باريس سان جيرمان وعقدة مارسيليا "مدينة الفقراء والمهاجرين"!
باريس سان جيرمان نجح في بلوغ نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، حيث سيواجه بايرن مونيخ، وسيسعى إلى إنهاء عقدة مارسيليا، وهو الفريق الفرنسي الوحيد الذي توّج باللقب الأوروبي.
لم تكن ليلة الثلاثاء الماضي كغيرها من الليالي بالنسبة إلى فريق العاصمة الفرنسية باريس، ففي ملعب "دا لوز" أو ملعب "الضوء"، كانت ليلة فريق "مدينة الأنوار" مشعّة في العاصمة البرتغالية لشبونة. نجح باريس سان جيرمان "أخيراً" في الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، بعد سنوات من صرف الملايين القطرية، بغية تحويل الحلم القاري إلى حقيقة. وقد عَبر باريس سان جيرمان إلى النهائي بعد فوزه على لايبزيغ الألماني بثلاثية نظيفة.
أعظم ما حقّقه سان جيرمان في بطولة دوري الأبطال كان الوصول إلى نصف النهائي في العام 1995. يومها، أُقصي على يد ميلان الإيطالي. واليوم، أصبح "بي أس جي" خامس فريق فرنسي يصل إلى نهائي البطولة الأغلى في أوروبا، ولكن من بين الأندية الخمسة، هناك فريق واحد توّج باللقب، وهو مارسيليا؛ فريق "المهاجرين والفقراء" واليساريين، الفريق الّذي يعدّ فريق "الشعب"، إذا صحّ التعبير، الفريق الّذي يأكل جمهوره في المدرّجات قليلاً من الخبز، وينثرون كثيراً من النيران في المدرجات والتشجيع الغاضب "الشعبوي" داخل الملعب فقط، في الوقت الَّذي تحاول العديد من الصحف ووسائل الإعلام إظهارهم على أنهم "فوضويون"، وهو جزء من الصراع الثقافي بين شمال فرنسا وجنوبها.
باريس سان جيرمان سيلعب النهائي، ولن يقتصر تركيزه على خصمه القوي جداً بايرن ميونيخ. ربما سيركز اللاعبون والمدرب والإدارة القطرية على المباراة، فالإدارة القطرية تبحث عن نجاح استثمارها رغم صعوبة المباراة النهائية، لكن أعين الباريسيين ستكون شامخة، وقلوبهم تنتظر فكّ "العقدة"، ولكن أي عقدة؟
إنّها عقدة تحمل اسم مارسيليا؛ عقدة تتمثل في أنّ مدينة الأغنياء لم تنجح منذ تسعينيات القرن الماضي في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا، بينما نجح فريق "الشعب" في تحقيق البطولة في العام 1993.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ الباريسيين قبلوا الاستثمار القطري في العام 2011، بحسب نظرية سائدة في الشارع الفرنسي، لاستقطاب الأموال من أجل الفريق، ولكن ذلك ليس السبب الوحيد، إنما كانوا يبحثون عن كسر عقدة أساسها طبقي واجتماعي وسياسي، فهم يريدون دوري الأبطال لمدينة الأغنياء. هو صراع بين أكبر مدينتين في فرنسا.
"صراع الجنوب والشمال" في كرة القدم هو انعكاس لما يحصل خارج المستطيل الأخضر، كما في العديد من مباريات "الجلد المدور". وقبل الحديث عنه، ربما علينا أن نتوقّف قليلاً عند الفارق الزمني بين باريس سان جيرمان ومارسيليا، فالأخير تأسّس في العام 1899، أي أن عمره تخطى قرناً من الزمن. أما الفريق الباريسي، فتأسس في العام 1970، وله من العمر 50 عاماً.
إنَّ التنافس الكروي في فرنسا كان بين 3 أندية، هي مارسيليا وبوردو وسانت إتيان. أما فريق العاصمة فهو حديث العهد، وجمهوره حديث العهد أيضاً، فقد استقطبته الأموال والتسويق واهتمام السياسيين به في التسعينيات من القرن الماضي، بحسب الشارع الفرنسي، بينما كانت جماهير مارسيليا في منتصف السبعينيات تحتل ملعب "بارك دي برانس" في وسط العاصمة.
كانت الجماهير تحضر لأنها تحب الفريق، وكانت تدعمه مادياً ومالياً، لأن الأموال بالنسبة إليها لا تصنع انتماءً إلى الفريق، ولا تصنع كرة قدم. أما بالنسبة إلى الباريسيين، فالمهم هو أن يبقى اسم العاصمة هو الأعلى والأقوى والأبرز.
بعض الأسماء والشخصيات في تاريخ مدينة مارسيليا يمكن أن توضح هذا الصراع أكثر. الفترة الذهبية لمارسيليا كانت مع رئيسه التاريخي بيرنارد تابيه (1986 - 1993)، وهو اشتراكي معارض لليمين. ماذا عن سياسيي المدينة؟ جان لوك ميلنشون هو اسم بارز بين سياسيي مدينة مارسيليا. يساري، وله العديد من المواقف السياسية البارزة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، في ما يتعلق في الحرب على سوريا والدفاع عن المسلمين والمهاجرين.
وبسبب بروز ظاهرة دونالد ترامب ومارين لوبان، دعا ميلونشون إلى عدم اختزال ظاهرة الإرهاب في المهاجرين، ودافع عن حق المسلمين بالوجود في أوروبا بكل حرية، ما داموا غير متورطين في إيذاء أحد، ودعا إلى التفريق بين الإسلام والإرهاب، إضافةً إلى عدم اعتراضه على موقف سوريا في الدفاع عن نفسها خلال الحرب عليها، بخلاف مواقف تيار اليمين في باريس.
الكثير من القصص تختصر هذا الصراع الذي ينعكس بوضوح على كرة القدم. اللاعبون، من نيمار إلى مبابي وغيرهم، سيلعبون من أجل إنجاز كروي. أما الباريسيون القدماء والسياسيون الذين تكثر النظريات في فرنسا حولهم بأنهم دعموا "بي أس جي" ليكون منافساً لأبناء الجنوب، فسينتظرون تتويجاً ينهي "عقدة مارسيليا الكروية".