كيف تبدو العلاقات الأميركية-الصينية في العام الأول من عهد بايدن؟

بعد إعلان فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات الأميركية، توقع الكثيرون أن يقدّم سياسةً أكثر استقراراً تجاه الصين. لكن مع اقتراب العام الأول لإدارة بايدن من نهايته، تظهر المؤشرات أنّ سياسته لم تختلف كثيراً عن نهج سلفه.

  • أتى بايدن ليستكمل نهج سلفه في سياسة بلاده مع تايوان
    أتى بايدن ليستكمل نهج سلفه في سياسة بلاده مع تايوان

بعد 4 سنوات من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي تسببت بتدهور كبير في العلاقات مع الصين، والتي طغى عليها نزاع تجاري دار بين أكبر قوّتين اقتصاديتين في العالم، توقع الكثيرون بعد إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية أن يقدّم سياسةً أكثر استقراراً تجاه الصين. لكن مع اقتراب العام الأول لإدارة بايدن من نهايته، تظهر المؤشرات أنّ سياسة بايدن لم تختلف كثيراً عن نهج سلفه.  

منذ اليوم الأول في الحكم، وضع بايدن مواجهة الصين في قلب أجندته الاقتصادية والاستراتيجية. اعتمد على الفور الحزم نفسه الذي أبداه سلفه حيال العملاق الآسيوي، الذي يُعتبر «التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين»، حسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. الأخير أوضح أنّ هناك أبعاداً مختلفة للعلاقة مع الصين: المواجهة والمنافسة والتعاون. لكن عند مراجعة السياسة الأميركية تجاه الصين في بداية عهد بايدن، يبدو جلياً أنّ عنصر "المواجهة" فقط نال نصيب الأسد من تلك السياسة. 

التعاون الوحيد بين الجانبين وقع عندما فاجأت الدولتان المتنافستان العالم بإصدار إعلان مشترك يستهدف التصدي لتغير المناخ أثناء محادثات مؤتمر "كوب 26" في اسكتلندا. لكن بعيداً عن الملف البيئي، برز الصراع الصيني الأميركي في العديد من القضايا الأخرى بشكلٍ لافت، إذ إنّ التجاذب بين الدولتين لم يكن متوقعاً لهذا الحد في العام الأول من رئاسة بايدن.

الدعم الأميركي لتايوان

باتت "حماية" تايوان مسألة تحظى باهتمام الحزبين الجمهوري والديموقراطي على السواء في الولايات المتحدة، حيث تعتبر واشنطن ملف تايوان من أهم الأوراق التي تمتلكها للضغط على بكين. وكانت فترة رئاسة دونالد ترامب قد شهدت تصاعداً ملحوظاً في العلاقات التسليحية بين تايوان والولايات المتحدة، وهو ما أكد في حينها بوضوح التوجهات الأميركية التصعيدية تجاه الصين. فبالرغم من أنّ واشنطن، مثل معظم الدول، لا تربطها علاقات رسمية بتايوان، إلا أنها حليفها الأهم والمورد الرئيسي لها بالسلاح، حيث إنّ الإدارة الأميركية ملزمة من الكونغرس ببيع الجزيرة أسلحة لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

وأتى بايدن ليستكمل نهج سلفه في سياسة بلاده مع تايوان، بعدما أكّد أنّ الولايات المتحدة ستدافع عسكرياً عن تايوان "إذا ما شنّت الصين هجوماً" على هذه الجزيرة التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، مؤكداً أنّ لدى بلاده "التزاماً في هذا الصدد". لكن سرعان ما تراجع البيت الأبيض عن هذه التعليقات بعد تحذيرات من الصين، استمراراً لسياسة الولايات المتحدة المعتمدة منذ فترة طويلة، والمسماة "استراتيجية الغموض"، التي تساعد واشنطن بموجبها تايوان في بناء دفاعاتها وتعزيزها من دون التعهد صراحة بتقديم مساعدتها في حال حدوث هجوم.

هذا وكانت إدارة بايدن قد أضافت المزيد من القوات الأميركية إلى تايوان خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بحسب بيانات وزارة الدفاع الأميركية المنشورة حديثاً، ووضعت نحو 40 جندياً في الجزيرة لحماية "السفارة الأميركية"، وتدريب القوات التايوانية. وبحسب مركز بيانات القوى العاملة الدفاعية، وهو مكتب في البنتاغون يجمع بيانات القوات، فإنّ الولايات المتحدة لديها الآن 39 جندياً في تايوان، بمن في ذلك 29 من مشاة البحرية و5 طيارين و3 بحارة وجنديان. هذه قفزة من حزيران/يونيو الماضي، عندما تعقب المكتب نفسه 30 جندياً في الخدمة الفعلية و15 مدنياً يخدمون في الجزيرة، بمن في ذلك 23 من مشاة البحرية. 

إلا أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحد، حيث كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر رسمية أميركية لم تسمّها أنّ حوالى 20 عسكرياً من الوحدات الخاصة الأميركية وسريّة من سلاح مشاة البحرية (المارينز) يدرّبون وحدات صغيرة من الجيش والبحرية التايوانيين، وهو ما يؤشر إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الولايات المتحدة في النزاع الصيني التايواني، وهو ما يهدد بإشعال حرب بين القوتين الكبريين في العالم اليوم. 

اقرأ أيضاً: بحر الصين الجنوبي.. الأهمية الاستراتيجية ومستقبل الصراع
 

بحر الصين الجنوبي

يشكّل بحر الصين الجنوبي نقطة خلاف بارزة بين الولايات المتحدة والصين، تزايد التوتر حولها في عهد بايدن. فواشنطن تريد احتواء وتقييد الوجود الصيني في ذلك البحر، وترفض سيادتها عليه. رد الأولى على ما تراه "تصعيداً" صينياً في البحر كان عبر القيام بمناورات عسكرية فيه، كان آخرها مناورات مشتركة مع اليابان، بهدف تعزيز وجودها العسكري فيه. 

  • ماذا تعرف عن بحر الصين الجنوبي؟
    ماذا تعرف عن بحر الصين الجنوبي؟

إلا أنّ التحرّكات الأميركية ضد الصين لم تقتصر على الحضور العسكري في بحر الصين الجنوبي، فواشنطن كانت تسعى ولا تزال لإقامة علاقات وثيقة مع الدول المجاورة للصين والمطلة على بحرها الجنوبي. ففي مسعى من إدارة بايدن إلى إعادة إطلاق العلاقات في آسيا بعد حقبة ترامب العاصفة، وتصوير واشنطن على أنها قوة تعزز الاستقرار في وجه عدائية الصين المتزايدة، قامت نائبة بايدن، كامالا هاريس، بزيارة فيتنام وسنغافورة، في آب/أغسطس الماضي، في مهمّة لإقناع القادة في البلدين بـ"التزام أميركي دائم" للولايات المتحدة في آسيا. 

إلا أنّ التحشيد الدولي للولايات المتحدة ضد الصين لم يقف عند هذا الحد، حيث تمظهر بشكلٍ واضح أيضاً في التحالف الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة مع أستراليا والمملكة المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، وما يرتبط به من بناء عشرات الغواصات التي تعمل بالوقود النووي، وهو الأمر الذي يُبرز براغماتية بايدن في محاولته لكبح طموحات الصين المتعاظمة، لا سيما وأنّ هذا التحالف جاء على حساب توترات مع حليفته فرنسا. 

واشنطن تقاطع الأولمبياد 

لم تسلم الرياضة من تداعيات التجاذب الأميركي الصيني، إذ قررت الولايات المتحدة المقاطعة الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 في بكين "نظراً إلى مواصلة جمهورية الصين الشعبية الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في شينجيانغ والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان"، حسب الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي. 

وجاء هذا القرار بعدما أمضت الإدارة الأميركية أشهراً عدة في محاولة التوصل إلى الموقف الأنسب حيال الأولمبياد الشتوي الذي تستضيفه الصين، بين الرابع من شباط/فبراير والعشرين منه 2022، التي تتهمها واشنطن بارتكاب "إبادة" في حق المسلمين الأويغور في شينجيانغ في شمال شرق الصين. 

وسارع سياسيون في الولايات المتحدة إلى الترحيب بالقرار خصوصاً وأن الرئيس جو بايدن يواجه ضغوطاً للتنديد بانتهاكات الصين المزعومة لحقوق الإنسان.

ضغط جديد عبر تعزيز العقوبات

استكمالاً لنهج ترامب، تكثف إدارة بايدن العقوبات الاقتصادية التي تستهدف مصالح صينية بسبب مزاعم "بانتهاكات لحقوق الإنسان وتهديد الأمن القومي الأميركي"، ما يساهم في تدهور العلاقات الدبلوماسية مع بكين. وآخر خطوات تعزيز واشنطن لضغوطها على الأخيرة كان بإقرار قانون يحظر استيراد أي منتجات من مقاطعة شينجيانغ الصينية لتجنب أي "تواطؤ عن غير قصد" في انتهاك حقوق الأويغور.

وأتى هذا القرار غداة إعلان وزارة التجارة الأميركية أنها أضافت حوالى 30 شركة صينية من بينها شركات تكنولوجيا حيوية إلى القائمة السوداء للكيانات المتهمة خصوصاً بانتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور المسلمة. وتستهدف العقوبات، بصفة خاصة، الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية العسكرية ومعاهدها البحثية الـ 11 التي تركز على استخدام التكنولوجيا الحيوية لدعم الجيش الصيني.

وكان بايدن قد وسّع في وقتٍ سابق القيود المفروضة على الاستثمارات الأميركية في بعض الشركات الصينية ذات الصلة المزعومة بالجيش، حيث وقع أمراً تنفيذياً يحظر على الأميركيين شراء أو بيع أي سندات مالية متداولة علناً من 59 شركة صينية. إلى جانب ذلك، أدرجت الولايات المتحدة 7 مؤسسات صينية، متخصصة في أجهزة الحوسبة الفائقة (السوبركمبيوتر)، إلى قائمة الشركات الخاضعة للعقوبات، بزعم أنها تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي.

صعود صيني رغم العزل

وبالرغم من محاولات واشنطن لعزل الصين اقتصادياً وفرض عقوبات عليها، إلا أنّ الاقتصاد الصيني سجّل مطلع العام الحالي نمواً قياسياً تجاوز حتى ما حققته البلاد خلال سنوات التسعينيات الذهبية. فقد  ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 9.8% على أساس سنوي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى 82.31 تريليون يوان (13 تريليون دولار أميركي)، متجاوزاً الهدف المتمثل في زيادة بنسبة 6%. وعلى الرغم من تحديات عديدة، أظهر اقتصاد الصين مرونة قوية مع حجمه الكبير ونموه المطرد وزخمه القوي.

إلى جانب ذلك، أعلنت وزارة التجارة الصينية ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة قيد الاستخدام الفعلي في البر الرئيسي الصيني، بنسبة 22.3% على أساس سنوي، لتسجل 758.05 مليار يوان (113.87 مليار دولار)، وذلك خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 2021، حسبما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة. كما أظهرت أحدث البيانات الصينية الرسمية أنّ إجمالي واردات وصادرات الصين نما بنسبة 22% على أساس سنوي إلى 35.39 تريليون يوان (5.56 تريليون دولار أميركي) في الأشهر الـ11 الأولى من العام الجاري.

الأمر لم يقتصر على ذلك، فقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 2.3 % خلال 2020، على الرغم من التبعات السلبية لجائحة كورونا، ليكون الاقتصاد العالمي الوحيد الذي لم يسجل انكماشاً خلال العام الماضي. كما نجحت الصين في الانتصار بشكل كامل على الفقر المدقع، بعدما كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ أنّ بلاده استثمرت في مكافحة الفقر على مدار السنوات الثماني الماضية ما يعادل نحو 246 مليار دولار. على النقيض، فقد عاشت الولايات المتحدة أوقاتاً صعبة العام الفائت، حيث سجل ناتجها المحلي الإجمالي انكماشاً بنسبة 3.5%، وهو يعدّ الانكماش الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي.

من الواضح إذاً أنه على مدى العقدين الماضيين، فشلت الولايات المتحدة في عرقلة الصعود الصيني على المستوى الاقتصادي، وهو الأمر الذي استمرّ خلال بداية عهد بايدن. كما أنها أخفقت في محاولات عزل الصين عن دول العالم، إذ نرى أنّ نعظم الدول التي كانت تدور في الفلك الأميركي باتت تجد نفسها أمام واقع لا يمكن القفز فوقه، وهو تمتين علاقتها مع الصين، نظراً إلى أنّ مستقبل الصين يضعها في مصاف الدولة الأولى عالمياً على الصعيد الاقتصادي.

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.

اخترنا لك