مشروع خط أنابيب شرقي أفريقيا.. "قنبلة مناخية" تفجّرها فرنسا

مشروع خط أنابيب النفط الخام في شرقي أفريقيا الذي تعدّ شركة "توتال" الفرنسية المستثمر الأكبر فيه، يُبرز التناقض حول ما يقوله مسؤولو الشانزليزيه بخصوص العدالة البيئية.

  • النفاق المناخي..مشروع خط أنابيب النفط الخام لشرق أفريقيا (نموذجاً)
    مشروع خط أنابيب شرقي أفريقيا.. "قنبلة مناخية" تفجّرها فرنسا

على عكس ما يقوله مسؤولو الشانزليزيه عن العدالة البيئية، تنفذ شركة "توتال" الفرنسية مشروع خط أنابيب النفط الخام في شرقي أفريقيا، خدمة للمصالح الفرنسية. مشروع يعبر عن قيام الشركات والحكومات الغربية بتعزيز الممارسات الخضراء داخل حدودها، ولكنها تدعم المشاريع الاستخراجية الخطرة في الخارج.

مشروع خط أنابيب النفط الخام في شرقي أفريقيا ( إيكوب)

يعد من أطول خطوط نقل النفط في العالم إذ يبلغ ألفاً و447 كيلومتراً. جرى الإتفاق عليه بين تنزانيا وأوغندا عام 2016، وفي نيسان/أبريل 2021، وقّعت الدولتان مع شركتي "توتال" الفرنسية و"سينوك" الصينية صفقة تاريخية تسمح لهما بالبدء بتدشين المشروع، الذي من المرجح أن يياشر العمل فيه خلال الأشهر المقبلة، مع تزايد الضغوط على القارة العجوز، فيما يتعلق بإمدادات الطاقة.

يهدف المشروع إلى نقل النفط الخام من منطقة بحيرة ألبرت في غربي أوغندا إلى ميناء تانغا في تنزانيا. ويتكون نظام التصدير هذا، (296 كم في أوغندا و 1,147 كم في تنزانيا)، من خط أنابيب مدفون معزول بمقاس 24 بوصة، ومن 6 محطات ضخ (2 في أوغندا و4 في تنزانيا)، ومحطة تصدير بحرية. ومن المنتظر أن ينقل نحو 216 ألف برميل خام أوغندي إلى ميناء تانغا التنزاني يومياً. ويُرجح بدء تدفّق النفط من عام 2025.

وتبلغ تكلفة خط أنابيب "إيكوب" نحو 3.5 مليارات دولار، منها ما يقارب 2.5 مليار دولار ستقترض من المصارف والممولين الآخرين، فيما يجري تمويل 30% من المشروع من شركتي "توتال" الفرنسية و"سينوك" الصينية وشركة النفط الوطنية الأوغندية ونظيرتها التنزانية.

وتشير البحوث الحالية إلى أنّ لدى منطقة بحيرة ألبرت، التي تفصل أوغندا عن الكونغو الديمقراطية، احتياطيات تبلغ 6.5 مليارات برميل من النفط الخام، منها نحو 1.4 مليار برميل يمكن الوصول إليها حالياً.

 ويرجح تحقيق عائدات اقتصادية كبيرة بالنسبة إلى البلدين، إذ ستحصل أوغندا على عائدات تتفاوت من 1.5 مليار دولار و3.5 مليارات دولار سنوياً، أي ما نسبته 30-75% من عائداتها الضريبية السنوية. فيما ستكسب تنزانيا 12 دولاراً عن كل برميل على الأقل، أي ما يقرب من مليار دولار سنوياً.

وتعد شركة "توتال إينرجي" المستثمر الأكبر في المشروع بحصة تبلغ 62% مع ذهاب الأسهم المتبقية إلى المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري التي تسيطر عليها الدولة بحصة مقدارها 8% من أسهم خط الأنابيب، فيما تحصل الحكومتان الأوغندية والتنزانية معًا على 30% المتبقية.

ومع أنّ مشروع خط أنابيب شرقي أفريقيا يشمل بناء مصفاة في أوغندا للاستهلاك المحلي، فإنّ نفطها الخام سيكون أساساً للتصدير، خصوصاً إلى أوروبا ، التي ما زالت تبحث عن بدائل للغاز الروسي.

مخاطر مناخية وبشرية

"إنه أمرٌ لا يُمكنُ تصوّره، ومن غير المعقول أن يقام مشروع كهذا. إنّ مشروع خط أنابيب النفط الخام لشرقي أفريقيا على وشك أن يكون قنبلة مناخية". بهذه العبارة وصف لاندري ننتيراتس، المدير الإداري لفرع أفريقيا 350، وهي مجموعة دولية للدفاع عن المناخ، مشروع "إيكوب"، مختصراً بذلك مخاطر جمّة سينتجها المشروع في حال تنفيذه بعد أشهر، وفقاً للإتفاقية الموقعة.

وفي هذا السياق، تصف منّظمات حماية البيئة الفرنسية، وعلى رأسها غرينبيس فرنسا، وأصدقاء الأرض في فرنسا، "ما تقوم به توتال بأنه تضليل للمستهلكين من خلال بثِّ طموحاتها المُفترَضة للوصول إلى انبعاثات كربون صفرية صافية بحلول عام 2050، حتى مع تكثيفِ نشاطات النفط والغاز في الخارج".

وعن المخاطر الناجمة عن هذا المشروع، تحذّر جمعيتا"ليزامي دوتار" و"سورفي" الفرنسيتان من التكاليف البشرية والمناخية والبيئية "غير المقبولة" لمشروع النفط الضخم .

وتوضح الجمعيتان، أنّ هذا الخط، سيجري تسخينه إلى 50 درجة مئوية طوال الوقت، وبالتالي فإنّه "عند حساب الانبعاثات الناجمة عن نقل وتكرير واستخدام هذا الوقود، سيؤدي ذلك إلى انبعاث يصل إلى 34 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً في الغلاف الجوي، وهو أكثر بكثير من انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري مجتمعة في أوغندا وتنزانيا".

وفي تنزانيا، وهي دولة مشهورة بتنوعها البيولوجي، سيقطع خط الأنابيب 1147 كيلومتراً قبل أن يصل إلى المحيط الهندي في ميناء تانغا، وفقًا للتقرير. وسيمتد خط الأنابيب على أراضي ما يقرب من 62 ألف شخص، ويهدد أكثر من ألفي كيلومتر مربع من المحميات الطبيعية، وسيغطي أكثر من 400 كيلومتر عبر حوض بحيرة فيكتوريا، أحد المصادر الرئيسة لنهر النيل وثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم".

إنّ خطر تسرب النفط إلى بحيرة فيكتوريا وفقاً لائتلاف المجتمع المدني للنفط والغاز (CSCO)، الهيئة الوطنية للإدارة البيئية في أوغندا (نيما)، سيكون له عواقب وخيمة على الملايين ممن يعيشون في نحو ثمانية بلدان ويعتمدون على البحيرتين ومستجمعات المياه الخاصة بهم للشرب وإنتاج الغذاء من خلال الزراعة وصيد الأسماك.

وسينتج عن المشروع تهجير مادي للمجتمعات المحلية من أراضي أجدادهم وأراضيهم الجماعية، ومن المرجح أن يؤثّر برنامج خط الأنابيب مباشرةً في ما يقارب 14 ألف أسرة في تنزانيا وأوغندا، ما يؤدي إلى فقدان الدخل وسبل العيش.

وتخطط شركة "توتال" لتأسيس بنية تحتية لتصدير النفط البحري في منطقة ميناء تانغا. ونظراً إلى أنّ المحيط الهندي معرض بشدّة لخطر تسونامي والأعاصير، مع تزايد الاحتباس الحراري العالمي، فإنّ مخاطر وقوع حادث نفطي كبير، سيؤثر كثيراً في التنوع البيولوجي الغني جداً في المناطق البحرية المحمية.

وكشف خبراء، أنّ خط أنابيب النفط قيد الإنشاء فى شرقي أفريقيا الذى وصفوه بالمشروع "الوحشي" ،سيهدر مليارات الدولارات التى يمكن استخدامها إلى الأبد، وفق ما نقلت صحيفة الغارديان في وقت سابق، عن ريتشارد هييد عضو (CAI).

وعليه، يتعرض المطور الرئيس لخط الأنابيب لضغوط متزايدة للتخلص من المشروع أو إعادة توجيهه. إذ طالب أكثر من 250 منظمة محلية ودولية خاطبت المصارف الكبرى في رسالة دعتها فيها إلى الامتناع عن تمويله لخطره على البيئة والسكان المحليين في مناطق إقامة المشروع.

ونتيجة للضغوط المستمرة، تبنى البرلمان الأوروبي في 15 أيلول/سبتمبر 2022، مشروع قرار يدين المشروع، ويطالب بالتعويض على المتضررين!

وعلى الرغم من المطالبة بوقف المشروع، تزعم شركة "توتال" أنّ المشروع لا ينطوي على "خطر". وتسارع إلى إزالة قبور الموتى بطول خط أنابيب النفط ونقلها إلى مناطق أخرى.

وفي هذا السياق، تقول منظمة السلام الأخضر الفرنسية، تعليقاً على ادعاءات "توتال": "إنهم يأخذون مفاهيم بيئية ويتلاعبون بها فقط لجعل صورتهم أكثر خضرة للمستهلكين". 

اخترنا لك