صيّادو يافا المحتلة في مواجهة التهجير: هذا بحرنا.. وباقون هنا
يتحدث إبراهيم سوري، رئيس لجنة الصيّادين، إلى الميادين نت، عن صيادي مدينة يافا، البالغ عددهم نحو 350 صيّاداً، وعن محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرّة إفراغَ الميناء من الصيّادين الفلسطينيين.
يسعى الاحتلال الإسرائيلي، منذ عقود طويلة، لتهويد مدينة يافا السّاحلية، إمّا عبر استقدام مستوطنين وأثرياء صهاينة، وبيع منازل من تبقّى من الفلسطينيين الذين بقوا فيها بعد النكبة، في المزاد العلني، وإمّا عبر مخطَّطات ومشاريع صهيونية توسّعية، تحت عناوين وذرائع متعدّدة، تَؤُول في نهاية المطاف إلى تهجير أهالي المدينة الأصليين، وإبعادهم عن مدينتهم، حالهم حال سائر أبناء الشعب الفلسطيني في القدس واللدّ ونابلس وعكا والأغوار، وغيرها من المدن والقرى، ممّن طُرد أهلها خلال النكبة إلى كل أصقاع الأرض.
لم يَسْلَم ميناء يافا من محاولات التهجير المذكورة. هذا الميناء القديم والعريق، والذي يمتدّ تاريخه آلافَ الأعوام، اعتُبر ميناءَ فلسطين الأول، وأدّى دوراً استراتيجياً في التجارة والاقتصاد والصناعات والبعثات الدراسية والدبلوماسية وغيرها، خلال فترتَي الانتداب البريطاني والاحتلال العثماني لفلسطين التاريخية، ومَن مرّ قبلهما من الغزاة الطّامعين في بلاد الشام.
معركة صيّادي يافا
محاولة إخراج الصيادين من منطقة الميناء جارية على قدمٍ وساق، وخصوصاً أن وضع مركز الثِّقَل الاستعماري في وسط المدينة يسهّل ذلك، ويفرض وجود المحتلّ، ويهمّش السكان الأصليين.
شركة "أتاريم"، التي تُدير ميناء يافا، وتُعتبَر "السُّلطة لتطوير يافا القديمة"، والتي تأسَّست عام 1968 وتعود 50 % من ملكيّتها إلى وزارة السياحة، وتعود الـ 50 % الأخرى إلى بلدية تل أبيب - يافا، تضع نصبَ عينيها الـمُخطَّطَ الذي رسمه المهندس المعماري الإيطالي لويجي بيتشيناتو في عام 1963، وتم العمل به والتصديق عليه عام 1965.
يشتمل المخطط على جادة من الفنادق الحديثة، ورصيف على طول الساحل، مع تنظيم حركة سير وبناء مرأب سيارات، وتشييد ساحة تشبه "البياتسا" الإيطالية، ومجمّع يتضمّن دكاكين ومقاهيَ تُشرف على البحر. وبدلاً من حي المنشية المهجّر من سكانه والمتاخم للميناء، تَقَرَّر إنشاء مركز لمكاتب كبار رجال الأعمال الإسرائيليين في المدينة. وهو فعلاً ما تمّ العمل به وتنفيذه منذ ذلك الوقت.
ما زالت شركة "أتاريم" تحاول تغيير معالم الميناء اليافاوي التاريخي. يتحدّث إبراهيم سوري، رئيس لجنة الصيّادين للميادين نت، عن صيادي مدينة يافا البالغ عددهم نحو 350 صيّاداً، وعن محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرّة إفراغَ الميناء من الصيّادين الفلسطينيين.
ويقول سوري إن "الصيّادين يَتْبَعون عادةً لوزارة الزراعة الإسرائيلية، إلاّ أننا في يافا، كصيادين فلسطينيين، ننتمي إليها شكلًا، وتتم محاربتنا في المضمون. ننتهي من معركة، فتبدأ الأُخرى".
ويضيف سوري "أننا قمنا بإبرام اتّفاق منذ سنتين مع إدارة الميناء وبلدية تل أبيب - يافا، بعد محاولات حثيثة طوال 6 سنوات من أجل محاربتنا في لقمة عيشنا، عبر مقترحات تقضي بإخلاء المخازن والمراكب التابعة لنا، محاولين إيهامنا بتبعيّتها لشركات خاصة، وبوجوب ترميم الميناء وتجديد منطقة مخازننا وأرصفة مراكبنا، بهدف سلبها منّا، بالإضافة إلى انعدام حق أبنائنا في وراثة المهنة، وغيرها من الأمور".
وتابع "إلّا أن لجوءنا إلى الهيئة الإسلامية المنتخَبة عن المدينة، وتوكيلَ محامٍ من أجل مساعدتنا على الإبقاء على حقوقنا المشروعة، والتي لا يملك أحد الحقَّ في المقايضة عليها أو التفريط بها، حالا دونَ حدوث ذلك. وتمّ ذلك طبعاً في مقابل غرامات مالية طائلة".
يوضح سوري أن "العنصرية التي يتعرّض لها صيّادو يافا، سببُها فقط أنهم فلسطينيون، بحيث يمكن لصيّاد يهودي الحصول على أي ترخيص يريده، وأن يُشغّل معه أيًّا كان. أما نحن فلا يحقّ لنا ذلك. وفي موسم تكاثُر الأسماك مثلًا، يتوقف الصيّادون عن العمل نحو ثلاثة أشهر، وتدفع إلى الصيادين الإسرائيليين وزارةُ الزراعة أجورهم ومستحقّاتهم، إلاّ أنها تمتنع عن ذلك حين يتعلّق الأمر بالصيادين الفلسطينيين في الداخل المحتلّ".
ويشرح مآرب الاحتلال في طمس أيّ معالم عربية في الميناء، ويقول إنه "يمكن للصيادين اليهود رفع أيّ أعلام يشاءُون. أمّا نحن، حين نرفع أعلامنا على مراكبنا، فتهرع مباشرةً عناصر الشرطة من أجل إزالتها. تخبرنا إدارة الميناء بأنها لا تمانع رفعها، ثم نشهد، بعد مرور دقائق، استنفارَ قوات الاحتلال. حتى الدراجات النارية، التي تسهّل تحرّكنا في الميناء، ويتمّ غبرها نقلُ الأسماك التي نقوم باصطيادها، قاموا بمنعها، وتغريم راكبيها بما يقارب 250 دولاراً أميركياً".
ويضيف إبراهيم سوري للميادين نت أن "هذه المحاولات الخبيثة لا تستهدف صيّادي يافا فحسب، بل تستهدف أيضاً سائر الصيادين الفلسطينيين، على امتداد الساحل الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 1948"، مشيراً إلى أن "مدينة يافا تُعتبر رأس الحربة في الداخل المحتل. وحين يسعى الاحتلال لمحاربة الصيادين، يفعل ذلك عن طريق محاربة صيّادي يافا، الذين يشكّلون العدد الأكبر بين سائر الصيادين"، مشدداً على أن "الإسرائيلي يدرك شدّة بأس اليافاويين، متوهّماً أنه إذا كسر إرادتهم فإنه سينال من غيرهم".
الريّس إبراهيم سوري هو أحد سكّان حي العجمي المهدَّد بالتهجير. وكانت شرطة الاحتلال أطلقت الرصاص المطاطي على وجهه على نحو مباشِر ومتعمَّد، بعد أن قام بتوثيق اعتداء عناصر شرطة الاحتلال والقوات الخاصة على سكّان الحيّ وشتمهم وشتم معتقداتهم بطريقة استفزازية، هدفها دفعهم إلى مواجهات مع الشرطة، من أجل الاعتداء عليهم واعتقالهم. وهذا فعلاً ما حدث مع سوري خلال أحداث أيار/مايو الماضي، في معركة "سيف القدس"، التي رافقتها هجمة المستوطنين المسعورة على مدن الداخل الفلسطيني المحتل، على وجه الخصوص، كما أكد لـ الميادين نت.
حربٌ في الميناء.. وأُخرى في الأحياء
تزامناً مع هبّة أيّار/مايو في الداخل الفلسطيني المحتل، تلقّى إبراهيم سوري وغيره من الفلسطينيين في أراضي الـ48 أمرا إسرائيلياً بإخلاء منزله، الذي تسكن فيه عائلته منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي للمدينة العريقة. ومن دون سابق إنذار، وكّلت "دائرة أراضي إسرائيل" شركة "عميدار" للإسكان عَرضَ أكثر من 2000 بيت في مدينة يافا المحتلة في المزاد العلني، من أجل بيعها لمستثمرين، هم في الأصل أثرياء صهاينة من أوروبا وأميركا. ومن ضمن هذه البيوت كان منزل عائلة سوري.
يشرح إبراهيم سوري للميادين نت أن "عدداً من سكان حيّ العجمي لا يدركون كيف يتصرّفون قانونياً، ويتمّ دفعهم بالقوة من جانب شركات الإسكان الإسرائيلية من أجل تهجيرهم، وبالتالي إفراغ الأحياء الممتدّة على خطّ البحر، بصورة كاملة، بسبب مكانتها الاستراتيجية، وقربها من الميناء".
ماذا بعد محاولات التهجير؟
يقف أهالي يافا يداً واحدة أمام محاولات التهجير الإسرائيلية، والتي تطال المدينة وسكّانها. وينظّمون من أجل ذلك مبادرات شبابية ومبادرات فرديةـ، ويعملون على عَقد اجتماعات وتشكيل لجان، والتوجُّه إلى جميع الجهات المحلية والدولية، والتي يمكنها الحَؤول دونَ طرد السكان الفلسطينيين، إلاّ أن كلّ ذلك يبقى رهن قرار واحد من مسؤول تابع للاحتلال في البلدية، أو الحكومة، أو جهاز الشرطة.
وأكّد ناشطون فلسطينيون، من أراضي الـ48 المحتلة، للميادين نت، أن "الاحتلال الإسرائيلي يُطلق النار، على نحو مباشِر، على صيّادي غزة، في حين يلاحقهم في لقمة عيشهم، وعبر مصادرة مراكبهم وتغريمهم في الداخل. وذلك لا يجعلنا نَغْفَل عن حقيقة مفادها أن المحتلّ يسعى، عبر مختلف الوسائل، على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، لهدف واحد هو محاربة كل مَن يعترض طريق مشروعه الاستعماري".
ويؤكد إبراهيم سوري للميادين نت أنه "ما دام هناك مَن ينطق بكلمة حق في الداخل المحتل، فستتم محاربته في جميع الوسائل المتاحة للاحتلال، وتحت أي ذريعة كانت".
ويشدّد على أن "الاحتلال لا يريدنا أن نعي حقوقنا، أو أن نطالب بها.. يريدنا مجرد بيادق، وإلاّ فنحن مخرّبون نستحقّ العقوبة، إلا أننا باقون هنا في بحرنا ومدينتنا ومينائنا، على الرغم من كل محاولاته".