... ويبقى مارادونا بطل الأرجنتين
مُجدّداً، ليونيل ميسي "الأحجية" التي ليس لها حلّ في المونديال. مُجدّداً، ميسي مع الأرجنتين شبح لذاك النجم الكبير مع برشلونة. بالأمس تأكّد ذلك، تحت أنظار دييغو مارادونا الذي سيبقى بطل الأرجنتين.
أمس، في ملعب "نيجني نوفغورود"، كان دييغو أرماندو مارادونا في المُدرّجات. لكن دييغو لم يقفز فرحاً لهدف أرجنتيني، بل، على العكس، كان يتحسّر. تحسّر أكثر من مرة. في المدرّجات أيضاً، كان طفل بزيّ منتخب الأرجنتين يبكي ويحتضن والده. أيضاً وأيضاً، في المُدرّجات، كان مُشجّع آخر يضع يديه على رأسه وتكاد الخيبة تأكل وجهه. هناك، خلف المحيط، في الأرجنتين كان، في الأثناء، شعبٌ برمّته يغفو على حزنٍ عميق.
هذه الصورة تختصر ما حل بمنتخب الأرجنتين بطل العالم مرّتين أمس في المباراة أمام كرواتيا. انهار انهياراً عظيماً لم يشهد له مثيلاً في مثل هذا الدور في المونديال. كل شيء كان سيّئاً في "ألبيسيليستي". لا بطل تعوّل عليه الجماهير أمس. لا، بالأصحّ، ثمة بطل من الزمن الجميل كان حاضراً، لكنه كان في المُدرّجات. مارادونا كان بطلاً ذات يوم، وبقي، وحده البطل.
بطبيعة الحال، فإن خورخي سامباولي دمّر "ألبيسيليستي" حيث خرّب الأمور بدلاً من أن يُصلحها عندما تم تعيينه. سامباولي كارثيّ طبعاً في كل شيء: من الخيارات قبل المونديال، إلى التكتيك، إلى التشكيلة، إلى التبديلات. كان هذا معلوماً، لكن الأرجنتينيين كانوا يراهنون على ليونيل ميسي ليصنع المُستحيل. بَيْدَ أن ميسي "معشوق الملايين" اختفى أمس أمام أنظار الملايين، وغابت معه الأرجنتين.
مُجدّداً ميسي "الأحجية" التي ليس لها حلّ في المونديال. لا أحد يعلم ما الذي يحصل مع هذا النجم الكبير في بطولة كأس العالم. صحيح أن الضغط كان كبيراً على "ليو" وأن الرقابة كانت لصيقة عليه وأن سامباولي لم يعرف أصلاً توظيف ميسي لمصلحة المجموعة والمجموعة لمصلحة ميسي، لكن هذا لا يُبرّر بأن يكون ميسي بهذا السوء وألا يُحرّك ساكناً. في زمانه، مارادونا، كان النجم الأول وكان يتعرّض للرقابة والتدخّلات العنيفة بكثرة، إلا أنه كان دوماً البطل. مثلاً، في نهائي المونديال الكبير الذي قدّمه مارادونا عام 1986 لم يسجّل هذا الأسطورة. كانت الرقابة الألمانية كبيرة عليه وكان لوثر ماتيوس لصيقه في كل مكان، لكن في الدقائق الأخيرة وفي لمحة واحدة مرّر مارادونا كرة ساحِرة لخورخي بوروتشاغا أنهت الأمور وجلبت المجد للأرجنتين. لكن ميسي أمس لم يمرّر ولم يسدّد، أما سحره فقد نسيه في كاتالونيا. بدا مستسلماً تماماً وغير قادر على ردّ الفعل. بدا ميسي، مجدّداً، مع الأرجنتين وعند الاستحقاق المهم، شبحاً لذاك النجم الكبير في برشلونة. سوء ميسي أمكن رؤيته كذلك في تألّق لوكا مودريتش. نجم ريال مدريد خطف منه الأضواء تماماً.
المفارقة الغريبة الآن أن ميسي الذي كانت الأرجنتين تعلّق آمالها عليه للتتويج باللقب قد يكون السبب الرئيسي في حصول الكارثة والخروج من الدور الأول، إذ فضلاً عن عدم فاعليته فإنه أهدر ركلة الجزاء أمام أيسلندا وأضاع فوزاً مهماً على الأرجنتين.
في الحقيقة، لم يعد يعني الأرجنتينيين الآن إن كان ميسي على المستوى الشخصي سيحقّق ما حقّقه مارادونا في زمانه ويقود بلاده إلى لقب طال انتظاره منذ 32 عاماً (عِلماً أن الفرصة كانت متاحة أمامه في نهائي مونديال 2014 لكنه لم يفعل شيئاً أمام ألمانيا)، أو إن كان سيُنهي المونديال من دون تسجيل ولو هدف واحد، أو إن كان لن يُحرز الكرة الذهبية. ما يعني الأرجنتينيين الآن ألا تحلّ الكارثة ويودّع "ألبيسيليستي" من الدور الأول. لكن المشكلة أن الأمور أصبحت في يد الآخرين. هذا ما وصل إليه، في يومنا هذا، حال الأرجنتين!