قطار الرئيس الكوري الشمالي.. الوحش المتحرك المدرّع
قطار الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، عالي الأمان، يشغل أجهزة الاستخبارات المعادية لبلاده، كما يحظى باهتمامٍ عالمي كبير، فما هي أبرز مميزاته؟
قليلٌ ما حظي رئيس دولة أو حاكم أو ملك، بمثل تلك الهالة والمتابعة الإعلامية، وحتى الرصد الاستخباراتي الدقيق والمتواصل، مِن قبل الخصوم والحلفاء على حد سواء، لنظامه وطريقة إدارته لبلده، وهي القائمة على تحدي الهيمنة الأميركية، إضافةً إلى حياته الشخصية، وحتى تنقلاته، كالزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون.
يشغل كيم العالم بكل تحركاته وصواريخه النووية وقبضته الأمنية الهادفة لمنع أي اختراقٍ غربي لبلاده، منذ توليه الرئاسة، لتخطف زيارته الاستثنائية التي قام بها إلى موسكو، في 12 أيلول/سبتمبر الجاري، ولقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأضواء من غالبية الأحداث في العالم، بل وحتى الحرب الأوكرانية ذاتها.
فالرجل كاد أن يتحول إلى نجمٍ إعلامي بدون منازع، لولا وسيلة النقل التي اعتمدها في رحلته وسلبت بعضاً من وهج لقاءاته، وهي قطاره الذي أصبح الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات الغربية، ووسائل الإعلام العالمية، والتي أولت لهذا الوحش المتحرك أهمية بالغة.
اختيار عائلة كيم للقطار في أسفارهم الداخلية والخارجية
في أول رحلةٍ معروفة له خارج كوريا الشمالية منذ ما يقرب من 4 سنوات، اختار الزعيم كيم جونغ أون، وسيلة النقل المفضلة لديه، أي قطاره، للوصول إلى روسيا.
يُذكر أنّ الزعيم الكوري الشمالي نادراً ما سافر خارج البلاد بعد توليه القيادة في أعقاب وفاة والده كيم جونغ إيل، عام 2011، ثمّ جاءت جائحة فيروس كورونا التي عزلت بلاده نفسها إلى حدٍ كبير عن العالم الأوسع خلالها.
ومثل والده، الذي كان يخشى الطيران، وجده مؤسّس كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ، كان كيم يسافر في الغالب إلى الخارج في قطارٍ صُنع خصيصاً للعائلة الحاكمة، وهي طريقة نقلٍ غير عادية لزعيمٍ عالمي في القرن الحادي والعشرين.
وتعدُّ السلامة الشخصية، إضافةً إلى التضليل الأمني، إحدى الأسباب الرئيسية التي جعلت عائلة كيم تفضّل تاريخياً السفر بالسكك الحديدية، وتبعاً لذلك قال أحد الحراس الشخصيين لوالده إنّ الزعيم الكوري الشمالي السابق تعهّد "بعدم الطيران، لأنه يخشى أن يتم إسقاط طائرته"، والأكثر أهمية، أنّ القطارات يصعب ملاحقتها استخباراتياً أثناء السفر، حيث تُعدُّ أفضل من الطائرات، والتي يمكن مراقبتها عبر بيانات تتبع الرحلة تكنولوجياً بواسطة الرادارات، ولهذه الغاية، لم يتم الكشف عن العديد من رحلات كيم علناً إلّا بعد اكتمالها.
ومع ذلك، استعمل كيم طائرة بوينغ من طراز "747"، تديرها شركة طيران الصين خلال لقاء القمّة التاريخي الذي جمعه بالرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب في سنغافورة، عام 2018، وكذلك استقل طائرةً كورية شمالية للقيام برحلةٍ قصيرة نسبياً إلى مدينة داليان الصينية في العام ذاته، وذلك بهدف عقد اجتماعه الثاني مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ.
مميزات قطار الزعيم الكوري الشمالي
في الحقيقة، قلّة هم، من خارج النخبة الكورية الشمالية، الذين سافروا على متن قطار الزعيم الكوري الشمالي، واستناداً إلى صحيفة "تشوسون إلبو" الكورية الجنوبية، نقلاً عن تقارير استخباراتية، يتألف هذا القطار المزخرف، وذو اللونين الأخضر الداكن والأصفر، والُمدرّع بشكلٍ كبير، والبطيء الحركة بشكل استثنائي، يتألف من إجمالي 90 عربة، بعضها مصممٌ لحمل المركبات، الأمر الذي أكّده الدبلوماسي الروسي الذي كان قد سافر على متن هذا القطار مع الرئيس السابق لكوريا الشمالية، كيم جونغ إيل، عام 2001، جورجي تولورايا، حيث أضاف أنّه تمّ نقل سيارتي "مرسيدس" مصفحتين في تلك الرحلة، حيث يُشار إلى أنّ القطار الحالي لكيم كان يستعمله والده، ثمّ انتقل إليه بعد وفاة الأب.
علاوةً على ذلك، تمّ تصميم القطار، وفق مستوياتٍ عالية من الأمان لحماية الزعيم الكوري من أي هجومٍ بري أو جوي، وهو مصفحٌ بالكامل، من النوافذ إلى الجدران، بما في ذلك الأرضية، بهدف حماية الركاب من الرصاص والمتفجرات، وهذا بدوره يوفر ظروفاً أمنية أعلى بشكلٍ لا مثيل له من الطائرة، حيث "تزيد فرص البقاء على قيد الحياة إلى حد كبير" في حالة وقوع هجوم.
يُذكر أنّ مسؤولاً حكومياً كورياً جنوبياً نفى أنّ يكون القطار مدرعٌ بالكامل، ولفت إلى أنّ "قسم الزعيم الكوري الشمالي في القطار، فقط هو المدرع"، موضحاً أنّ القطار إذا كان بأكمله مضاداً للرصاص، "فسيكون ثقيلاً جداً بحيث لا يمكن التحرك فيه".
ويحتوي القطار أيضاً، على قاعات مؤتمراتٍ وغرفة جمهور للنوم، كما يوجد فيه نظام اتصالاتٍ هاتفية عبر الأقمار الصناعية، إضافةً إلى أجهزة تلفزيون بشاشاتٍ مسطحة، ليتمكن الزعيم الكوري الشمالي من الإطلاع على كافة الأخبار والتطورات في بلاده، فضلاً عن إصداره الأوامر.
ويضم القطار كذلك، خريطة إلكترونية توضّح موقعه، بالإضافة إلى معلوماتٍ جغرافية عن المنطقة التي يمر بها، وصولاً إلى معرفة عدد رؤوس قطعان الماشية فيها.
حقيقة سرعة القطار
في الحقيقة، تُعزى السرعة البطيئة للقطار عادةً إلى وزنه الهائل، وذلك نتيجةً للدروع الإضافية التي تمّ تركيبها على القطار لتحصينه.
من هنا، قال تولورايا، الدبلوماسي الروسي، إنّه خلال تفتيش القطار في العام 2001، مِن قِبل الفنيين الروس، "وجدوا أنّ هناك صفائح مدرعة أسفل عربتي السكك الحديدية الرئيسيتين اللتين يستخدمهما الزعيم الكوري الشمالي للأغراض السكنية والرسمية"، كما أشار إلى ملاحظة الفنيين الروس أيضاً أنّ هاتين العربتين، من أصلٍ سوفياتي، ولكن تمّ تعديلهما بشكلٍ كبير في وقتٍ لاحق.
ويسير قطار كيم بسرعةٍ متوسطة تبلغ 60 كم في الساعة، كما يتمّ إرسال حوالي 100 من رجال الأمن مسبقاً إلى المراكز، وهؤلاء يقومون بتمشيط المنطقة بحثاً عن القنابل، وقبل أن يقترب قطار كيم من أي محطة، يتم قطع الطاقة عن المسارات الأخرى، حتى لا تتمكن أي قطارات من التحرك.
وبالإضافة إلى السرعة البطيئة، تستخدم شبكة السكك الحديدية الروسية، مقياساً مختلف الحجم عن ذلك المعتمد في شبه الجزيرة الكورية، مما يستلزم انتظاراً طويلاً على الحدود.
إجراءات سفر قطار كيم الوقائية
في الواقع، وبهدف حمايته من أي هجوم، يسبق ويتبع قطاران منفصلان الحاشية الرئيسية لكيم، أحدهما يقوم بمهام الاستطلاع، والآخر يتولى الأمن، وعليه فإنّ ثلاثة قطارات منفصلة تعمل معاً أثناء سفر كيم، حيث يقوم القطار الأول المتقدّم بإجراء فحوصاتٍ أمنية لمعرفة ما إذا كانت مسارات السكك الحديدية آمنة، فيما يتبع قطار كيم، قطار ثانٍ يحمل حراسه الشخصيين وغيرهم من أفراد الدعم.
واللافت للانتباه، أنّه تمّ بناء حوالي 20 محطة قطارٍ خصيصاً لاستخدامات القطار الخاص، ومن أبرزها محطتي "بيونغ يانغ يونغ سونغ"، و"كانجدايدونغ"، وكذلك توجد بعض المحطات الأخرى في مناطق لا تبعد أكثر من 30 كيلومتراً عن أمكنة إقامته الخاصة.
ليس هذا فحسب، ترافق مجموعة دعم لوجستي كبيرة القطار، وهي تضم طائرات نقلٍ جوية سوفياتية الصنع من طراز "Il-76"، ومروحيات من طراز "Mi-17"، وغيرها من طائرات الدعم الأمني التي تنقل الأفراد والمعدات اللازمة إلى المطارات القريبة.
والجدير بالذكر أنّ الزعيم الكوري الشمالي، يسافر بانتظام عبر القطار داخل كوريا الشمالية، فالحكومة هناك، تقدّس السفر بالسكك الحديدية داخل البلاد، حيث يعرض متحف السكك الحديدية في بيونغ يانغ الرحلات السابقة التي قام بها القادة.
إلى جانب ذلك، عندما يخرج كيم من قطاره وينتقل إلى منتجعه الخاص، فإنّه يقود سيارةً مصفحة من طراز "مرسيدس"، وأخرى تمّ إحضارها معه، وحتى الآن، قام كيم بـ 129 رحلة إرشادية ميدانية حول كوريا الشمالية، وهو ما يعادل الرقم القياسي الذي سُجّل في عام 2005، وربما يتجاوزه بحلول نهاية العام الجاري.
والمثير في الأمر، أنّ الزعيم الكوري الشمالي ليس الزعيم العالمي الوحيد الذي يفضل مؤخراً السفر بالسكك الحديدية على السفر الجوي، فنتيجةً للتهديد الذي باتت تشكله الطائرات في زمن الحرب، يصل جميع زوار كييف تقريباً عبر خدمة السكك الحديدية في أوكرانيا، بمن فيهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، وغيره من القادة الآخرين الذين يسافرون في قطارات كبار الشخصيات المُصمّمة خصيصاً.
يُذكر أنّه من المفارقات أنّ القطارات الأوكرانية تستخدم نفس المقياس الذي تستخدمه القطارات الروسية، وهو يختلف عن المقياس المُستخدم في بولندا، مما يتطلب انتظاراً مماثلاً على الحدود.
في المحصلة، لا تغيب أعين واشنطن عن الزعيم الكوري الشمالي الذي يتسبب لها بالقلق والصداع بسبب تحديه المستمر لها ولهيمنتها، لذلك تلاحقه أينما حلّ أو توجّه، وبالتالي تبذل جهوداً كبيرة لتتبع كل مساراته وتنقلاته، من خلال أجهزة المخابرات الكورية الجنوبية والأميركية التي تتجسّس على قطار كيم الخاص باستخدام الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع "يو-2"، وغيرها من معدات المراقبة، بالإضافة إلى المنشقين الكوريين الشماليين.