نقاش في "إسرائيل" بشأن صلاحية التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية

مع اقتراب المهلة المعطاة لـ"إسرائيل" بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ينقسم الرأي العام الإسرائيلي حول صلاحية الحكومة في حسم هذه المسألة.

  • نقاش في
    الرأي العام الإسرائيلي منقسم بين مؤيد ومعارض لصلاحية الحكومة حسم مسألة ترسيم الحدود البحرية.

سجال سياسي - قانوني يجري في "إسرائيل" منذ بداية شهر أب/أغسطس الماضي، بشأن الحاجة لإقرار نتائج المفاوضات بين "إسرائيل" ولبنان بما يتعلق بخط حدودهما في البحر الأبيض المتوسط عبر استفتاءٍ عام أو بأغلبية ثلثي أعضاء الكنيست، استنادا إلى "قانون أساس - الاستفتاء الشعبيّ"، الذي ينصّ على أنّ تنازل "إسرائيل" عن أرض من أراضيها، يحتاج إلى أغلبيّة 80 عضو في الكنيست أو إجراء استفتاء شعبيّ عليه. 

وانقسمت الأراء في "إسرائيل" بين، من يرى أن أي قرار بالتخلي عن "منطقة إسرائيلية ذات سيادة" ليس من صلاحية الحكومة، وفقاً لقانون "أساس - الاستفتاء الشعبي". بينما الرأي الآخر يعتبر أنّ الأمر لا يحتاج إلى موافقة الكنيست، ويكفي إقراره في الحكومة، لأنّ "التنازل عن مناطق في المياه الاقتصادية للدولة ، حيث لا تمتلك سوى حقوق اقتصادية - لا يشكل تنازلاً عن السيادة".

1) مؤيدو الاستفتاء 

مع ازدياد الحديث في "إسرائيل" عن حصول تقدم في المفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البحرية، بوساطة أميركية، يقودها المبعوث الخاص لشؤون الطاقة، آموس هوكستين، قدّم منتدى "كهِليت" للسياسات التماساً إلى المحكمة العليا في "إسرائيل"، منتصف شهر آب/أغسطس الماضي، لكي تقرر أنه توجد حاجة لإقرار نتائج المفاوضات بين "إسرائيل" ولبنان حول الخط البحري في البحر الأبيض المتوسط من خلال استفتاءٍ عام.

كما طلب رئيسا كتلتي "الليكود" و"الصهيونية الدينية" في الكنيست، ياريف ليفين (رئيس كنيست سابق) وأوريت ستروك، في رسالة وجهاها إلى رئيس الحكومة، يائير لابيد، أن يلتفت إلى أنه وفقاً لقانون أساس – الاستفتاء في "إسرائيل"، فإنّ "أي تغيير في الخط الحدودي لإسرائيل يُقر في الكنيست بغالبية 80 عضو كنيست، أو يُعرض على استفتاءٍ عام بعد إقراره في الكنيست بأغلبية عادية". 

وأشار عضوا الكنيست في رسالتهما، التي أرسلا نسخاً منها إلى رئيس الحكومة البديل، نفتالي بينيت، والمستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية، غالي برهاف ميارا، إلى أنّ الحكومة مستعدة للتنازل عن منطقة هائلة تبلغ مساحتها نحو 860 كلم مربع، وكذلك عن خط الحدود التابع للمياه الاقتصادية الذي أُرسي في قرار حكومي (سابق)، وأضافا أنّ "المسألة تتعلق بالمياه التي تشكّل جزءاً من المنطقة السيادية لدولة إسرائيل". 

ولفت عضوا الكنيست إلى أنّ "الحكومة برئاستكم (أي لابيد) ليست مخوّلة بالتوقيع على الاتفاقية التي تشمل تغييراً سيئاً في خط الحدود البحرية لإسرائيل، لأنّ المسألة تتعلق بحكومة سابقة تفقد اليوم الأغلبية في الكنيست". 

وفي موقف إضافي لها، قالت ستروك إنّ "وضعاً تعتقد فيه جهات سياسية في إسرائيل أنّ مصلحة الدولة هي التنازل عن منطقة مستقلة، سبق أن حصل في تاريخنا. تماماً بسبب أوضاع كهذه وكجزء منها، قمنا بطرح قانون أساس استفتاء شعبي كي نتأكد من أنّ الحكومة لا يمكنها اتخاذ قرارات كهذه على مسؤوليتها، وستكون خاضعة لقرار الحاكم، الكنيست، و/أو استفتاء شعبي".

وكانت عضو الكنيست، سمحا روتمان (من الصهيونية الدينية) انتقدت مطلع شهر آب/أغسطس الماضي (03/08/2022)، في تغريدة لها في "تويتر"، نية الحكومة بالتنازل عن حدود "إسرائيل"، وقالت: "في الوقت الذي نحن مشغولون فيه بمعركة انتخابية، يائير لابيد مشغول بالاستسلام لـ(السيد حسن) نصر الله، وبيعه أملاك إسرائيل الاستراتيجية من دون رقابة شعبية ومن دون استفتاء، كما يلزم قانون الأساس". 

ووفقاً لتقارير إسرائيلية، فإنّ الحجة الرئيسة للمطالبين بتحصيل موافقة 80 عضو كنيست أو إجراء استفتاء عام للتنازل عن منطقة، هي أنه في العام 2011 أعلنت "إسرائيل" حدودها البحرية مع لبنان، وفقاً للقوانين البحرية الدولية، ورفعت قرارها بهذا الشأن إلى الأمم المتحدة، كما أعلن لبنان حدوده البحرية أيضاً ورفع قراره إلى الأمم المتحدة.

وعلى مستوى الخبراء، رأت البروفسورة تاليا إينهورن، العضو الدائم في الجامعة الدوليّة للقانون المقارن، أنّ الحكومة الإسرائيليّة ممنوع عليها التوقيع على اتّفاق مع لبنان حول الحدود البحريّة، بسبب عدم وجود دولة اسمها لبنان بل حزب الله، وبسبب وجود قانون "أساس - الاستفتاء الشعبيّ" الذي ينصّ على أنّ "إسرائيل" إذا كانت تريد التنازل عن أرض من أراضيها، والّتي يسري فيها الحكم الإسرائيليّ، فعليها تقديمه للحصول على أغلبيّة 80 عضو كنيست أو إجراء استفتاء شعبيّ عليه. 

وأضافت إينهورن أنّ "المنطقة في قلب البحر هي منطقة سياديّة تابعة للدولة الإسرائيليّة لسببين، هما وجود قانون الأراضي تحت الماء، الّذي يقول إنّ أرض إسرائيل تشمل الأرض والبحر وما تحت الأرض وكذلك المنطقة الواقعة خارج المياه الإقليميّة حتّى عمق المياه الّتي يمكن من فوقها الاستفادة من الموارد الطبيعيّة الّتي في هذه الأراضي".

وأردفت: "أما السبب الثاني، فهو نص القانون الدوليّ، (وفقاً لموسوعة القانون الدوليّ لمعهد واكسمان وهايدنبيرغ) الّذي يقتبس من البند 561 من معاهدة الأمم المتّحدة بشأن القانون البحريّ، القائل إنه في المنطقة الاقتصادية الحصرية، التي تقع ضمن منطقة المياه الاقتصاديّة، لدى الدولة حقوق سياديّة في كلّ الموضوع الاقتصاديّ وكذلك صلاحيّة القضاء". ومع ذلك اعترفت إينهورن أنه في المنطقة الاقتصادية يوجد حرّيّة لمرور السفن وتحليق الطائرات ومدّ كابلات بحريّة من قبل الدول الأُخرى. 

ولفتت إينهورن إلى أنه يوجد في "إسرائيل" توجيه خاصّ بالمستشار القانونيّ منذ العام 1984، تشير إلى أن الاتّفاقيّات مع الدول الأجنبيّة يجب أن تطرح أمام الكنيست قبل التصديق عليها من جانب الحكومة بأسبوعين. إلا أنه في شهر آب/أغسطس الماضي، ألغت المستشارة القانونيّة الحاليّة، بشكل مفاجئ هذا التوجيه، وحدّدت مكانه أن    تقدّم الاتّفاقيّات الدوليّة إلى المستشارة القانونيّة نفسها والمستشار القانونيّ لوزارة الخارجيّة بدلاً من الكنيست، و"هذا أمر لا مثيل له في أيّ دولة ديمقراطيّة غربيّة". 

وعلى المستوى الإعلامي، رأت تال شنايدر في موقع "زمان إسرائيل" بتاريخ 23/08/2022، تعقيباً على رسالة عضوي الكنيست ليفين وستروك، أنّ الشيء المثير للاهتمام فيها "هو الادعاء القانوني الدستوري الذي ينص على أنّ التوصل إلى اتفاق مع دولة معادية على رسم خط بحري هو مسألة تخلي عن السيادة الإسرائيلية على أراضيها، بما في ذلك المياه الإقليمية (12 ميلاً من الساحل) والمياه الاقتصادية (حتى 250 ميلاً من الشاطئ)". وأشارت شنايدر إلى أنّ "هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها مثل هذا السؤال - الذي يدرس جوهر القانون الأساس للاستفتاء الشعبي - إلى المحاكم القانونية، سواء أمام المستشار القانوني للحكومة أو المحكمة العليا".

وبدورها، رأت الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي، أورنا مزراحي، أنّ "الحكومة الإسرائيلية ملزمة بالتعامل مع الادعاء الوارد من المجال القانوني الذي أثارته المعارضة، بأنّ الاتفاقية مع لبنان تعني تنازلاً عن أراضٍ، وبالتالي هي تحتاج إلى مصادقة عليها في استفتاء شعبي إلا إذا تم الموافقة عليها بأغلبية 80 عضو كنيست". وأشارت مزراحي إلى أنّ هذا الادعاء الذي رفضه بعض القانونين يثير جدلاً قانونياً وعاماً، وقد يضر بالمصلحة الإسرائيلية في اتمام الاتفاقية.

2) معارضو الاستفتاء

في المقابل، صدر عن وزيرة الطاقة في الحكومة الإسرائيلية، كارين ألهرار، موقف لافت قالت فيه إنه "في مرحلة انتقالية، المسار القضائي يكون له تدخل، ولا نريد بأي شكل من الأشكال القيام بخطوة غير مناسبة وغير صحيحة"، وأضافت: "نحن نتشاور حول كل قرار سيتخذ وكل قرار سيجري فحصه من الناحية القضائية".

من جانبه، قال مدير عام وزارة الطاقة ليؤور شيلات، إنّ "المفاوضات حول الحدود البحرية، لا تجري منذ أشهر، بل منذ سنوات، وتحديداً منذ العام 2011، عندما أودع لبنان وإسرائيل خطوطاً غير متطابقة في الأمم المتحدة لمياههما الاقتصادية"، مبيناً أنّ "كل أعمال التنقيب عن الغاز في إسرائيل موجودة في المياه الاقتصادية وليس في المياه الإقليمية".

وأوضح شيلات أنّ "المبنى القانوني مختلف جداً عند الحديث عن مياه اقتصادية أو إقليمية"، مقترحاً أن تتم استضافة رجال قانون خبراء بالقوانين الدوليّة عبر محطات التلفزة للحديث حول القضيّة القانونيّة. 

الرد الأقوى على المطالبة بتحصيل موافقة 80 عضو كنيست، أو القيام باستفتاء عام لإقرار اتفاق الحدود البحرية مع لبنان، جاء من قبل وزير الطاقة الأسبق، يوفال شتاينتس (عضو في حزب الليكود، ومقرب من رئيسه بنيامين نتنياهو) الذي قال إنّ "التنازل عن مناطق في المياه الاقتصادية للدولة، حيث لا تمتلك سوى حقوق اقتصادية، لا يشكل تنازلاً عن السيادة، وبالتالي لا تحتاج الحكومة لموافقة 80 عضو كنيست أو استفتاء شعبي".

ولفت شتاينتس إلى أنّ "المياه الاقتصادية ليست مياه ذات سيادة، لأنّ الدول الأخرى، بما في ذلك الدول المعادية، يُسمح لها بالإبحار في المياه الاقتصادية أو التحليق فوقها. والادعاء بأن هذا تنازل عن السيادة لا أساس له من حيث القانون الدولي. وعلى سبيل المثال - لا يمكن منع الآخرين من نقل خط أنابيب غاز أو كابل اتصالات عبر المياه الاقتصادية. إذا أردنا مد خط أنابيب غاز أو كابل اتصالات في المياه الاقتصادية لدول أخرى، فلن يتمكن المصريون أو القبارصة أو اللبنانيون من منع ذلك".

وأوضح أن "وجود نزاع حول مكان تحديد الخط لا يعني أننا نتنازل عن أي سيادة. ذلك أنه لم يُحدد مسبقاً ما إذا كانت المنطقة المتنازع عليها ملكنا أم ملكهم. لقد عرضنا موقفنا في ما يتعلق بالمياه الاقتصادية وقدموا ادعاءاتهم ولم يحسم بعد ما إذا كانت مطالبنا أو مطالبهم، نحن لا نتنازل هنا عن شيء كان ملكنا".

وأشار شتاينتس إلى أنه عندما أدار المفاوضات بين "إسرائيل" ولبنان، لم يكن لديه أي نية لتحصيل موافقة الكنيست أو لطرح الأمر على استفتاء شعبي، مضيفاً أنّ "إسرائيل" لم توافق على منح تراخيص التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها "لأننا احترمنا وجود الخلاف مع اللبنانيين".

وذكّر أنّه "في الماضي كانت هناك مفاوضات بين إسرائيل ولبنان حول نقاط حدودية مختلفة، مثل قرية الغجر، حيث حددت الأمم المتحدة الحدود ولم يكن هناك في إسرائيل ادعاء بأنّ هذا الأمر كان تنازلاً عن أراضي إسرائيل السيادية". 

وفي تقدير قدمه الرئيس الحالي لمركز أبحاث السياسة والاستراتيجية البحرية، العميد في الاحتياط الدكتور شاؤول حوريف، قال إنّ اتفاقيات السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية، حتى عندما يتعلق الأمر بحكومة انتقالية، لا يجب أن تمر من خلال الكنيست.

وأضاف حوريف: "في رأيي، في ما يتعلق بالمشورة القانونية، بعد أن يتم الاتفاق على ذلك بين الدول، يجب أن تمر عبر عملية موافقة الحكومة ومن المحتمل أن يتم عرضها على الكنيست في وقت لاحق أيضاً، لكنّ طلب الاستفتاء الشعبي مبالغة وخطوط الحدود لا تحدد في استفتاءات شعبية".

بدوره، رأى الدكتور بيني شباينر من مركز السياسات البحرية والبحوث الاستراتيجية، أنّ "الحدود البحرية تتخذ بقرارات حكومية"، لافتاً إلى أنّ "إسرائيل عندما أعلنت الحدود البحرية في العام 2011 وسلمت قرارها إلى الامم المتحدة، لم تعرضها على الكنيست للمصادقة عليها".

وأشار شباينر إلى أنّ الشخص الذي سيقرر في نهاية المطاف (حول مسألة مصادقة الكنيست أو الاستفتاء) هو المستشار القانوني للحكومة، مع ذلك قال شباينر إنه يجد صعوبة في تصديق أن تعريف الحدود البحرية يتطلب استفتاءاً شعبياً.

أمّا بالنسبة للادعاء بأنّ "إسرائيل تنوي نقل المناطق التي تصرفت فيها بالفعل كمالك إلى لبنان"، علق شباينر: "هذا ببساطة غير صحيح، فالمكان الذي تجري فيه الأنشطة الأمنية الإسرائيلية حالياً هو جنوب تلك المنطقة".

اخترنا لك