نصر أكتوبر.. كيف جعل العرب الحرب كارثة في نظر الإسرائيليين؟
في 6 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1973، "إسرائيل" تفاجأ بهجوم مباغت من جبهتين عربيتين هما: سوريا ومصر، ووثائق سرية تكشف أنّ ما جرى بالنسبة الإسرائيليين "حاضر أسود ومُستقبل أشد سوداويّة".
-
حرب تشرين التحريرية 1973 (حرب أكتوبر)
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، أعلنت مصر وسوريا الحرب على "إسرائيل"، لاستعادة أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وهي الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" في عداون حزيران 1967.
وبحسب التسمية العربية هي حرب "السادس من أكتوبر" أو"تشرين التحريرية"، ووفق التسمية الإسرائيلية هي "حرب يوم كيبور" أو "يوم الغفران"، لأنها تزامنت وما يعرف في "إسرائيل" بعيد "يوم الغفران".
يعد "يوم كيبور" يوماً مقدساً لدى اليهود، وهو اليوم الأخير من أيام السنة اليهودية ويعد يوماً للتكفير عن الذنوب، لذلك يلتزم اليهود بيوتهم ولا يقومون بأي أعمال ولا يقودون السيارات، وقد جاءت الحرب في هذا التوقيت كمفاجأة للإسرائيليين، حيث جرى إنذارهم في وقت متأخر ما جعل التعبئة المنتظمة لقوات الاحتياط أمراً مستحيلاً.
كانت حرب تشرين التي تصادف هذا العام (2022) ذكراها الـ49، بهدف استعادة شبه جزيرة سيناء في مصر وهضبة الجولان في سوريا، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وكلها أراضٍ احتلتها "إسرائيل" في نكسة حزيران 67.
اقرأ أيضاً: حرب تشرين 1973 وفلسطينيو الـ48
حرب أكتوبر.. مجريات المعركة
-
القوات المصرية تعبر خط بارليف الإسرائيلي خلال حرب تشرين/أكتوبر
بدأت الحرب في 6 من تشرين الأول/أكتوبر بهجومين مفاجئين ومتزامنين من مصر وسوريا على قوات الاحتلال الإسرائيلي، أحدهما نفذه الجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة، والآخر نفذه الجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة.
عقب بدء الهجوم حققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها من شن الحرب على "إسرائيل"، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطّمت حصون خط بارليف وتوغّلت 20 كيلومتراً شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1973، أي بعد 6 أيام من بدء الحرب، استغاثت رئيسة مجلس الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بالولايات المتحدة التي أقامت جسراً جوياً غير مسبوق في تاريخها لنقل أسلحة متطورة إلى "إسرائيل"، فيما كان القتال مستمراً لتجنب ما وصفه وزير الخارجية الأميركي حينذاك، هنري كيسنجر، بالكارثة.
طلبت سوريا إلى مصر تطوير الهجوم في الجبهة المصرية لتخفيف الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية، وتزامناً حصلت "إسرائيل" على معلومات كاملة عن القوات المصرية شرق القناة وغربها، وحجم قوات التطوير واتجاه المحور الرئيس بمساعدة أميركية.
وفي صباح 14 من تشرين الأول/أكتوبر من عام 1973، انطلقت قوات التطوير المصرية ووقعت في كمين إسرائيلي أدى إلى وقوع خسارة كبيرة بينها، ودارت أكبر معارك بالدبابات شارك فيها نحو 2000 دبابة إسرائيلية ومعدّات حديثة وصلت من واشنطن عبر الجسر الجوي.
اضطرت القوات المصرية إلى وقف القتال على جبهتها بسبب انكشاف ظهر قواتها للعدو، وقرب نفاد الذخيرة، وتمكنت "إسرائيل" من تطويق الجيش الثالث المصري، ما تسبب بحدوث ثغرة بين صفوف القوات المصرية عرفت باسم "ثغرة الدفرسوار"، ونصبت جسراً على قناة السويس بمنطقة الدفرسوار لعبور الدبابات والتدفق من الثغرة.
اقرأ أيضاً: حرب تشرين: دروسها وبداهاتها المستعادة
ماذا بعد وقف القتال؟
-
الرئيس السوري حافظ الأسد يرفع العلم السوري في القنيطرة بعد تحريرها
في 21 من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، أصدر مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار وقبلت مصر و"إسرائيل" به، إلا أن "إسرائيل" دفعت قوات جديدة إلى غرب القناة يومي 22 و23 من تشرين الأول/أكتوبر لتعزيز قواتها في منطقة الدفرسوار، ما اضطر مجلس الأمن إلى إصدار قرار آخر لتأكيد وقف إطلاق النار، ووافق عليه الطرفان.
على الجبهة السورية لم تتوقّف الحرب، وإنما تحوّلت إلى حرب استنزاف طويلة، استفادت القوات الإسرائيلية فيها من تخفيف الضغط عليها في الجبهة الجنوبية فعززت الاشتباك مع الجيش السوري.
انتهت الحرب رسمياً في 31 أيار/مايو 1974 بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك، إذ وافقت "إسرائيل" على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر، مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
عمل وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وسيطاً بين الجانبين ووصل إلى اتفاقية هدنة، ولاحقاً وقعت مصر مع "إسرائيل" اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بينهما.
وعن النتائج، فقد أحدثت حرب تشرين تبدلاً حقيقياً في مفهوم الصراع المسلح الدولي والمحلي، حيث اتصفت المعارك التي دارت على الجبهتين السورية والمصرية بضراوتها وسرعة تبدل المواقف واستمرارها ليلاً ونهاراً من دون توقف، واستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة التقليدية والمتطورة.
ومن أهم سمات تلك الحرب اقتحام المانع المائي في قناة السويس وخرق المنطقة المحصنة في الجولان، وكذلك انتقال زمام المبادرة إلى الجانب السوري المصري للمرة الأولى بعد حرب 1948.
هزت الخسارات البشرية والمادية التي لحقت بـ"إسرائيل" كيانها بعنف وأصابتها بصدمة ما زالت آثارها حتى اليوم، على الرغم من الدعم الأميركي غير المحدود، وبرهنت على أن هزيمة العدو وإجباره على التقيّد التام بقرارات الأمم المتحدة والتخلي عن الأراضي التي يحتلها لا يتحققان إلا بحرب استنزاف طويلة الأمد تستنزف طاقته البشرية والمادية والمعنوية.
اقرأ أيضاً: في حرب تشرين صدمة "إسرائيل" الكامنة
حرب تشرين وورقة النفط الرابحة
إثر التدخل الأميركي لمصلحة "إسرائيل" في المعركة، أعلنت السعودية والعراق وإيران والجزائر والكويت والإمارات وقطر، رفع أسعار النفط بنسبة 17% وخفض إنتاجها، وتبع ذلك حظر فرضته الدول العربية على تزويد الدول التي تؤيد "إسرائيل" بالنفط.
كشفت وثائق بريطانية أن وزارة الخارجية السعودية سلمت، في ذلك اليوم، السفارة البريطانية مذكرة، أرسلتها فوراً إلى لندن، قالت فيها: "المملكة العربية السعودية مستاءة استياء بالغاً من موقف أميركا الأخير المؤيد لإسرائيل، ومن استئناف إمداد إسرائيل بالأسلحة".
كانت هذه المذكرة السعودية (في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز) صادمة للبريطانيين الذين لم يتوقعوا، وفق الوثائق، أن تكون لدى العرب الجرأة على مثل هذه الخطوة.
وكشفت الوثائق أيضاً، أن لندن وواشنطن، وقعتا في صدمة جراء الموقف العربي، خلال تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، بعد أن استبعدتا التجرؤ العربي على وقف ضخ النفط.
ويروي أنتوني بارسونز، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية آنذاك، أن وزير الخارجية الأميركي ويليام روجرز قلل من شأن تهديدات العرب باستخدام النفط سلاحاً للضغط على الغرب لإجبار "إسرائيل" على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.
وأضاف بارسونز، في تقرير سري عن حوار جرى بينه وبين الوزير الأميركي في طهران، أن روجرز قال: إن "كل الكلام عن استخدام العرب نفطهم سلاحاً سياسياً فارغ بحسب رؤية الولايات المتحدة".
وكشفت وثائق، أفرجت عنها الحكومة البريطانية عام 2004، عن أن الولايات المتحدة "فكّرت في الاستيلاء على حقول النفط" في الخليج بعد فرض الحظر.
اقرأ أيضاً: وثائق بشأن حرب 1973: القوات الإسرائيلية في حالة كآبة وأمام كارثة
شهادات إسرائيلية حول "كابوس تشرين"
يرى البعض (ومنهم عرب) أن حرب تشرين لم تحقق أي نصر للعرب ولا للقضية الفلسطينية، وأنها ألحقت الهزيمة بالقضية، فيما كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أخيراً، عن وثائق سريّةٍ إسرائيلية تتعلق بحرب أكتوبر 1973، تظهر حجم الهلع الذي عاشه الإسرائيليون آنذاك.
وكشفت الوثائق أنّ جنرالات الجيش "استخدموا تعابير مثل كارثة، انهيار، حاضر أسود ومُستقبل أشد سوداويّةً"، وذلك لوصف حالة الجيش الإسرائيليّ على جميع الجبهات.
وجاء في الوثائق التي تُنشِر للمرة الأولى أنّ من بين الحلول التي عرضها وناقشها جنرالات جيش الاحتلال الكبار: "كسر سوريا، واحتلال دمشق وتدميرها عن بكرة أبيها ثمّ المطالبة بوقف إطلاق النار، ذبح المصريين، وفصل رؤوس العرب عن أجسادهم بدم بارد"، كما قال وزير الأمن حينذاك، موشيه ديّان.
وقال قائد المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ وقتذاك، الجنرال حاييم بارليف، إنّ "العرب يتقدّمون بسرعةٍ كبيرةٍ، ومن المممكن جداً أن يحسموا الحرب لمصلحتهم ويتغلبوا علينا"، على حدّ تعبيره.
وكشف أيضاً أن القائد العّام لهيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيليّ خلال الحرب، دافيد إلعزار، اقترح خلال جلسةٍ عقدت مع الجنرالات والقادة السياسيين توجيه ضربةٍ قاضيةٍ إلى سوريا تزيلها من الخريطة تماماً، قائلاً "في الوقت عينه إنّ العالم سيقوم بالشجب والاستنكار ولكن باستطاعتنا تخطي ذلك، وذلك في إشارة واضحة لاستخدام إسرائيل الأسلحة النووية التي كانت تمتلها بحسب المصادر الأجنبية".
وكشفت الوثائق أنّ وزير "الدفاع" الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، "أصيب في الأيام الأولى من الحرب بكآبة شديدة وهلع كبير، وذلك لاعتقاده بأنّ العرب سيقومون بالقضاء على إسرائيل، وتحدّث عن الخراب الثالث للهيكل المزعوم".