبيته الثاني الذي عاش فيه أجمل اللحظات. كل ذلك عند نافاس لا يُمحى بشطبة قلم.