كورونا هاجر بعيداً.. واترك لنا كرة القدم
فيروس كورونا يهدد الرياضة ويجعل مدرجاتها خالية من المتابعين إحترازياً.
كثر أولئك الذين كانت الكرة ترافقهم إلى سريرهم، وأثناء خلودهم إلى النوم، كانوا يحلمون لو أن ذلك الجلد المدور تملأه الحياة، لو أن تلك الكرة كانت تنطق وتتكلم، ليتبادلوا معها الغزل والأحاديث عن أحلامهم ورغباتهم في أن يصبحوا لاعبين محترفين. ومن لم يحالفه الحظ في الإحتراف، تتبّع تلك المجموعة من الناس التي آمنت بموهبتها فوصلت إلى القمة، وباتت المجموعة التي تضم الكثير من الأسماء تشكل فرقةً لعرض مسرحي ينثر سحره على الحضور. لا شك في أن كرة القدم هي الرياضة الأكثر جماهيرية حول العالم. الرياضة التي تحوّل الجماهير إلى متسولين يدورون ما بين الملاعب، لمشاهدة تلك اللعبة التي يعتبرونها متعة تسر أنظارهم، ويتمنّون أيضاً لو أنهم يستطيعون عناق صوت ركلها وكلمة هدف أو "غول".
بالنسبة إلى عشاق كرة القدم، الذهاب في نهاية الأسبوع إلى الملعب أو التسمّر خلف الشاشة يمنحهم الكثير من الحياة، هو فرصة تفتح لهم الباب لرمي كل تلك الهموم والمشاكل التي تثقل كواهلهم على الأقل لمدة 90 دقيقة، فلا شك في أنهم يرون لاعبهم المفضل ذلك الراقص الذي يقف على الخشبة وهو يحلق بكل خفة كما لو أنه طائر حر لا تسعه حدود السماء. تسعون دقيقة يغزوها الصمت، والترقب للحظة تخترق الكرة ذاك الخط معلنة عن الهدف، أو انتظار صفارة تعلن أن فريقاً انتصر على آخر، فتُسجَّل بعدها صرخة قد تتسبب بهزة أرضية.
كل هذه الأمور وغيرها، يهددها اليوم فيروس كورونا، تارة تؤجل مباريات وتارة أخرى يتقرر أن تكون المباريات من دون الجماهير، كيف لمشجعي كرة القدم أن يتخيلوا بأن مباراة إنتر أمس الخميس (27 شباط/فبراير) في الدوري الأوروبي لعبت على ملعب "سان سيرو" من دون جمهور، كيف كانت الأجواء هناك؟ كانت تبدو تلك المدرجات شاحبة ومظلمة، شكل ذلك السكون غمامات سوداء تمطر الكثير من الأحزان على محبي الرياضة وحتى على الناس الذين لا تعنيهم، لأنهم شعروا أن الحياة البشرية ليست على ما يرام.
حال "سان سيرو" كما حال باقي الملاعب في إيطاليا لن يكون يتيماً في حالته هذه إنما ستتكاتف كل "الاستادات" لتثبت أن كرة القدم أقوى من المرض، ولكن كيف لنا أن نشاهد مباراة الأحد المقبل في "ديربي إيطاليا" بين إنتر ويوفنتوس في ملعب "أليانز" من دون جمهور أيضاً، حيث سيلعب كريستيانو رونالدو مباراته الألف من دون جمهور، وقد يتمكن في تلك المباراة من كسر أطول سلسلة من التهديف المتتالي ليصل إلى 12 جولة، كل ذلك قد يحدث من دون أن يصفّق أحد لـ"الدون"، وحتى لو لم ينجح في كسر الرقم، رونالدو في مباراته الـ 1000 بمدرّجات خالية، كورونا يقتل متعتنا.
ماذا لو نطقت كرة القدم وخاطبت كورونا، ربما ستقول له ارحلْ عنا واتركنا، اتركْ كل هؤلاء الناس الذين يحبون الحياة، مَن يحبني ومَن لا يفعل، هاجرْ إلى الشمال أو إلى الجنوب، اذهب وتجمد في القطبين الخاليين، ابحث عن مكان لا حياة فيه، لا كرة قدم ولا رياضة، دعْنا نكملْ أيامنا ونستمتع بمن يمنحنا السعادة بتسجيله الأهداف والذود عن شباك فريقه والركض فوق المستطيل الأخضر.