محاكمة أليكس صعب: ذريعة أميركية لابتزاز فنزويلا؟

من هو أليكس صعب المعتقل لدى السلطات الأميركية؟ ولماذا تستغل واشنطن قضية اعتقاله ومحاكمته من أجل ابتزاز فنزويلا وحلفائها؟

  • أليكس صعب
    أليكس صعب

عادت قضية المبعوث الخاص الفنزويلي أليكس صعب إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة عبر تقديم الولايات المتحدة صعب للمحاكمة أمام محكمة فيدرالية في ميامي في ولاية فلوريدا.

وفي الإثر نظم ناشطون في مجال حقوق الإنسان وقفة احتجاجية، أمس الاثنين، أمام مبنى المحكمة في فلوريدا للمطالبة بالإفراج عن صعب.

ويسعى محامو صعب في هذه المحاكمة، إلى تثبيت حصانته الدبلوماسية بالاستناد إلى وثائق ومستندات كان يحملها صعب خلال سفره، فيما تدّعي واشنطن أنّ مبدأ الحصانة لا يشمل صفة "المبعوث الخاص"، وبالتالي لا تشمله اتفاقية فيينا الدبلوماسية. 

ادعاء واشنطن هو مجرد محاولة منها للتغطية على اختطاف صعب خلال أدائه مهمة رسمية من قبل حكومة بلاده، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي وتؤكدها اتفاقية فيينا.

من هو أليكس صعب؟

وُلد أليكس صعب، وهو لبناني الأصل، في كولومبيا بعدما هاجر والده "نعيم" إليها مطلع العقد الخامس من القرن الماضي.

تعرّف صعب، من خلال عمله في بيع الجلود، على الفنزويلية بيداد كوردوبا، التي كانت مقرّبة من الزعيم الفنزويلي الراحل هيوغو تشافيز، وكانت مكلّفة منه (تشافيز) التوسّط في قضية تبادل الأسرى بين الحكومة الكولومبية والثوّار الكولومبيين اليساريين.

 وهذه العلاقة، مهّدت الطريق أمام صعب للوصول إلى الدائرة الضيّقة المحيطة بتشافيز، الذي دخل المرحلة الأخيرة من الصراع مع المرض حينها.

وبعد وفاة الزعيم هوغو تشافيز، وفي فترة تولي نيكولاس مادورو الحكم في فنزويلا، عزز أليكس صعب شبكة علاقاته مع مسؤولين كبار ومقرّبين من الرئيس الجديد، وبالأخصّ مع سيليا فلوريس، زوجة مادورو.

ما هي التهم الموجّهة إلى ألكيس صعب؟

في ظل الأزمة الاقتصادية التي شهدتها فنزويلا بسبب العقوبات الأميركية، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية صعب باستخدام حساباته في بنوك أميركية من أجل "غسل أموال وتحقيق أرباح عبر الفساد"، وزعمت أنه "عمل كواجهة لنظام حُكم مادورو".

كما اتهم مدّعون أميركيون صعب بأنه "غسل أكثر من 350 مليون دولار" عبر شركات وهمية أسسها، وأنه حقق أرباحاً تتجاوز المليار دولار من العمليات والصفقات التي زعموا أنها "انتهكت نظام العقوبات المفروض على النظام الفنزويلي لبيع نفطه، وتزويده بالمواد والسلع المحظور عليه شراؤها في السوق الدولية".

وكانت وزارة العدل الأميركية أعلنت أنه بين عامي 2011 و 2015، أقدم صعب على إجراء تحويلات مالية عبر مصارف أميركية بهدف شراء مواد للبناء استناداً إلى عقود وشركات وهمية لتنفيذ عقد مع الحكومة الفنزويلية لبناء مجمع سكني.

في مقابل تلك الادعاءات، وصف محامو الدفاع عن صعب في الولايات المتحدة التهم الموجّهة إليه بأنها "مخطط مزعوم بشكل غامض"، وقالوا إن موكلهم نفى هذه المزاعم.

وكتب محامو صعب في ملف قضائي بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير: "ينفي السيد صعب هذا المخطط وجميع مزاعم لائحة الاتهام المتعلقة به أو أي مؤامرة أو رشوة أو غسل أموال من أي نوع".

وقال محاموه إن صعب كان دبلوماسياً فنزويلياً يتمتع بالحصانة، وأن سجلات المحكمة تثبت أن وزارة الخارجية الفنزويلية عيّنت صعب مبعوثاً خاصاً في شهر نيسان/أبريل من العام 2018، كما كلفته بمهمة طلب المساعدة من إيران في عام 2020 لمواجهة تفشي وباء كورونا.

وفي عام 2019 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على صعب، بزعم تقديم صعب رشاوى لأقارب مادورو من أجل الفوز بعقود لاستيراد الغذاء لبرنامج المساعدات الذي تديره كاراكاس مع تصاعد الجوع في فنزويلا، من جراء تشديد العقوبات الأميركية. 

وفي العامين الماضيين، برز صعب كوسيط رئيسي في مساعدة كاراكاس على تجاوز العقوبات الأميركية من أجل استيراد البضائع، بما في ذلك الحصول على البنزين الإيراني للمساعدة في حل النقص الموجود في فنزويلا على مستوى المحروقات.

يذكر أن فنزويلا تعاني عجزاً مزمناً في إمدادات الغذاء والدواء نتيجة الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، في محاولة للضغط على مادورو للتنحي.

تسييس أميركي لقضية أليكس صعب

إلى ذلك، ينصبّ اهتمام المحقّقين الأميركيين حالياً على إثبات التهم التي وجهوها إلى صعب، والتي تتعلّق بتأليف شبكات للالتفاف على العقوبات الأميركية، من خلال استبدال النفط الخام والذهب بالعملة الصعبة والمواد الغذائية. 

وفي السياق، تعمد الولايات المتحدة إلى تسييس قضية أليكس صعب في سياق حملتها للضغط على فنزويلا، من خلال مقايضة حريته بأسرار الدولة.

أحد أشكال هذا التسييس برز من خلال تقديم القضاء الأميركي إغراءات لصعب، عبر تخفيض عقوبته بشأن غسل الأموال، مقابل الإدلاء باعترافات ومعلومات مفصّلة عن الوسائل والأساليب التي استخدمها للتهرب من العقوبات، وأيضاً الأشخاص الذين كان يتعاون معهم، إلى جانب معلومات حساسة عن الحكومة الفنزويلية.

يشار إلى أن قاضٍ أميركي في ولاية فلوريدا أسقط معظم التهم الموجهة إلى الدبلوماسي الفنزويلي أليكس صعب، وتشير وثائق المحكمة إلى أن القاضي روبرت سكولا قضى بإسقاط 7 تهم من أصل الـ 8 الموجهة إلى صعب، فيما بقت منها تهمة واحدة تتعلق بقضية "تبييض الأموال".

وقد يواجه صعب عقوبة أقصاها السجن 20 سنة في حال إدانته في هذه التهمة المتبقية.

يذكر أنه تم إلقاء القبض على أليكس صعب في يونيو/حزيران 2020، بعدما توقفت طائرته في الرأس الأخضر من أجل التزود بالوقود، وسلّمته في 16 تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى واشنطن.

من جهته، استنكر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تسليم صعب للسلطات الأميركية، ورأى أنّ اعتقاله يُعَدّ "إحدى أبشع المظالم". وفي إثر ذلك علّقت فنزويلا حينها الحوار مع المعارضة في المكسيك، واتهمت الولايات المتحدة بخطف شخصية دبلوماسية رسمية.

وكان صعب في مهمة رسمية لشراء إمدادات طبية من إيران، ضمن جهود مكافحة انتشار كورونا. فيما نفى التهم ضده، معتبراً أنها "ذات دوافع سياسية".

وكان من المقرر أن يشارك صعب في فريق الحكومة في المحادثات مع المكسيك.

وفي السياق نفسه، تحدثت زوجة صعب، كاميلا فابري، في مقابلة مع الميادين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عن ظروف اختطاف زوجها في جزر الرأس الأخضر والانتهاكات التي تعرّض لها.

وقالت فابري إنّ صعب "كان يحمل حقيبةً دبلوماسيةً سرقتها شرطة الرأس الأخضر، وكشفت المستندات الموجودة فيها".

وأشارت إلى أن "المستندات كانت مرسَلة من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، من أجل طلب الدعم لمواجهة كورونا"، مؤكدةً أنّه كان متوجهاً إلى إيران "عندما تم اختطافه في 12 حزيران/يونيو 2020، من أجل إنجاز مهمة إنسانية". 

ولفتت فابري في مقابلتها مع الميادين إلى "التسريع في تسليم صعب إلى واشنطن، برغم عدم انتهاء محاكمته في الرأس الأخضر"، مشددةً على أنّ التواصل مع زوجها في أثناء احتجازه في الرأس الأخضر كان "صعباً للغاية، وعبر الرسائل فقط". 

وبشأن دور زوجها في فنزويلا، أوضحت فابري أنّ "صعب هو مبعوثٌ خاص للحكومة البوليفارية الفنزويلية، وتم تعيينه دبلوماسياً بعدما فرضت الولايات المتحدة تدابير قسريةً ضد  فنزويلا". 

وأضافت أن "أليكس كان يأتي بالمواد الغذائية والأدوية والمواد الخام والمستلزمات الضرورية لمواجهة جائحة كورونا إلى فنزويلا، وهو مواطن فنزويلي ورجل وطني بامتياز، وأنه لم يفعل أي شيء سوى مساعدة فنزويلا". 

وأشارت زوجته إلى أنّ "عدة بلدان انضمّت إلى حملة التضامن مع أليكس، كإيران والصين وروسيا والمجتمع الأفريقي"، إلى جانب عدد من البلدان الأخرى. 

يذكر أن المعارضة الفنزويلية برئاسة خوان غوايدو رحّبت باعتقال صعب، فيما اعتبر خوليو بورخيس نائب غوايدو أن "اعتقال صعب يمثل ضربة قوية لهيكلية النظام الفنزويلي، وأنه مع مادورو لا يوجد مستقبل، ولا حتى لداعميه".

في حين سعت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الاعتراف بغوايدو رئيسا انتقاليا لفنزويلا، في محاولة منها لدفع مادورو إلى التخلي عن السلطة.

اخترنا لك