سوريا في 2021: استقرار سياسي وتقدم ميداني.. والاقتصاد ضمن الأولويات
رغم الحرب والضغوطات الخارجية، من حصار وعقوبات وتآمر دولي، تتمكن سوريا من استعادة دورها الفعلي داخلياً وخارجياً، ويترافق ذلك مع تقدم ميداني في محافظاتها، واتفاقيات ومعاهدات.
أعوام عجاف مرت على سوريا، بدأت ملامحها تنقشع في السنوات الأخيرة من عمر الأزمة السورية، حلول وانفراجات خففت من وطأة العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد، في محاولة لشد الحبل حول رقبة السوريين، وتضييق خناق الحرب وتبعاتها عليهم.
اليوم يختلف المشهد، انتخابات رئاسية مرت بسلام، وشكلت استمرارية لمرحلة الاستقرار التي تخطو نحوها سوريا، مصالحات وتسويات شملت الجغرافيا السورية من الشمال حتى الجنوب، تقدم ميداني للجيش السوري أعاد معظم المناطق من سيطرة المجموعات المسلحة إلى الكنف السوري، ورغم تأثير العقوبات على الحالة الاقتصادية العامة، إلا أن بعض الإجراءات اتخذتها الدولة السورية، ساهمت في تخفيف الفجوات المعيشية.
بشار الأسد رئيساً للمرحلة القادمة
لم يتوقع الغرب إتمام سوريا الانتخابات الرئاسية بهذه السلاسة، ثلاثة مرشحين وضعت صورهم على البطاقات الانتخابية، بشار الأسد، عبد الله سلوم عبدالله، ومحمود مرعي، في مراكز اقتراع وصل عددها إلى 12 ألف مركز في مختلف أنحاء البلاد، وسط إقبال كثيف للناخبين، حتى في مناطق سيطرة "قسد" في الشمال السوري.
رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ أعلن في تموز/يوليو نتيجة الانتخابات بفوز الأسد وحصوله على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين بنسبة 95.1 بالمئة، أي ما يعادل 13.5 مليون صوت من أصل 14 مليون من المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب في الداخل والخارج السوري.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية اعتبرت تعليقاً على ذلك، أن إجراء سوريا الانتخابات الرئاسية في موعدها يعد فشلاً للسياسة الأميركية، فضلاً عن "تحديها الدبلوماسية الأميركية وحلفاءها لعقد من الزمن".
وعلى لسان السفير الأميركي السابق لدى دمشق، روبرت فورد، جاء الاعتراف بأن "الانتخابات السورية لها دلالات غير خافية عن أحد، فهي تدل على غياب أي نفوذ للولايات المتحدة، والقوى العظمى، مثل الولايات المتحدة الأميركية، لا تستطيع إزاحة هذا الشخص.
أما الأسد فقد تحدث للشعب السوري بمرحلة جديدة، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد تحديثاً للقوانين، وكشفاً للفاسدين، دون تساهل، متوجهاً إلى كل من غُرر به وراهن على سقوط الوطن بأن يعود إليه، ومكرراً: "نقول لمن غُرر به أنه تمّ استغلاله ضد بلده من قبل أعدائه، وأن الوطن هو الملجأ والحاضن، والشعب كبير بقلبه ومسامح"، في إشارة منه إلى استمرار المصالحات والتسويات لمن أراد العودة إلى رشده.
تسويات ومصالحات بالجملة
لم تتوقف عجلة المصالحات وتسوية أوضاع السوريين الذين انضموا خلال سنوات الحرب إلى المجموعات الإرهابية المسلحة، وتصدرت درعا المشهد، حيث شملت المصالحات مناطق واسعة من المحافظة، مثل درعا البلد، وأبناء بلدات المتاهية وندى والعمان.
بالإضافة إلى الجيزة وبلدات صيدا والنعيمة وكحيل بريف درعا الشرقي، المزيريب وطفس واليادودة والصنمين، وكلها مناطق كانت قد شهدت مواجهات مباشرة بين الجيش السوري والمسلحين، كما انطلقت منها أعمال قنص واختطاف للمارة.
ولم تختلف الصورة في الشمال السوري حيث دير الزور فقد شهدت عملية تسوية شاملة امتدت لأيام، وانتقلت إلى مدينة الميادين بريف المحافظة الجنوبي الشرقي، حيث انضم مئات الأشخاص من بينهم مطلوبون وعسكريون فارون ومتخلفون عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية إلى التسوية. كما شهدت محافظة القنيطرة، والسويداء، ومناطق من ريف دمشق، تسويات وإفراجات عن عشرات الموقوفين.
وتضمنت الخطوط العريضة لمعظم التسويات جمع كل السلاح الموجود لدى المسلحين وتسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين الراغبين، وتسليم متزعمي المسلحين سلاحهم الخفيف والمتوسط والثقيل. بالتوازي، مع دخول الجيش السوري إلى المناطق كافة التي ينتشر فيها مسلحون، والتفتيش عن السلاح والذخيرة، وعودة مؤسسات الدولة إلى كل المناطق، ورفع علم الجمهورية العربية السورية فيها.
ترافقت التسويات في درعا مع عمليات نوعية للجيش السوري
أما ميدانياً، فقد عمل الجيش السوري على تطهير مناطق جديدة من الجغرافيا السورية خلال عام 2021، منها مناطق في حلب تزامنت مع تعزيز تواجده بعد مواجهة مسلحي درع الفرات وغصن الزيتون التابعين لتركيا. بالإضافة إلى ريف إدلب الجنوبي بعد اشتباكات مع تنظيم "جبهة النصرة" المتمركز هناك، نزولاً إلى تحرير معظم قرى سهل الغاب من الجماعات المسلحة.
كما ترافقت التسويات في درعا مع عمليات نوعية للجيش السوري، حيث تمركزت القوات في قرى نصيب وأم المياذن والطيبة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة درعا، كما عززت وحدات من الجيش مواقعها في ريف درعا الشمالي الغربي في منطقة حوض اليرموك والريف الشمالي.
وفي الرقة، قام الجيش السوري بحملة تمشيط واسعة ضد خلايا "داعش" في الريف الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش السوري وما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ريف الرقة. وخلال الحملة، تم تطهير باديتي الرصافة وصفيان بالإضافة إلى جبل البشري، بهدف تأمين الريف الواصل بين محافظات ديرالزور والرقة وحماة بشكل كامل، والقضاء على أي نشاط لخلايا "داعش" في المنطقة.
يمكن القول إن عام 2021 كان عاماً محورياً للجيش السوري، حيث بادر بالهجمات على مواقع المسلحين وتمكن من طردهم منها أو إجبارهم على تسليم سلاحهم. وأصبح بالإمكان عند النظر إلى الخريطة السورية الإشارة إلى مساحة عظمى تحت سيطرة الدولة، وبضع نقاط لا زالت تحت سيطرة المجموعات الإرهابية أبرزها في إدلب والرقة، بالإضافة إلى مناطق تسيطر عليها "قسد" في الحسكة.
انفراجات اقتصادية داخلية وخارجية
قوبلت الصعوبات الاقتصادية التي شهدها عام 2021 إثر العقوبات الأميركية، بمراسيم أصدرها الأسد في إطار سعي الدولة السورية لدعم معيشة المواطن، وفقاً للإمكانيات المتوفرة والمتاحة والوفورات المحققة، في ظل حصار جائر وعقوبات قسرية غير مسبوقة في التاريخ الدولي.
ولأول مرة في عام واحد، يتم إصدار مرسومَين بزيادة رواتب العاملين في الدولة ورفع الحد الأدنى للأجور، ليصبح 92970 ليرة سورية شهرياً، كما شهد العام نفسه مرسومَين بصرف منحتان للموظفين السوريين كل منها بقيمة 50 ألف ليرة.
مع الأخذ بعين الاعتبار ما هو متوافر في الميزانية العامة للدولة، وإمكانية تغطية الزيادة من دون آثار سلبية، وتحديداً ألا تتسبب بحصول التضخم، وكذلك المحافظة على قيمة الليرة السورية. حيث بينت المصادر أن الحكومة كانت بين خيارين إما زيادة كبيرة تتبخر بالتضخم من خلال طبع مزيد من العملة لتغطية الفوارق، أو زيادة واقعية ومفيدة من خلال ما هو متوافر.
وجرت تغطية زيادة الرواتب والتعويضات من الضرائب والرسوم التي تم تحصيلها من كبار المكلفين، ومن خلال رفع أسعار بعض السلع، إضافة إلى الموارد العامة لخزينة الدولة التي تحسنت في الآونة الأخيرة نتيجة تحديث بعض القوانين الضريبية.
أما خارجياً، فقد عادت لخط الغاز العربي مهمته، وجرى العمل على وضع خطط لإعادة ضخ الغاز المصري عبره نحو لبنان، في اتفاقية قيل أنها ستبدأ فعلياً قبل نهاية عام 2021 بعد انتهاء أعمال الصيانة بين الجانبين السوري واللبناني.
واتفق وزراء النفط والطاقة في كل من سورية والأردن ومصر ولبنان في اجتماع عقد في العاصمة الأردنية عمان في 8 آب/أغسطس على خريطة طريق لإمداد لبنان بالغاز المصري. ووافقت سورية على طلب الجانب اللبناني المساعدة في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان وذلك خلال جلسة محادثات سورية لبنانية عقدت في دمشق.
كما أعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة، حيث أكد مسؤولون أردنيون وسوريون في أعقاب افتتاحها أن الهدف من هذه التفاهمات هو تعزيز التبادل التجاري بين البلدين لتحقيق مصلحة كل من الطرفين، وفي إشارة إلى أن سوريا تعد بوابة مهمة لعبور المنتجات الوطنية إلى لبنان وتركيا والدول الأوروبية، عدا أنها بوابة لاستيراد المواد الأولية من هذه الدولة بتكاليف أقل مقارنة بالوسائل الأخرى المتاحة.
كما مددت سوريا والعراق آفاق التعاون الاقتصادي بإبرام 8 مذكرات تعاون اقتصادي في مجالات مختلفة على غرار الإعمار والإسكان والاستثمار والتعليم والسياحة. وتضمنت خططاً لتأمين احتياجات السوق المحلية السورية من بعض المواد ليصار إلى دراستها، وإعداد خطة مقابلة لها تتضمن المواد التي يمكن لسوريا تصديرها إلى الأسواق العراقية.
وامتد الانفتاح الاقتصادي العربي نحو الإمارات التي أجرى وزير اقتصادها اجتماعاً مع نظيره السوري وتم الاتفاق على خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واسكتشاف قطاعات جديدة، بالإضافة إلى زياة قام بها وزير الخارجية الإماراتي طحنون بن زايد.
من جانب آخر، وخلال اجتماع بدمشق بين الأسد ومسؤولين روس، أكدت موسكو عزمها على مواصلة العمل مع سوريا، وشملت المباحثات التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي والزراعي والاستثماري والجمركي. وجاء ذلك، بالإضافة إلى تعاون في قطاعات الطاقة والنقل البحري والسكك الحديدية والمنتجات الطبية والأدوية والاتصالات والتقنيات الرقمية، وتسهيل إيصال السلع الروسية إلى السوق السورية، وتوفير البيئة المناسبة لإقامة مشروعات تنموية واقتصادية.
أما إيران، فقد جمعتها بسوريا أيضاً عدة اتفاقيات اقتصادية هذا العام، كما تم افتتاح مركز إيران التجاري بالمنطقة الحرة في العاصمة دمشق، وكشفت منظمة تنمية التجارة في إيران عن مشروعٍ مشتركٍ مع سوريا لتأسيس بنكٍ مشترك يهدف إلى تسهيل التجارة والتبادل المالي بين البلدين، سيكون أساسياً لدعم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مؤخراً، وسيسهم في تسهيل نشاط رجال الأعمال.
2022: حصد النتائج؟
في ضوء ما تم ذكره، يبدو أن حقبة الانفراجات في سوريا بدأت تتضح معالمها، وقد رُسمَت في العام 2021. أما في 2022 فينتظر السوريون حصد النتائج الفعلية للاتفاقيات التي جرى توقيعها على أرض الواقع، في وقت عادت فيه الأوضاع الأمنية إلى الاستقرار نوعاً، وشهدت المحافظات السورية بأغلبيتها عودة للحياة الطبيعية.