مجازر أسبوعية دموية.. هل يعتبر السلاح سلعة سهلة في أميركا؟
بين مؤيدين لحظر الاستخدام المدني للأسلحة الهجومية، وآخرين رافضين له، أصبحت المشاهد الدموية زائراً شبه أسبوعي لمنصات أخبار الولايات المتحدة الأميركية.
فتحت المجزرة التي ارتكبها مسلحٌ في ولاية تكساس الأميركية وراح ضحيتها 14 طفلاً مع مدرّس الباب العريض على أزمة حيازة السلاح في الولايات المتحدة، خصوصاً أنّ ما حصل في هذه الولاية سبقته عدة جرائم من هذا النوع، منها ما شهدته مدينة بوفالو في ولاية نيويورك قبل أسابيع.
ودفعت هذه الحوادث المتكررة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التلويح بفرض حظر للأسلحة الهجومية في الولايات المتحدة، قائلاً إنّ "الحظر الذي فُرض في العام 1994 ساهم فعلياً في تقليل حوادث إطلاق النار الجماعي، وعندما انتهى عادت الفوضى من جديد".
ويقصد بايدن بحظر العام 1994، عندما أصدر الكونغرس قانوناً وقّعه الرئيس السابق بيل كلينتون يحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية (الأسلحة الهجومية) لمدة 10 سنوات، وتمّ تحديد 19 نوعاً من الأسلحة النارية وتصنيف مختلف البنادق نصف الآلية والمسدسات والبنادق بأنّها أسلحة هجومية، وانتهى ذلك الحظر في أيلول/سبتمبر 2004، وصدرت دعاوى تطالب بتجديده حينها.
وهناك أرقام تدعم أقوال بايدن، إذ وجدت دراسة أجريت في العام 2019 من قبل كلية الطب في جامعة نيويورك أنّ الوفيات الناجمة عن إطلاق النار الجماعي باستخدام أسلحة هجومية انخفضت بشكل طفيف في عقد الحظر الفيدرالي للأسلحة الهجومية، أي في الفترة ما بين 1994 حتى 2004، ثم ارتفعت بشكل كبير في العقد الذي تلاه.
مسرح الجريمة.. لا رقابة على السلاح في تكساس!
تختلف القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة من ولاية أميركية لأخرى، ففي ولاية مثل تكساس مثلاً يستطيع الفرد حمل السلاح من دون ترخيص لأنّ القانون يبيح له ذلك. وصدّق المشرعون في ولاية تكساس بالفعل على مشروع قانون يسمح لمعظم الناس بحمل المسدسات من دون الحصول على ترخيص مسبق.
ويقول مؤيدو القانون إنّ الإجراءات الجديدة ستسمح لسكان تكساس بالدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل خلال تنقلهم في الأماكن العامة.
وتملك تكساس أحد أكثر القوانين مرونة فيما يخص حمل السلاح في الولايات المتحدة، وتسمح أصلاً بحمل البنادق في الأماكن العامة من دون الحصول عل التراخيص، وتسمح الإجراءات الجديدة لكل شخص يبلغ من العمر 21 عاماً أو أكثر بحمل المسدس إلا إذا كان له سجل إجرامي في الماضي أو فرضت عليه قيود قانونية.
وعلى الرغم من ذلك، هناك الكثير من الطرق للالتفاف على تلك الإجراءات، إذ يمكن شراء الأسلحة والذخيرة عبر مواقع الإنترنت التي تعد سوقاً ضخمة بأسعار متدنية، إضافة إلى انتشار تهريب الأسلحة عبر الحدود المكسيكية وعصابات المخدرات المسلحة.
"حيازة السلاح".. إشكالية بين الجمهوريين والديمقراطيين
رغم أن موضوع قوانين حيازة السلاح هو أحد القضايا الأساسية التي يتم الحديث عنها في كل انتخابات رئاسية أميركية، لكن هذا الملف الشائك لم يشهد تغييرات جذرية، إذ يرفض أغلب أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري تقييد قوانين حيازة السلاح، فيما يتمتع لوبي تجارة وصناعة الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة بنفوذ هائل في الحياة السياسية الأميركية.
ويشهد ملف حيازة السلاح في الولايات المتحدة انقساماً تاريخياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن تفسير نصوص الدستور في هذا الصدد، إذ ينص التعديل الثاني للدستور (تمّ سنة 1971) على "حرية امتلاك السلاح"، وهو النص الذي يراه الديمقراطيون حقاً قاصراً على الولايات المكونة للاتحاد الأميركي، وأن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أرادوا هذا الحق للبلد كسلطات فيدرالية، وليس حقاً مطلقاً للأفراد.
في المقابل، يرى الحزب الجمهوري أن امتلاك السلاح وحيازته حق أصيل يكفله الدستور للأفراد، وصوّت الجمهوريون في مناسبات عدة داخل الكونغرس ضد أي قانون يعدل ضوابط حيازة السلاح.
وبحسب الإحصائيات، فإنّ 44% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يمتلكون سلاحاً شخصياً، أما الديمقراطيون فيمتلك 20% منهم السلاح.
ووجد استطلاع نشره مركز "بيو"، في نيسان/أبريل 2021، أنّ هناك اتفاقاً حزبياً واسعاً على بعض مقترحات سياسة حيازة الأسلحة، لكن معظمها مثير للانقسام سياسياً، إذ تفضّل الأغلبية في كلا الائتلافين الحزبيين سياستين من شأنها تقييد الوصول إلى الأسلحة، جاءت نسبة تأييدها كالتالي:
- منع أولئك الذين يعانون من أمراض عقلية من شراء الأسلحة: 85% من الجمهوريين و 90% من الديمقراطيين صوتوا لصالح المقترح.
- إخضاع مبيعات الأسلحة الخاصة ومبيعات الأسلحة لفحص الأسباب والدوافع: 70% من الجمهوريين، 92% من الديمقراطيين.
- السماح للمدرسين ومسؤولي المدارس بحمل الأسلحة في أماكن عملهم: 66% من الجمهوريين، 24% من الديمقراطيين.
- يؤيد أكثر من 80% من الديمقراطيين إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتتبع جميع مبيعات الأسلحة، وحظر كل من الأسلحة الهجومية ومجلات الذخيرة عالية السعة، في حين أنّ هذا المقترح حصل على رفض من قبل الجمهوريين.
الولايات المتحدة.. الأعلى في ملكية الأسلحة النارية العالمية
تثبت استطلاعات مركز "بيو" للأبحاث انتشار السلاح بكثافة بين الأفراد الأميركيين، إذ يقول 4 من كل 10 أشخاص بالغين في الولايات المتحدة إنّهم يعيشون في منزل يحتوي على مسدس، فيما تشير البيانات الفيدرالية إلى ارتفاع مبيعات الأسلحة في السنوات الأخيرة، لا سيما أثناء جائحة فيروس كورونا.
في العام 2020، كان عدد عمليات التحقق من الخلفية الفيدرالية الشهرية لمشتريات الأسلحة أعلى بنسبة 20% على الأقل من نفس الشهر من عام 2019، وتتصدر الحماية الشخصية قائمة الأسباب التي تجعل الأميركيين يحملون أسلحةً نارية، إذ قال ذلك 63% ممن يملكون سلاحاً نارياً، فيما قال 40% إنّها لأغراض الصيد، و11% بغرض الترفيه، و6% بنادق قديمة أو إرث عائلي، و5% قالوا إنّها مرتبطة بمجال عملهم.
ويرى حوالى نصف الأميركيين أنّ العنف باستخدام الأسلحة النارية يمثّل مشكلة كبيرة جداً في البلاد اليوم، وفي المقابل 22% يرونها مشكلة صغيرة، و 6% يرون أنّها ليست مشكلة على الإطلاق.
وبحسب الإصدار الأخير من المسح العالمي للأسلحة الصغيرة، وهو مشروع تابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف نشرته "واشنطن بوست"، فإنّ أكثر من 393 مليون سلاح ناري مملوك لمدنيين في الولايات المتحدة، أي أكثر من عدد السكان الكلي البالغ قرابة 329 مليون نسمة، أي أنّ هناك عدداً لا بأس به من الأفراد الذين يمتلكون أكثر من قطعة سلاح واحدة في منازلهم.
ووجد التقرير، الذي يعتمد على بيانات رسمية وبيانات مسح ومقاييس أخرى لـ 230 دولة، أنّ ملكية الأسلحة النارية العالمية تتركز بشكل كبير في الولايات المتحدة، وفي العام 2017، على سبيل المثال، كان الأميركيون يشكلون 4% من سكان العالم لكنهم يمتلكون حوالى 46% من إجمالي المخزون العالمي البالغ 857 مليون قطعة سلاح ناري مدني.
وكانت سنوات تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة هي فترة ازدهار بالنسبة إلى مصنعي الأسلحة في البلاد، الذين ضاعفوا إنتاجهم السنوي بين عامي 2009 و 2013، إذ وجد مسح الأسلحة الصغيرة أن "المدنيين في الولايات المتحدة حصلوا على ما لا يقل عن 122 مليون قطعة سلاح ناري جديدة أو مستوردة خلال هذه الفترة".
كيف يشتري الأميركيون أسلحتهم؟
بحسب "cnn"، تباع الأسلحة في الولايات المتحدة، عبر السلاسل الكبيرة مثل (WMT) إلى المتاجر التي تديرها عائلة مثل "Ken's Sporting" و"Goods & Liquor Store"، أو يمكن شراء الأسلحة من أحد المعارض الدورية، أو عبر الجيران وأفراد الأسرة، ويطلب من مشتري السلاح كتابة معلومات حوله فقط في حال شراء القطعة النارية من المتاجر، حيث يقوم المتجر بعد ذلك بالاتصال بمكتب التحقيقات الفيدرالية.
بدوره، يجري مكتب التحقيقات فحصاً لخلفية الشخص من خلال نظام فحص الخلفية الجنائية الفوري الوطني، المعروف أيضاً باسم "NICS"، الذي يقوم بمسح قواعد البيانات الفيدرالية، وإذا أدين المشتري بجناية أو جنح بعقوبات تزيد عن سنتين، أو أعلنت المحكمة أنّه "معيب عقلياً"، فلن يجتاز فحص الخلفية.
وتشير تقديرات أجرتها جامعتا "هارفرد" وجامعة "نورث إيسترن" في العام 2017 إلى أن واحدة من كل 5 معاملات تقريباً تحدث دون التحقق من الخلفية، وهنا يمكن أنّ تقع ما تعرف بـ "ثغرة عرض الأسلحة النارية"، إذ يمكن لأي شخص بيع سلاح من دون التحقق من هوية الشاري، وذلك إذا تم البيع من منزله، أو عبر الإنترنت، أو في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة أو في معرض للأسلحة النارية، طالما أنّه لا يقوم بعملية البيع كجزء من نشاط تجاري منتظم.