لبنان: غياب المرشحين "الأقوياء" في معركة الشمال الثانية ينعكس تشرذماً انتخابياً

كثافة "بانويات" وبذخ في مقابل فقر مدقع. هذه هو حال طرابلس، حيث تشير وفرة اللوائح إلى تشرذم واضح في اللوائح الانتخابية.

  • مع اعتكاف سعد الحريري وانكفاء
    مع اعتكاف سعد الحريري وانكفاء"تيار المستقبل" تشرذمت الكتل الانتخابية في شمالي لبنان

فارق كبير بين ازدحام "البانويات" الفارهة والمجسّمة، حاملةً صور بعض مرشحين وبعض اللوائح في طريق عام طرابلس- القلمون، وبرودة المجتمع الطرابلسي الانتخابية.

تتركز "البانويات" المزدحمة على عدد من المرشحين، أغلبيتهم أسماء جديدة، ومنهم من هو غير معروف سابقاً. لكن ضخامة "البانويات" وأعدادها توحي بأنّ أصحابها من كبار المتمولين، متنكّبين ثرواتِهم لخوض المعركة الانتخابية التي ستجري مبدئياً في الـ15 من أيار/مايو المقبل.

اللافت في "البانويات" أنّ أصحابها تكبّدوا تكاليف صورهم، إذ ظهرت لوائحهم مكرَّرة في أكثر من صيغة، الأمر الذي يدلّ على ثراء كبير، وافتراض بذخ أموال طائلة في المعركة التي لا يزال وقودها من الناس منشغلين عن المعركة بتأمين دوائهم، وكهربائهم، وقُوْت يومهم، ولو من صناديق النفايات، بحسب مشهد لسيدة فقيرة تبحث عن قُوتها في أحد الصناديق، بينما علا المشهد "بانو" مجسّم لأحد المرشحين المعروفين.

"ليش عم تصوّر.. ليش عم تصوّر"، كانت صرخة احتجاج مزدوجة من السيّدة التي أرسلت زوجها من أجل الاستفسار. وعند معرفته بأنّ الصورة التي التُقطت كانت للمرشّح، وليس للعائلة، دعا الزوج للمرشح بالتوفيق لأنّه "يخصّنا كل يوم بوجبة طعام في رمضان، وبعض عطاءات وأدوية"، كما قال.

كثافة "بانويات"، وبذخ مصاريف، في مقابل فقر وبرودة اهتمام انتخابية. هذا نموذج من طرابلس، ومن الدائرة الثانية بصورة عامة، عن حال المعركة الانتخابية.

طرابلس ذات الأغلبية السنيّة، رفدت الحريريّة السياسيّة بزخم انتخابيّ منذ ظهورها أوائل التسعينيات. واعتكاف الرئيس سعد الحريري عن الانتخابات، خوضاً، وترشيحاً، وتشجيعاً، ودعماً، أضفى على المعركة مزيداً من البرودة الـمُضافة إلى برودة فرضتها الأزمات الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، الخانقة.

مع اعتكاف الحريري، وانكفاء "تيار المستقبل" عن الساحة، كان من البديهي أن تتشرذم الكتلة المستقبليّة، وهي الأكبر، من دون معرفة اتجاه محدَّد لها، بحيث تُرِك مؤيّدوها يتخبطون في خيارات بديلة غير واضحة الهويّة، الأمر الذي يجعلهم عُرضةً للتشتت نحو لوائح غير محدّدة، وهو ما يتيح لخصوم "المستقبل" التقليديين حصد عدد وفير من مناصريه.

أمّا الرئيس نجيب ميقاتي، وهو ذو تأثير فاعل في الشارع الطرابلسي، ونال أكبر عدد ناخبين في الدورة الماضية عام 2018، مع فارق كبير عن ثاني أكبر رقم، فتمنّع عن الترشح، لكنّه دعم لائحة يتمثل فيها بعض من نواب لائحته الحاليين.

انعكس تضعضع الكتلة المستقبلية، وتحفظ ميقاتي عن الترشيح، تشرذماً لدى المرشّحين، وازدياداً كبيراً في أعدادهم، وأعداد لوائحهم التي بلغت 11 لائحة.

يُعيد الكاتب والباحث في الشؤون الاستراتيجية، سمير الحسن، الظاهرة إلى "غياب القطبين الكبيرين في طرابلس، "المستقبل" و"العزم"، الأمر الذي دفع مرشحين من الدرجات الأدنى إلى المبادرة إلى الترشٌّح، علّهم يقطفون الفرصة التي ربما لن تسنح لهم مجدَّداًَ.

عدد الناخبين المدرَجين في لوائح الشطب يبلغ 254438 في طرابلس المدينة، و48008 في المنية، و74665 في الضنية، أي ما مجموعه 377111 ناخباً.

حصة مقاعد الدائرة 11 مقعداً، تتوزع على 8 مقاعد في طرابلس، 5 منها للسُّنّة، وواحد لكلّ من العلويّين والموارنة والروم الأرثوذكس، ومقعدين للضنية، ومقعد واحد للمنية. 

تبرز من اللوائح المعروفة لائحة "الإرادة الشعبية"، التي تجمع قوى الثامن من آذار تقليدياً، ومن وجوهها البارزة فيصل كرامي، وجهاد الصمد، ورفلي دياب عن "تيار المردة"، وطه ناجي عن "جمعية المشاريع الإسلامية"، ومرشح عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، وآخرون.

ولائحة "إنقاذ وطن"، وأبرز وجوهها وزير العدل الأسبق أشرف ريفي، وهي متحالفة مع "القوات اللبنانية"، ولائحة "لبنان لنا" التي تضم مصطفى علّوش من "تيّار المستقبل" سابقاً، وينسّق الموقف الانتخابيّ مع رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. 

ولائحة "للناس"، المدعومة من نجيب ميقاتي، تضمّ كريم كبارة، نجل النائب السابق محمد كبارة، وتضم النائب علي درويش من لائحة الرئيس نجيب ميقاتي في الدورة السابقة، وكاظم الخير المدعوم سابقاً من ميقاتي. 

لائحة "التغيير الحقيقي" تتمحور حول رجل الأعمال إيهاب مطر. أمّا لائحة "الجمهورية الثالثة" فتتمحور حول رجل الأعمال عمر حرفوش.

ثمة خمس لوائح غير مكتملة، وفيها مجموعة من القوى والشخصيات التي خاضت تحركات الشارع، على خلفية حركة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وهي "طموح الشباب"، وفيها وجوه جديدة من 5 أسماء، و"فجر التغيير" جديدة وتتألف من 7 أسماء، و"قادرين" وفيها وجوه جديدة من 6 أسماء، و"الاستقرار والإنماء" وتضم وجوهاً جديدة من 10 أسماء، ولائحة "انتفض.. للسيادة للعدالة" وفيها مالك مولوي من "حزب سبعة"، وتضم 7 أسماء.

تشير وفرة اللوائح في القوى التي أطلقت على نفسها "قوى التغيير"حيناً، و"قوى الثورة" أحياناً، إلى تشرذم واضح، وميول شخصانيّة، الأمر الذي يُضعف قواها، ويفوّت عليها إمكان دخول البرلمان.

يعتقد الحسن أنّ وفرة اللوائح "ليست دليلاً على وجود تنافس، وحماوة انتخابية، بل على تشتّت للأصوات في لوائح متعدّدة. والنتيجة ستكون انخفاض الحاصل الانتخابي الذي سيصب في مصلحة السلطة والطبقة السياسيّة".

دراسة إحصائية

مركز "الإحصاء والدراسات الاستراتيجية" أجرى استطلاع رأي بواسطة 5378 استمارة. وفي حصيلتها تبيّن له أنّ نسبة المقترعين لهذا العام هي 37,18%، مقارنة بـ 43,34% في الدورة الماضية في عام 2018.

"انخفاض نسبة الاقتراع المتوقعة، وخصوصاً في الشارع السني"، سيجعل اللوائح الكبيرة وذات الخبرة، والتي تملك ماكينات انتخابيّة منظّمة ومجرّبة، "تتحكّم في العمليّة الانتخابيّة، تصويتاً ونتيجة"، وفق رأي الحسن.

وتوصّلت الدراسة إلى أنّ الحاصل الانتخابي هو 11258 صوتاً. وبالتالي، أظهرت فوز أربع لوائح بالحاصل الانتخابي، وهي "الإرادة الشعبية" التي ستنال 2,90 مقعد (3 مقاعد)، و"للناس" التي ستحظى بـ 2,68 مقعد (3 مقاعد)، و"لبنان لنا" التي ستنال 2,73 مقعد (3 مقاعد)، و"إنقاذ وطن" التي ستحظى بـ 1,71 مقعد (مقعدين). 

والفائزون وفق الصوت التفضيلي، سيكونون: فيصل كرامي، جهاد الصمد، طه ناجي من لائحة "الإرادة الشعبية"، ومصطفى علوش، وسامي فتفت، وشيبان هيكل من لائحة "لبنان لنا"، وعبد الكريم كبارة، وكاظم الخير، وعلي درويش من لائحة "للناس"، وأشرف ريفي، وإلياس خوري من لائحة "إنقاذ لبنان". 

وتظهر المعركة الانتخابية بشعاراتها، التي تُظهر غياب البرامج السياسية. فمن المطروح على سبيل المثال: "التغيير الحقيقي بإنصاف طرابلس"، "الكهرباء أساس مش إنجاز"، و"التغيير الحقيقي بسلاح شرعي فقط"، و"هجّروا ولادك.. صوّت ضدّن"، و"إنها الهوية اللبنانية".

ومن الشعارات الكثيرة التي ارتفعت في عدد من بانويات "القوات اللبنانية": "نحنا فينا نحمي الهوية"، "نحنا فينا نضوّي البلد"، "نحنا فينا نأسس للحياد"، "نحنا فينا نحرّر الدولة"، "نحنا فينا نعيد الثقة".

انتخابات تشريعية مصيرية يشهدها لبنان، بعد ما يزيد على العامين من أزمة اقتصادية سياسية غير مسبوقة، تشابك فيها المحلي مع الإقليمي والدولي، فكيف سيكون وجه لبنان بعد هذه الانتخابات؟

اخترنا لك