روسيا بطل آخر في المونديال
لن ينسى العالم مونديال روسيا. سيظلّ محفوراً في الأذهان. كل شيء في روسيا كان رائعاً طيلة شهرٍ من الزمن. نجح الروس تماماً في تنظيم مونديالهم. كان ذلك منذ صافِرة البداية حتى صافِرة الختام.
في النهاية توِّج منتخب فرنسا بلقب المونديال. لكن ثمة بطل آخر: روسيا توِّجت بمحبة العالم لها في مونديالها. لن ينسى العالم مونديال روسيا. سيظلّ محفوراً في الأذهان. كل شيء في روسيا كان رائعاً طيلة شهرٍ من الزمن. نجح الروس تماماً في تنظيم مونديالهم. كان ذلك منذ صافِرة البداية حتى صافِرة الختام.
يكفي القول أن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، السويسري جياني إنفانتينو، أغدق أجمل الكلمات في وصف مونديال روسيا طيلة البطولة واختتمها بالقول: إنها أفضل كأس عالم في التاريخ. هذا الوصف لم يصدر عن شخص روسي يتغنّى ببلاده بل عن رئيس أعلى سلطة كروية في العالم والذي مرّت عليه بطولات كبرى عديدة قبل الوصول إلى منصبه. كان بإمكان إنفانتينو أن يقول الكلمات المُنمّقة كتحيةٍ اعتياديةٍ من "الفيفا" إلى البلد المُنظّم، لكنه عبّر بكلماته عمّا شاهده وعمّا أحسّ به في روسيا. لم يُجامِل الروس. قال الحقيقة. تلك الحقيقة التي أقرّ بها كل مَن تواجد في روسيا وتابع المونديال.
ليس خافياً أن الضغوط كانت كبيرة على الروس قبل المونديال. كُثرٌ كانوا يُشكّكون بقدرة بلاد بمساحة روسيا على تنظيم بطولة بحجم كأس العالم. وحتى أن آخرين حاولوا التأثير بطريقةٍ سلبيةٍ في توقيتٍ حَرِج قبل أيام من البطولة كما فعل الإنكليز على وجه التحديد بإثارة قضية الجاسوس سيرغي سكريبال وقرارهم مقاطعة كأس العالم على المستوى الرسمي، وقد شنّ وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حملة شعواء على الروس والرئيس فلاديمير بوتين.
لكن الروس لم يتأثّروا بل مضوا قُدُماً في الاستعداد لمونديالهم واستقبلوا العالم بأفضلِ طريقةٍ على أراضيهم بمَن فيهم المنتخب الإنكليزي. يكفي القول إن الإنكليز أنفسهم أقرّوا بالنجاح الروسي عندما قال مدرّب منتخب إنكلترا غاريث ساوثغيت عند مغادرة الأراضي الروسية: "أريد أن أشكر كل الأشخاص هنا في روسيا على الطريقة الرائعة التي استقبلونا بها، وعلى التنظيم المُبهِر والمتطوّعين وعلى الترحيب غير العادي الذي لاقيناه. نعلم أن هناك خلافات بين البلدين ولكن على المستوى الشخصي شعرنا بترحيبٍ كبيرٍ هنا في البلاد". الروس انتصروا بكلمات ساوثغيت.
المسألة الثانية المهمّة كانت توفير الأمن للبطولة. في بال الجميع كانت لا تزال الاعتداءات الإرهابية التي طاولت ملعب "سان دوني" في باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015 والتي كان وراءها تنظيم "داعش". إذاً فإن البطولات الكبرى تبقى هدفاً دسِماً للإرهابيين وحتى أن المونديال الروسي تلقّى تهديدات قبل أشهر من المونديال عبر مُلصقاتٍ يتوعّد فيها "داعش" نجوم البطولة كليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ونيمار فضلاً عن روسيا. لكن الروس أظهروا عن كفاءة عالية ونجحوا في الجانب الأمني تماماً. لم يحصل طيلة شهر من الزمن أيّ حادث يُعكّر صفوَ البطولة، حتى في ما يتعلّق بالشغب الجماهيري كما يحصل دوماً في البطولات الكبرى من خلال "الهوليغينز" مثل الأحداث الدموية بين المُشجّعين الإنكليز والروس في كأس أوروبا 2016. كل هذا لم تشهده الأراضي الروسية وحتى أن المُشجّعين كانوا مُندهشين من معاملة قوات الأمن والشرطة الروسية لهم. هنا انتصرت روسيا أيضاً.
ولكي يكتمل المشهد فإن الجانب الفني في المونديال كان استثنائياً. تكفي المُفاجآت الضخمة التي حصلت بخروج المنتخبات الكبرى لتلخّص ذلك، مقابل صعود نجم منتخبات لم تكن في الحسبان مثل كرواتيا الوصيفة وبلجيكا الثالثة وروسيا. كان ذلك تاريخياً بكل ما للكلمةِ من معنى.
فضلاً عن ذلك، فإن الأجواء المشوّقة كانت حاضرة بقوّة في المباريات من خلال الأهداف في الثواني الأخيرة، تُضاف إليها الأرقام القياسية العديدة وبينها ركلات الجزاء التي مُنِحت، كما كان اللعب نظيفاً من خلال الرقم الضئيل للبطاقات الحمراء والصفراء.
كل هذا المشهد يجعل من المونديال الروسي استثنائياً فعلاً. كلمة "شكراً" هي أقلّ ما يفي الروس مجهودهم ومونديالهم الرائع.