"ناشيونال إنترست": هل أميركا على مقربة من لحظة الـ "بيريسترويكا"؟
صحيفة "ناشيونال انترست" الأميركية تنشر مقالاً عن العقبات التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية بإدارة بايدن، وتتساءل "إن كانت البلاد في طريقها لسيناريو الاتحاد السوفياتي نفسه".
ذكر مقال نشر في صحيفة "ناشيونال إنترست" الأميركية، أنّ إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تدرك أنّ النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أميركا لم يعد يعمل، وتساءل كاتب المقال عن إمكانية إصلاح هذا النظام، موضحاً عدة نقاط.
وتحدّث المقال عنّ ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، حين قال في خطاب ألقاه بعد وقتٍ قصير من توليه السلطة كأمين عام للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي أنه "من الواضح، أيها الرفاق، أنّنا جميعاً بحاجة إلى التغيير". كان ذلك تنبّؤاً بالـ "بيرسترويكا"، حيث جهد غورباتشوف لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي المتدهور في الاتحاد السوفياتي.
ولقد كان، كما وصف لاحقاً، مسعىً ليعيد الاتحاد السوفياتي "هيكلة نفسه وفقاً للمهام الجديدة والتغييرات الأساسية في المجتمع ككل".
ومع ذلك، على الرغم من تفاؤل غورباتشوف، فشلت الـ "بيريسترويكا"، وببساطة، لم تكن لدى النظام السوفياتي، القدرة على مثل هذا التغيير الهائل من دون الانهيار.
ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، تجدر الإشارة إلى أهمية خطاب مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الأخير حول "تجديد القيادة الاقتصادية الأميركية" في معهد بروكينغز.
وتشير ملاحظاته إلى "تحوّل عميق" في التفكير الاستراتيجي والاقتصادي الأميركي، حيث اعترف بأن الكثير مما كانت تفعله الولايات المتحدة وتقوله منذ عقود "كان خطأً"، مؤكداً بأن الإصلاح "المؤلم والعاجل" ضروري.
وانطلق المقال مما حدث في الاتحاد السوفياتي، مشيراً إلى أنّه كما تعلّم غورباتشوف، فإن الاعتراف بالحاجة إلى التغيير، وإحداث هذا التغيير بنجاح، هما شيئان مختلفان تماماً، متسائلاً: "هل إدارة بايدن على طريق تعلّم الدرس المؤلم نفسه؟".
فشل إجماع واشنطن "القديم"
وبحسب المقال، فإنّ خطاب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، لا يعكس وجهات نظره الفردية فحسب، حيث وصف الحدث برمّته في الأيام التي سبقته بأنه "مخطّط للعقيدة الاقتصادية الدولية لإدارة بايدن". كما أنه يعتمد على الآراء التي طوّرها سوليفان وآخرون في الإدارة لفترة طويلة.
وجاء في المقال أنّ خطاب سوليفان، عبّر عن رفض قوي للسياسات الاقتصادية القوية، للسوق الحرة للولايات المتحدة على مدى 4 عقود.
وتبيّن، وفق سوليفان، أنّ الكثير من السياسات الاقتصادية الدولية، المبنية على فكرة أن التكامل الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تبنّي البلدان للقيم السياسية الغربية، خاطئة تماماً. واعترف، وفق الصحيفة، بأنّ التكامل الاقتصادي، لم يمنع الصين من "توسيع طموحاتها العسكرية في المنطقة"، أو منع روسيا من بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.
وتطرّق المقال إلى أنّ التحديّين الجديدين المتعلقين بأزمة المناخ وعدم المساواة الاقتصادية، غيّرا المشهد الاقتصادي بشكلٍ أساسي ما تطلّب وجود نهج جديد للاقتصاد.
فالاقتصاد المتدرّج، وفق سوليفان، وسحق النقابات العمالية، والتخفيضات الضريبية، وإلغاء الضوابط، وتركيز الشركات، جعلت الأمور أسوأ. والنتيجة كانت "تهديد الاستقرار في أميركا والعالم" وفق،"ناشيونال إنترست".
الفشل المقبل لإجماع واشنطن "الجديد"
قسّم المقال العقبات التي تواجه إدارة بايدن إلى 3 عقبات رئيسية من شأنها أن "تحبط، إن لم تدمّر"، جهودها في الإصلاح.
أولاً، يشير الاسم الشائع لهذه السياسة الاقتصادية الجديدة إلى "إجماع واشنطن الجديد" - في إشارة واضحة إلى إجماع واشنطن القديم الموجّه نحو السوق الحرة - إلى الفشل في التخلّي عن النموذج الحالي بالكامل. حيث تبيّن أنها أحد أعراض مشكلة أوسع نطاقاً، في دوائر السياسة الغربية، وهي عدم القدرة على التعبير عن رؤية مستقبلية للمجتمع، وتبريرها من دون الاعتماد على أمجاد الماضي.
ثانياً، خطاب واشنطن بما يتعلق بالعلاقات مع الصين ليس صريحاً وليس صادقاً، خاصةً أن الولايات المتحدة، التي تريد الانخراط في الإصلاح المؤلم والضروري، الذي سيتطلب انسحاباً محدوداً للنظام العالمي أحادي القطب، ترفض احتمال التعددية القطبية.
ثالثاً، من غير الواضح مدى إمكانية معالجة المشاكل والتحديات الاقتصادية المتعددة لأميركا، بشكل واقعي في هذه المرحلة في السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحالي للبلاد.
ولفت المقال، في ختامه، إلى أنّه من الجيد أن صنّاع السياسة، يعترفون أخيراً بأن مشاكل الولايات المتحدة حقيقية.
ولكن، كما يمكن أن يشهد غورباتشوف، فإن حلّ هذه المشكلات يتطلّب دعماً من مستويات متعددة من المجتمع ، والتي قد لا تكون مستعدة للتغيير.
وأكّد المقال أنّه في هذه المرحلة من الزمن لن يكون تنفيذ الاستراتيجية الصناعية للولايات المتحدة أمراً سهلاً، ناهيك عن إمكانية ذلك أساساً، في ظل الانقسام السياسي الداخلي، والتحديات الخارجية المتعددة.
وخلص الكاتب في مقاله إلى أنّه يجب على صانعي السياسات والخبراء، معالجة هذا الواقع والتعامل مع تداعياته، وإلا فإنّ البلاد تخاطر بالاستيقاظ ذات يوم، مثل النظام الملكي في فرنسا، على الحجارة التي يتم رشقها من قبل المواطنين الغاضبين. وهذا مقدمة مخيفة لما يمكن أن يتبع!