"فورين بوليسي": وضع المعادن الأميركية حرج.. مساعٍ يائسة لمنافسة بكين
الصين، بعد جهود استمرت عقوداً، حققت تقدماً كبيراً في التعدين والتكرير ومعالجة عدد من هذه القضايا، على نحو وضعها في موقع مهيمن، ومثير لقلق الولايات المتحدة. وأثار مخاوف من اختناقات في سلسلة التوريد، بحسب "فورين بوليسي" الأميركية.
تحدّث تقرير في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، بعنوان "وضع المعادن الاستراتيجية الأميركية حرج"، عن محاولات واشنطن "اليائسة" للتنويع في مصادر المعادن، بعيداً عن بكين، ضمن جهودها المتعثرة لبدء صناعتها المحلية.
وأدى تركيز واشنطن على سدّ نقاط الضعف الاستراتيجية، وسط تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إلى إعادة إشعال جهود الولايات المتحدة للسيطرة على المواد الحاسمة، وهي المعادن ذات الأهمية الكبرى.
ويوضح التقرير أنّها "ليست مجرد معادن نادرة، فهي تستخدم في جميع المجالات، من الطاقة النظيفة إلى الطائرات السريعة، ولقد تمّ قطع غابات بأكملها، عبر تشريعات تهدف إلى دفع الولايات المتحدة إلى الوصول الى المعادن النادرة، من دون جدوى تذكَر حتى الآن".
وأضاف أنّ "سباق المعادن الحاسمة يدور الآن حول أمور أبسط، مثل الكوبالت والنيكل والنحاس، ونحو عشرين مكوناً رئيساً آخر، لكل ما هو مطلوب لجعل البلاد أكثر أماناً ونظافة وازدهاراً"، لافتاً إلى أنّ "المشكلة هي أين يمكن أن تحصل عليها جميعاً".
ويشير تقرير "فورين بوليسي" إلى أنّ الصين "بعد دفعة استمرت عقوداً، حققت فعلاً تقدماً كبيراً في التعدين والتكرير ومعالجة عدد من هذه المعادن، على نحو وضعها في موقع مهيمن، يثير قلق الولايات المتحدة، ومخاوفها من اختناقات في سلسلة التوريد".
وحذّر كبير مستشاري البيت الأبيض للطاقة النظيفة، جون بوديستا، من خطورة هذا الأمر، قائلاً إنّه "بصراحة تامة، نحن في وضع ضعيف"، مضيفاً أنّ الصين "لديها القدرة على استخدام سيطرتها على المصادر لإقفال سلاسل التوريد، واحتجاز قرارات الحكومات كرهائن سياسية".
اقرأ أيضاً: "فايننشال تايمز": كيف تربح الصين السباق على معدن الليثيوم الأفريقي؟
تحديات كبيرة أمام واشنطن
وفي محاولة يائسة للتنويع بعيداً عن بكين، يكثف المشرعون الأميركيون جهودهم لبدء قطاع محلي، واجه منذ فترة طويلة مخاوف بيئية واجتماعية، وتَقلّصاً في جهود البحث.
وإلى جانب معالجة هذه التحديات، ستحتاج واشنطن أيضاً إلى توحيد قواها مع مجموعة أوسع من الدول، من أجل ضمان نجاح هذه القفزة، وفقاً لتقرير معهد "أسبن" الصادر هذا الشهر.
وخلال العقود المقبلة، من المتوقع أن ينفجر الطلب على هذه المعادن والمواد. وبحلول عام 2050، قد تكون هناك حاجة إلى مليارات الأطنان من المعادن، مثل الليثيوم، لتشغيل ثورة الطاقة النظيفة، وفقاً للبنك الدولي.
ومن دون الليثيوم، على سبيل المثال، لن يكون لدى العالم البطاريات اللازمة للسيارات الكهربائية والهواتف الذكية، كما يعمل الكوبالت على تشغيل المحركات النفاثة، ويصنع النيكل والتيتانيوم سبائك صلبة.
وفي حين يمكن الحصول على هذه المعادن المهمة من الرواسب الغنية في جميع أنحاء العالم، يتمّ تكريرها ومعالجتها إلى حدّ كبير في الصين.
وفي أحدث جهد لتحفيز الصناعة الأميركية، قدّم أعضاء مجلس الشيوخ، ميت رومني ودان سوليفان وجاري بيترز، تشريعات هذا الشهر لإنشاء استراتيجية مهمة للمعادن، من شأنها تقليل اعتماد واشنطن على الصين.
ويعتمد مشروع القانون على سلسلة من جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لرسم نهج صناعي منسّق، بما في ذلك مجموعة من الاستثمارات، لتحفيز الإنتاج واستخدام قانون الإنتاج الدفاعي لتوسيع الإمدادات المحلية.
وذكّر التقرير بأنه قبل أن يتولى بايدن منصبه، أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يستهدف اعتماد واشنطن على سلاسل توريد المعادن المهمة في الصين، والتي وصفها بأنها "حالة طوارئ وطنية"، وحدّد استراتيجية جديدة لبناء المرونة في هذا القطاع، في وقت يتنافس الكونغرس والبيت الأبيض، منذ ذلك الحين، في وضع مزيد من الخطط غير المتوقعة.
اقرأ أيضاً: الليثيوم.. حرب اقتصادية للسيطرة على الذهب الأبيض
المعادن المهمة "ليست في حديقة واشنطن"
ونقلت المجلة الأميركية عن مدير معهد "باين" في كلية كولورادو للمناجم، قوله إنّ "النظام السياسي بأكمله مأخوذ بحقيقة، مفادها أن الصين تهيمن على المساحة الكلية، وأصبحت واحدة من المجالات الوحيدة للاتفاق بين الحزبين تقريباً".
وجاء في تقرير "أسبن" أنّ "أكثر من 60% من إنتاج الكوبالت والمنغنيز والنيكل العالمي، على سبيل المثال، يأتي من موردي المجموعة المتوسطة"، أي البلدان غير الشريكة في التجارة الحرة مع واشنطن، أو منافسة لها، وفي كثير من الحالات، لا يتمّ تضمين هؤلاء الموردين في المبادرات الأميركية ، الأمر الذي يترك لهم خياراً ضئيلاً، هو اللجوء إلى الصين من أجل الاستثمار".
ويضرب التقرير مثلاً في "جمهورية الكونغو الديمقراطية"، بحيث أورد أنه على الرغم من أنّ الكونغو استحوذت على نحو 68% من الكوبالت العالمي في عام 2022، فإنها لا تزال تفتقر إلى اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ولم يتم تضمينها في شراكة أمن المعادن، وهي مبادرة أميركية رئيسة.
ووفقاً للتقرير، موّلت الشركات الصينية، جزئياً أو كلياً، الأغلبية العظمى من المناجم في الكونغو، وأقصى ما قطعته واشنطن هو توقيع مذكرة تفاهم مع كينشاسا، بشأن سلاسل قيمة البطاريات.
"حتى في ظل أفضل الظروف، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تلبية جميع احتياجاتها بنفسها، ونحثّ الكونغرس على عدم الانغماس في بنود الشراء الأميركية"، تؤكد ميغان أوسوليفان، المديرة الجديدة لمركز "بيلفر"، في كلية هارفارد كينيدي، والرئيسة المشاركة لفريق العمل الذي يقف وراء تقرير "أسبن".
وبعد صفقة تجارة المعادن الأخيرة بين الولايات المتحدة واليابان، والتي ستسمح لطوكيو بالالتفاف على عدة قيود أميركية، فإن مزيداً من البلدان - بما في ذلك إندونيسيا الغنية بالنيكل - تتنافس الآن من أجل اتفاقيات مماثلة. وهذا الأسبوع، أجرت واشنطن مباحثات بشأن المعادن مع منغوليا وكوريا الجنوبية.
وبينما تسعى الولايات المتحدة لصياغة نهجها الأساسي في مجال المعادن، لا تزال بكين تتحرّك بأقصى سرعة. "الصين تقف مكتوفة اليدين"، يؤكد خبير أميركي، مضيفاً أنها "تقوم أيضاً باستثمارات ضخمة في جميع أنحاء العالم في المعادن والشركات والتعدين والمعالجة، وصولاً إلى التصنيع المتقدم".
ويضيف أنّ "إحداث تغيير حقيقي سيستغرق وقتاً، وسيتطلب اهتماماً مستمراً، ولن يحدث بين عشية وضحاها، إن حدث ذلك فعلاً".