ديربي "Casablanca".. شخصية العام 2019
الرجاء البيضاوي المغربي يقلب الطاولة على غريمه الأزلي ومضيفه الوداد البيضاوي في الدور ثمن النهائي لبطولة الأندية العربية لكرة القدم بعدما حوّل تأخّره 1-4 إلى تعادل 4-4 إياباً، فيما قدمت جماهيره درسًا في التشجيع سيبقى خالدًا في ذاكرة كرة القدم.
بمجرد أن يقترب العام من نهايته، تأخذ الوسائل الإعلامية حول العالم بالبحث عن شخصية العام. كل منها تضع شخصيةً تشبه المضامين التي تقدمها، سياسية، اجتماعية، أدبية، علمية وغيرها.
وفي عالم الرياضة، تتمحور الأسماء المرشحة لشخصية العام من قبل الإعلام على شخص أو اثنين ربما أكثر، بحسب انجازات الشخص، حتى أن كل دولة على حدى تختار رياضي العام لديها.
وفي كرة القدم بشكل خاص، لعبة الفقراء والشعب، يشكل الجمهور القلب النابض للعبة. وفي هذا الصدد خصص الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ سنوات جائزةً للجمهور، الجمهور الذي يشكل مجموعة من الأفراد لكنه في المدرج يشكل شخصًا واحدًا، وربما يمكن أن يكون هذا الجمهور شخصية العام.
وإذا أردنا أن نرشح مباراة أو جمهورًا لشخصية العام، لا شك أن البوصلة تتجه إلى المغرب، مشيرةً إلى مدينة الدار البيضاء "كازابلانكا" والتي يمكن أن تكون على رأس قائمة المرشحين.
"ديربي كازابلانكا" عالميٌ بجماهيره
تصدرت جماهير الرجاء البيضاوي المغربيّ المشهد طوال عام 2019، ففي كل مرة كانت تقدم أغنية أو رسمًا "تيفو" في المدرج سرعان ما يلقى اهتماماً وانتشاراً واسعا خصوصا على وسائل التواصل. ولكن ماذا يمكن أن يحدث، إذا اجتمع "ألتراس" الرجاء و"ألتراس" الوداد البيضاوي المغربي في ملعب واحد، الجواب على هذا السؤال جاء في مباراة قد تكون واحدة من أجمل مباريات العام، حيث لعب ديربي كازابلانكا هذه المرة في الدور الـ16 لكأس الأندية العربية البطلة، الديربي" الذي حمل الرقم 141 في تاريخ لقاءات الفريقين.
كل ما حدث في تلك المباراة حوّلها إلى فيلم سينمائي لا يمكنك توقع ما سيحدث فيه، وقبل الحديث عن مجريات المباراة التي انتهت بالتعادل (4-4) تأهل على أثره الرجاء، الجمهور كان الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم، ما يقارب الـ45,000 مشجع حضروا.
لم يتوقف جمهور الفريقين عن التشجيع طوال الـ90 دقيقة، لم تكل حناجرهم من الهتافات، حتى عندما تأخر الرجاء وأصبحت النتيجة 1-4 للوداد لم يتوقفوا. نقل جمهور الفريقين التشجيع إلى مرحلة متقدمة جدًا، ربما تخطوا فيها كل الجماهير حول العالم، أن تصنع ما يقارب الـ13 "تيفو" في مباراة واحدة الأمر يبدو خياليًا، لقد تفننت الجماهير في رسمها ووجهت رسائل من خلالها، يمكن استعراض بعضها.
"الغرفة 101" كتبت باللغة الإنكليزية "Room 101" تيفو مرفق بتيفو ثلاثي الأبعاد للأساطير الرجاء، هذا التيفو مستوحى من رواية جورج أورويل الشهيرة "1984" والتي كانت غرفة التعذيب فيها تحمل الرقم 101، في إشارة إلى تعذيب الخصم، وهذا ما حدث بالفعل عندما سجل مالونغو في الوقت الإضافي هدف التعادل الذي اقصى الوداد.
في الجهة المقابلة، رفع جمهور "وداد الأمة" تيفو ثلاثي الأبعاد من رجال الإطفاء يحاولون إطفاء المدرج، الذي كان يظهر كأنه مشتعل عندما أشعلت الجماهير "البايرو" أو "الشماريخ"، إضافة إلى ذلك نفذ رسم في المدرج لقلعة وهي رمز القلعة الودادية، و"تيفو" ملك يجلس على عرشه في إشارة إلى التفوق الودادي وعلى جنبه ثلاثة من الخدم يرتدون اللون الأخضر الذي يمثل الغريم التقليدي الرجاء.
لم تنسَ الجماهير القضية الفلسطينية، وكعادته لم يخلُ المدرج المغربي من الأعلام الفلسطينية في زاوية وأخرى.
اختصر الجمهوريين كل معاني الشغف والحب المرتبطة بكرة القدم، لقد كانت معركة في السّعي إلى الجمال على المدرجات، لا شجرات ولا مشاكل فقط هتافات وتشجيع بكل رقي وحضارة ورسائل دون أي اشتباكات، الجمهور ظهر كأنه دافينشي أو بيكاسو أو فان غوخ و غيرهم من الفنانين.
"النسور" تحلق في سماء الدار البيضاء
فوق المستطيل الأخضر، لم تختلف الأمور عن تلك التي في المدرجات، حيث قدم لاعبو الفريقين كل ما لديهم، حتى أن طريقة احتفال اللاعبين كانت كأنها عرض مسرحي.
"النسور الخضراء" ورغم خسارتها في الشوط الأول (0-1) لصالح الوداد إلى أنها سيطرت على النصف الأول. قدم "النسور" شوطًا أولاً تميزوا فيه من الناحية البدنية، حيث كان انتشار الفريق يمنحهم العديد من الفرص، إضافة إلى قدرتهم على خلق الفرص بكافة الأشكال، سواء من كرات عرضية أو تلك الملعوبة في العمق. لكن الوداد استطاع أن يخرج منتصرًا بالهدف الذي سجل من محمد الناهيري على طريقة "بانينكا" بعد احتساب الحكم المصري محمود البنا ركلة جزاء ('12). حاول الرجاء لكنه لم يستطع أن يغيّر النتيجة، رغم أنه كان المستحوذ على الكرة، ولم يسمح للوداد بأخذ أنفاسه نتيجة الضغط العالي الذي استنزف اللاعبين بدنيًا.
في بداية الحصة الثانية، لم يتأخر "النسور" في إدراكهم للتعادل، ليأتي التعادل بنفس الطريقة ومن ركلة جزاء في الدقيقة 50 سجلها محسن متولي قائد الفريق الذي يمكن اعتباره رجل المباراة دون منازع لما فعله، من الناحية البدنية والذهنية. هدف التعادل هذا خفّض من نسبة الحماس لدى فريق الرجاء ليسجل الوداد هدفين في غضون دقيقتين (56) و (58)، ليكتمل المهرجان الودادي بهدف رابع في الدقيقة الـ 73. جاءت الأهداف ثلاثة نتيجة لقلة تركيز دفاع الرجاء. بعد هذا الهدف أخذ معلق المباراة يبارك للوداد التأهل إلى الدور التالي.
هذا الهدف كان كصاعقة ضربت "النسر الأخضر" جعلته يستيقظ ويفرد جناحيه من جديد. قلّص البدلاء النتيجة بعد عرضية من أنس جبرون تابعها حميد أحداد. في الدقيقة الـ 88 احتسب الحكم ركلة جزاء للرجاء، ولكن ما فعله قائد الفريق محسن متولي يظهر الشخصية الكبيرة والثقة التي منحها لفريقه طوال المباراة، على طريقة "بانينكا" أيضًا سجل متولي رغم حساسية الوقت ليجد الرد المناسب على ركلة الجزاء الأولى للوداد.
الهدف الأخير في كفة منفصلة، هدف لن ينساه العالم ولا الجمهور المغربي من الفريقين. سيحكي عنه المشجعون إلى أحفادهم من الصغير إلى الكبير. في الدقيقة الـ 93 ارتقى الكونغولي بن مالانغو ليسجل هدف التعادل (4-4) الذي أهل الرجاء، ومن بعد هذه الرئسيّة تحوّل الملعب إلى ساحة احتفال يقابلها ساحة عزاء لدى جمهور الوداد.
قدم كل من اللاعبين والجماهير درسًا كرويًا، حيث لم ينقص "الديربي البيضاوي" أي تفصيل صغير ليكون واحداً من أجمل مباريات العام 2019، سواء من ناحية المدرجات، التنظيم أو الأداء فوق أرض الملعب، مباراة يمكن اعتبارها عرضًا مثاليًا لعشاق كرة القدم لختام عامهم.