منتخب "البوم الأوراسي".. هكذا تطوَّرت كرة القدم في فنلندا
بعد سنوات من العمل الجاد والحلم بالتأهّل إلى بطولة رسميَّة، نجح منتخب فنلندا في بلوغ بطولة أمم أوروبا "يورو 2020"، ليحقّق حُلماً عمره أكثر من 100 عام.
في السَّنوات التي سبقت إعلان استقلال فنلندا في العام 1917، أدت الرياضة، وإن لم تكن كرة القدم بالضرورة، دوراً مهماً في الحياة الوطنيَّة. ونظراً إلى وجود العديد من الفنلنديين في المناطق الريفيَّة، هيمنت الرياضات الفرديّة في البلاد، مثل التزلّج على الجليد في فصل الشتاء، وألعاب القوى في فصل الصيف. وعندما تغلَّب لاعبو كرة القدم في البلاد على إيطاليا وروسيا في أولمبياد ستوكهولم في العام 1912، طغى على إنجازاتهم نيل الميداليات الذهبيَّة في سباقات المضمار والميدان.
لم تتطوّر كرة القدم في البلد الشمالي بسبب الحرب الأهليّة في العام 1918، لكنَّ الحلم الفنلندي بتحقيق إنجاز ما تحقّق بعد أكثر من 100 عام، وأيّ حلم كان! هو حلم المشاركة في بطولة كأس العالم أو بطولة أمم أوروبا، إذ ستشارك فنلندا للمرة الأولى في بطولة أمم أوروبا "يورو 2020"، وستلعب ضمن المجموعة الثانية الّتي تضمّ فرقاً قوية وطموحة، منها بلجيكا، صاحبة المركز الثالث في كأس العالم "روسيا 2018"، والدنمارك وروسيا.
هكذا تطوّرت كرة القدم في فنلندا
لم تكن الظّروف المناخيّة القاسية مناسبة في كثيرٍ من الأحيان لكرة القدم في فنلندا. لذا، كان بناء قاعات بملاعب مناسبة في أواخر السبعينيات بمثابة دفعة قوية لهذه اللعبة. كان توفير هذه المرافق دافعاً لفنلندا للبدء بتصدير أفضل لاعبيها للاحتراف في الدوريات الأوروبية، مثل أوليس ريتكونن وجوسي بيلتونين وأرتو تولسا في أوقات سابقة، وبعدهم ليتمانن وسامي هيبيا وميكاييل فورسيل، وآخرهم نجم المنتخب تيمو بوكي. السّفر والمشاركة في منافسات قويّة عادا بنتائج إيجابية على فنلندا، إذ نجحت أخيراً في بلوغ "يورو 2020".
كانت الكواليس تشهد عملاً جاداً ودؤوباً من قبل الاتحاد الفنلندي لكرة القدم؛ ففي العام 2004، بدأ الاتحاد باستخدام بتمويل ما يُسمى بـ"HatTrick" لتحسين البنية التحتية الوطنية لكرة القدم ومساعدة جميع اللاعبين على حدّ سواء. هذا التمويل جعل عدد اللاعبين المسجّلين يبلغ أكثر من 140 ألف لاعب، في بلدٍ يبلغ عدد سكانه ما يقارب 5.5 ملايين نسمة.
هذا التّمويل شمل بناء ملاعب ومرافق رياضية واهتماماً أكثر بالمنتخب الوطني، وأتت ثماره عاماً بعد عام، إذ تأهّل منتخب فنلندا إلى بطولة أوروبا تحت 21 عاماً في العام 2009، بمشاركة لاعبين جيّدين يلعبون اليوم في الفريق الأول، مثل الحارس لوكاس هارديكي وصانع الألعاب لود ونجم الفريق بوكي.
في السّنوات الخمس الماضية وحدها، تم افتتاح 81 ملعباً بعشب اصطناعيّ، ليصل إجمالي الملاعب في البلاد إلى 350 ملعباً، يمكن استخدامها على مدار العام، مهما كانت الأحوال الجوية قاسية. إضافةً إلى ذلك، ساعدت 30 قاعة كرة قدم داخلية جديدة و100 ملعب صغير جديد في تسهيل الوصول إلى كرة القدم وتعزيز مكانتها، لتصبح الرياضة الأولى في فنلندا.
ومع كلّ ذلك، إنَّ نقص الخبرة في البطولات الكبرى وغياب لاعبين من الطراز الأول يحدّان من تطلّعات الفريق الحالم الذي قد يكرّر تجربة منتخب آيسلندا، الذي بلغ ربع نهائي "اليورو" في أول مشاركة له في العام 2016، وتأهّل بعدها إلى كأس العالم في روسيا في العام 2018.
المدرّب ماركو كانيرفا
ولد ماركو كانيرفا في 24 أيار/مايو 1964، وكانت تجاربه كمدرب في كرة القدم متواضعة، إذ بدأ العمل بصفة مدرب مساعد في العام 2001. وفي العام الَّذي تأهَّلت فيه فنلندا إلى بطولة أمم أوروبا (2009)، كان الرجل الذي قاد الفريق إلى هذا الإنجاز. بعدها، خسر المباريات في دور المجموعات أمام إنجلترا وألمانيا وإسبانيا، ولكنَّه ترك صورة مقبولة، وانتقل إلى المنتخب الأول كمساعد في البداية (2011-2016)، ثم كمدير فني منذ 5 سنوات.
تيمو بوكي "طائر الكناري"
يعدّ تيمو بوكي واحداً من أبرز اللاعبين الحاليين في منتخب فنلندا. اشتهر بعد أن لعب فريقه نوريتش سيتي "طائر الكناري" في الدوري الإنكليزي الممتاز. وعلى الرغم من هبوطه، فإنَّ بوكي بقي راسخاً في عقول جمهور كرة القدم، وخصوصاً الذين يلعبون لعبة "Fantasy Premier League".
الهدّاف بوكي سجّل في التصفيات 10 أهداف، وسجّل مع فريقه نوريتش هذا العام 26 هدفاً، ما ساهم في عودة "الكناري" إلى "البريميرليغ".
يتميَّز بوكي بقدرته على التسجيل ولعب الكرات القصيرة، فضلاً عن حفاظه على الكرة. ومن الأسماء البارزة أيضاً، لاعب وسط رينجرز الاسكتلندي غلين كامارا، الذي كان واحداً من أفضل اللاعبين مع فريقه، وساهم بشكل كبير في تتويجه بلقب الدوري الاسكتلندي الممتاز من دون أي خسارة بقيادة المدرب ستيفين جيرارد.
لن يفرّط منتخب "البوم الأوراسي" في فرصة تحقيق مفاجأة، وسيطوّر قدراته من أجل الذهاب بعيداً في البطولة، وخصوصاً بعد أن حقّق حلمه في بلوغ نهائيات بطولة أمم أوروبا للمرة الأولى في تاريخه.