عودة السفير التونسي إلى دمشق.. كيف يطوي التحول العربي صفحة عشرية النار؟

إعادة تونس فتح سفارتها في دمشق لا تُعتبر خطوةً عادية، كونها هي مَن احتضن ونظّم ما سُمّي بمؤتمر "أصدقاء سوريا" لنزع الشرعية من دمشق واستهدافها، فإلى ماذا تؤشّر عودة السفير التونسي إلى دمشق؟

  • عودة العلاقات الدبلوماسية والتمثيل التونسي بهذا المستوى الرفيع إلى دمشق يعبّر عن قرار سيادي تونسي جريء.
    عودة العلاقات الدبلوماسية والتمثيل التونسي بهذا المستوى الرفيع إلى دمشق يعبّر عن قرار سيادي تونسي جريء.

تحضر تونس بأعلى تمثيلٍ دبلوماسي في دمشق، مُعلنةً عودة العلاقات مع سوريا رسمياً، وهي الخطوة التي تأتي تصحيحاً لخطأٍ تاريخي ارتكبته الحكومة التونسية عام 2012، باحتضان ما سُمّي بمؤتمر "أصدقاء سوريا". وفي خطوتها الجديدة، تؤكّد تونس اليوم، وعبر سياستها الخارجية أن ذلك لم يمثّل أبداً تونس البلد والشعب.

وتبدأ كلٌ من تونس ودمشق، مرحلةً جديدة، بعد ضبط بوصلة العلاقات المشتركة بينهما، حيث يسعى البلدان في المرحلة المقبلة إلى تعزيز التشاور والتنسيق في مختلف القضايا والمسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك.

ويأتي ذلك في إطار سعي الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إلى إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وتصحيح الخطأ الذي أقدمت عليه حكومة حركة النهضة سابقاً.

وتحدّث السفير التونسي في دمشق، محمد المهذبي، للميادين مؤكّداً أنّ هذه الخطوة "تأتي في إطارٍ ثنائي، وأيضاً في إطارٍ عربي"، موضحاً أنّ الجميع "سيُدرك مدى أهميتها"، لافتاً إلى أنّ تونس "بفضل قيادتها استبقت الأمور واختارت الخيار الصحيح في مصلحة الجميع".

وقوبلت عودة العلاقات بين البلدين بترحيبٍ شعبي تونسي وسوري كبيرين، إذ تمثّل هذه الخطوة، بحسب مراقبين، نهايةً لعشرية النار وما سُمّي بـ"الربيع العربي" الذي بدأت نيرانه في تونس. كما أنّها ستُعيد التعاون بين البلدين في كلّ المجالات.

اقرأ أيضاً: الأسد لسعيّد على هامش القمة العربية: نقف معاً ضد التيار الظلامي

من جهتها، أكّدت محللة الميادين للشؤون السياسية والثقافية، ديما ناصيف، أنّ الوضع السياسي في تونس تبدّل من الرئاسة التي كانت في الحكم عند اندلاع الأزمة في سوريا، والتي تبنّت بشكل أساسي سياسةً معادية لسوريا، إلى وصول الرئيس سعيّد، وتبنّي هذا الخطاب لزيادة مستوى التمثيل بين البلدين، وصولاً لهذا اليوم الذي يسلّم فيه السفير التونسي أوراق اعتماده إلى دمشق.

وأضافت أنّ هذه الخطوة سيكون لها انعكاس إيجابي بشكلٍ كبير جداً، خصوصاً وأنّه يوجد ملفّ كبير وواسع عالق بين الدولتين، خاصةً بما يتعلّق بما يُصطلَح على تسميته "بالملف الأمني".

وأوضحت ناصيف أنّ الملف الأمني هو واحد من أهمّ وأبرز الملفات، التي يجب حلّها. وأضافت أنّ هذا "التقدم الكبير في العلاقات سيسهم في ذلك"، مؤكدةً أنّه سيحضر مجدداً على طاولة النقاش بين البلدين.

كذلك، ذكّرت موفدة الميادين إلى دمشق، سميحة البوغانمي، باعترافٍ رسمي تونسي تمّ تأكيده من قِبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بأنّ قطع العلاقات مع سوريا كان خطأً، وأنّه لا يوجد أي مبرر لعدم عودة هذه العلاقات.

كما أشارت إلى  مكانة سوريا وأهميتها بالنسبة لتونس، والتي تسعى اليوم "لتجاوز الخطأ الذي ارتُكب في عهد حكم حركة النهضة وحلفائها سابقاً"، خصوصاً مع اختيارها شخصاً بكفاءة عالية وتاريخ مهني محترم في وزارة الخارجية التونسية.

وأكّدت موفدة الميادين أنّ صفحة عشرية النار في سوريا، طُويَت بالنسبة لتونس، "وستبدأ صفحة جديدة مع سوريا"، مشيرةً إلى أنّ الملفّ الأكثر ضغطاً في الداخل التونسي، والأكثر طلباً هو "فتح الملف الأمني وقضية التسفير".

ولفتت إلى أنّ عشرية النار التي انطلقت من تونس قد انتهت فعلاً بهذه الخطوة، وأشارت إلى أننا أمام عودة إلى متانة العلاقات التونسية السورية التي كانت موجودة قبل عام 2012.

من جهته، أوضح محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، أنّ خصوصية "اتّخاذ القوى الغربية لتونس رأساً للحربة في الحرب على سوريا، جعلها تخطو خطىً ثابتة وحثيثة لكي تستعيد نفسها بالدرجة الأولى، وموقعها السياسي والجيوسياسي في المنطقة، وأيضاً لكي تتفاعل بشكلٍ سبّاق مع التحوّل باتّجاه سوريا.

وأشار عز الدين إلى أنّ التحول العربي الحاصل باتجاه سوريا، "يحرر محور المقاومة من الاحتراب ومن تفتيت المجتمعات، لكي يتفرّغ بأريحية لمناهضة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومواجهة المشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة وتفتيت المجتمعات من جهة أخرى". 

وأكّد محلل الميادين أنّ المشروع الأساسي لتدمير سوريا وتفتيتها، هو مشروع أميركي إسرائيلي استراتيجي جيوسياسي، واليوم تُحبَط هذه القوى، لأنّ هذا المشروع تلقّى صدمة قاصمة بالعودة السورية القوية.

اقرأ أيضاً: سوريا عنوان الحدث العربي.. هل نعت قمة جدّة "عشرية النار"؟

اخترنا لك