"طوفان الأقصى" تعمق خلافات أركان القيادة الإسرائيلية.. أي تأثير على مسار الحرب؟

قراءة في الخلافات بين أركان القيادة الإسرائيلية التي برزت أخيراً إلى العلن، والخصومة العميقة بين متّخذي القرار في كيان الاحتلال كانت قد سبقت عملية "طوفان الأقصى" وهي آخذة في التعمّق.. فكيف ستنعكس هذه الخلافات على أرض المعركة في غزة.

  • الخلافات داخل حكومة نتنياهو عميقة وخرجت إلى العلن
    الخلافات داخل حكومة نتنياهو عميقة وخرجت إلى العلن

رغم حرص القيادة الإسرائيلية التي تدير الحرب ضد قطاع غزة على إظهار التضامن والانسجام، إلا أنّ الأمر وصل على ما يبدو إلى نهاية الطريق، بعد أن طفت خلافات كبار المسؤولين على السطح.

الخصومة بين رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، ليست أمراً جديداً أو مجهولاً إلا أنّها للمرة الأولى تظهر إلى العلن بهذا الوضوح إثر انتقاد نتنياهو العلني لوزير أمنه غالانت خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي المنفرد ليل السبت الأحد، وتحميله مسؤولية المؤتمرات الصحافية المنفصلة.

هذه الحادثة برأي محللين أبرزت الفجوة القائمة بين المسؤولين الأولين عن الحرب، وأنّ حادثة المؤتمر الصحافي ليست سوى رأس جبل الجليد، وهي فجوةٌ نشأت قبل وقتٍ طويل من الـ7 من أكتوبر، ومنذ ذلك الوقت هي آخذةٌ في الازدياد.

خلافات نتنياهو مع القيادة والجمهور عميقة

وفي هذا السياق، قال محلل الميادين للشؤون الفلسطينية والإقليمية، ناصر اللحام، إنّ الخلافات ليست فقط بين نتنياهو و"الجيش"، وإنما خلافاته مع الاستخبارات، والجمهور الإسرائيلي نفسه والأحزاب الأخرى، وبالتالي فإنّ  الهوّة عميقة لا يمكن دفنها، وكان أبرزها خلافات نتنياهو مع غالانت ودعوة الليكود لطرد غالانت فترة التعديلات القضائية.

الخلافات برزت في إخفاقات "جيش" الاحتلال في غزة

بدوره تحدث شارل أبي نادر، محلل الميادين للشؤون الأمنية والعسكرية عن هذه الخلافات وتأثيرها على مسار الحرب، وقال إنّ قرارّ الحرب من القرارات الأساسية الذي تتخذه حكومة الحرب أو الكابينت، وهذا الموضوع لا يتعلق فقط برأي أو بقرار يتعلق برئيس الحكومة لوحده أو بوزير الحرب لوحده.

وأشار أبي نادر إلى أنّ البُعد الرئيسي أو النواة الأساسية لتأثير هذا الخلاف بين وزير الحرب وبين رئيس الحكومة هو في أداء "الجيش" في الأعمال القتالية، وهذا الموضوع نلمسه جيداً في العملية العسكرية داخل غزة، ويظهر أنّ اللاتوازن في الأعمال العسكرية هو نتيجة هذه الخلافات، لذلك نشاهد هذا الأداء المترهل والأداء الضعيف لـ"لجيش" الاحتلال. 

وأعرب أبي نادر عن تقديره بأنّ لهذه الخلافات تأثيرات ميدانية وعسكرية، وقد تكون ربّما هي الأكثر تأثيراً حتى الآن في هذه الحرب، وفي فشل الوحدات الإسرائيلية حتى الآن في تحقيق أي هدف عسكري من الأهداف الرئيسية التي وضعتها "إسرائيل" في حربها ضد في غزة.

الخلافات وصلت إلى كابينت الحرب

وبالنسبة إلى خروج هذه الخلافات إلى العلن، أوضح قاسم عز الدين، محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية أنّ الخلافات ليست فقط بين غالانت ونتنياهو، لكن أيضاً هناك خلافات كثيرة خرجت إلى العلن في كابينت الحرب مثلاً بين بيني غانتس أيضاً وتصريحاته ضد نتنياهو. وهذا يعني عملياً أنّ كابينيت الحرب (أي الحكومة الأمنية المصغّرة) هي "من كل وادٍ عصا"، أي لا يوجد واحد منهم متّفق مع الآخَر إلا في الثانويات.

وبالنسبة إلى إنكار نتنياهو ورفضه لتحمّل المسؤولية عن هذه الحرب، تحدث اللحام عن تدخل الولايات المتّحدة لصالح نتنياهو شخصياً، وتدخّل الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ورئيس "السي آي اي" وقائد الجيوش لإسكات المعارضة الإسرائيلية.

وأعرب اللحام عن اعتقاده بأنّ الموقف الأميركي سوف يتغير وسوف نشاهد معارضة إسرائيلية لها مخالب وأنياب تستطيع أن تهشّم وجه نتنياهو ولا تُبقيه على هذا الغرور الذي شهدناه فيه. 

الهروب إلى الأمام في الحرب.. والاستحقاقات القاتلة بوجه نتنياهو 

وتناول أبي نادر الاستحقاقات العادية القضائية، وقال إنّ هناك جرائم فساد تلاحق نتنياهو، وهو مطلوب للمحكمة بمجرّد أن يترك السلطة، وهذا أمر أساسي ولا بد منه. والاستحقاق الرئيسي هو في اتّجاهين في عملية "طوفان الأقصى"، طبعاً سوف يكون هناك لجان تحقيق هي ربّما العملية الأقسى في الكيان، بداية مسؤولية "الجيش" ومسؤولية السلطة السياسية على "الجيش" ربّما يستطيع أن يهرب من المسؤولية الكاملة في تقاعس فرقة غزة مثلاً في عملية "طوفان الأقصى"، ولكن من يستطيع أن يتهرب من المسؤولية التي سبقت "طوفان الأقصى" والتي أدت إليها، والمتعلقة بسياسة التشدد، بسياسة التنكيل، والاستيطان، والقمع والقتل، والتي أدت بالأساس  إلى هذه الملحمة.

ورأى أبي نادر أنّ نتنياهو في قرارة نفسه لا يريد أن تنتهي الحرب لأنه دائماً وفي اللحظة الأخيرة يضع مصالحه الشخصية تطغى على سياسته، وانطلاقاً من هذا الموضوع فهو لا يريد أن يذهب إلى المحاكمة أو أن يمثل أمام هذه الاستحقاقات القاتلة.

"إسرائيل" كيان منقسم عامودياً

وأكّد قاسم عز الدين، أنّ عملية السابع من أكتوبر والعدوان على غزة لا ينفي كل ما سبق خلال السنتين الماضيتين عندما انكشفت "إسرائيل" بأنها كيان منقسم عمودياً ما بين قوى سياسية وقوى ايديولوجية متناحرة ومتقاتلة بين الطرفين، وهذا يعني أنّ "إسرائيل" إمّا أن تبقى ويعيشون فيها متناحرين أو لا تبقى. لذلك فهم يجتمعون على الحد الأدنى ولا يجتمعون على وجودهم.

وتابع عز الدين، أنّ المسألة الأخرى أنه عندما تذهب "إسرائيل" إلى هذه الحرب بهذا الشكل القتل والتشفّي والإبادة الجماعية فهي تعبّر عن نفسها بأنها "كيان قبلي"، وتضع أهدافاً غير قابلة للتحقيق.

نتنياهو لا يريد توسيع المواجهة في جبهة الشمال

وبالنسبة إلى رفض نتنياهو توسيع الجبهة إلى المواجهة مع حزب الله في "جبهة الشمال"، قال أبي نادر إنّ نتنياهو رجل سياسي وكل خبرته في الكيان هي خدمة سياسية بين عضو كنيست وبين وزير وبين رئيس حكومة، بينما غالانت كان عسكرياً ضابطاً في "الجيش" والآن رئيس الأركان. 

وأشار أبي نادر إلى أنّ النقطة الأساسية الدبلوماسية والتي يراها نتنياهو أبعد من غالانت هي أنّ المواجهة مع حزب الله أو المواجهة على "الجبهة الشمالية" سوف تكون مكلفة جداً للكيان، وهذا الموضوع ربّما لا يراه غالانت مثلما يراه نتنياهو.

وتحدث عز الدين عن الضربة القاصمة للاحتلال التي تخشاها الولايات المتحدة، وأّكد أنه عندما يبدأ "الجيش" بالتفسّخ، فستكون هذه الضربة القاصمة.

كما تطرّق عز الدين إلى ما صرّح به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماركرون، من أنّ  أهداف "إسرائيل" في هذه الحرب تحتاج إلى عشر سنوات هذا إذا ما تحققت، مشيراً إلى أنّ ماكرون لا يقولها من بنات أفكاره لأنّ الجنرالات الفرنسيون بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية عندما أخذوا كل المعطيات وجدوا أنّ أهداف هذه الحرب مستحيلة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك