رسائل "مونديال قطر": من قضية فلسطين إلى قيم العائلة

مشاهد عديدة رسخها مونديال كأس العالم في قطر على الصعيدين السياسي والاجتماعي، بدءاً من قضية فلسطين المحتلة، وصولاً إلى القيم الاجتماعية العربية.

  • رسائل مونديال قطر: من فلسطين إلى العائلة
    رسائل مونديال قطر من فلسطين إلى العائلة

"فلسطين حاضرة في مونديال قطر. من دون مبالغة، يمكن اعتبار فلسطين الفريق رقم 33 في المونديال" - مراسل صحيفة "الإندبندنت" البريطانية

لم تغب فلسطين وقضيتها عن الجماهير المشاركة في مونديال قطر، بل كانت محوراً رئيسياً في كل مباراة. وقد شكلت حالة التعاطف العربية والأجنبية الشعبية التي أظهرتها الجماهير بمختلف جنسياتها، وذلك بالالتفاف حول القضية الفلسطينية ومقاطعة وسائل الإعلام الإسرائيلية في قطر وإطلاق شعارات داعمة لفلسطين، فرصة ذهبية للشعوب العربية من أجل مناهضة التطبيع.

شكّل انطلاق المونديال في قطر، كما ظهر في منصات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل إعلام عالمية، حالاً من الرفض العربي للوجود الإسرائيلي، إذ انتشرت ظاهرة مقاطعة الإعلام الإسرائيلي الذي حاول جاهداً إثبات وجوده بأكثر من طريقة، إلا أنه فشل في ذلك. ظهر ذلك جلياً من خلال المشاهد التي أظهرت الشباب العربي وهو يقطع الطريق أمام المحاولات الإسرائيلية للظهور بصورة "الكيان الطبيعي" في المنطقة.

ومن أهم المشاهد التي رُسخت في هذه المناسبة كان العلم الفلسطيني الذي رفع بين زحمة أعلام الدول المختلفة طيلة فترة المونديال.

وعلق مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية، مايكل صافي، على انتشار العلم الفلسطيني في كل مكان في قطر، قائلاً في تسجيل مصور: "رجعت للتو من قطر. أينما ذهبت، سواء ملاعب كأس العالم أو الأسواق العامة، كنت أجد الناس يحملون الأعلام الفلسطينية. لقد شاهدت الرفض الإسرائيلي الواضح من قبل الشعوب العربية".

الاستياء الإسرائيلي الواضح ظهر جلياً من خلال التحليلات التي نشرت عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية. صحيفة "معاريف" نشرت تحليلاً أوضحت فيه أن "الاحتفالات المغربية في كأس العالم أثبتت أن العالم العربي بعيد كل البعد من التطبيع مع إسرائيل".

لم يقتصر الانزعاج الإسرائيلي على ذلك، بل تعداه ليشمل الاعتداء الإسرائيلي الواضح على الفلسطينيين في القدس المحتلة، الذين رفعوا أعلام الدول العربية الداعمة لفلسطين، ومن بينها المغرب تحديداً.

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: العرب في مونديال قطر يبتعدون عنا ويرفضون التطبيع

مع الارتباك الإسرائيلي أمام الالتفاف الجماهيري العربي حول القضية الفلسطينية في مونديال قطر، عنونت الإعلامية الإسرائيلية ميخال أهروني مقالها في صحيفة "إسرائيل هيوم" بجملة: "الفلسطينيون كلهم في قطر. الواقع محرِج"، وتحدثت فيه عن حال من التفوق الفلسطيني خلال كأس العالم.

اقرأ أيضاً: التضامن العالمي مع القضيّة الفلسطينية في كأس العالم بين الواقع والمأمول

محاولات أوروبية لتسييس المونديال

الرسائل السياسية في قطر لم تقتصر على القضية الفلسطينية، بل كانت الحرب في أوكرانيا حاضرة خلال فعاليات كأس العالم، بدءاً من منع روسيا وإقصائها من تصفيات القارة الأوروبية المؤهلة للنهائيات في محاولة لتسييس الموضوع، لكن ذلك تبعه أيضاً منع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من إلقاء "رسالة السلام العالمي" قبل انطلاق نهائي مونديال قطر.

كذلك، برزت محاولات بعض الجهات الدولية من أجل فرض دعم أوكرانيا على الجماهير الموجودة في المونديال، إلا أنّ الدعاية الغربية لم تستطع فرض أهدافها، وبقيت الحرب الأوكرانية بعيدة من الجماهير، باستثناء محاولات بسيطة جداً، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عالمية.

وفي الآونة الأخيرة، شنّ بعض الدول الأوروبية هجوماً لاذعاً على قطر، ليردّ رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو "ردّاً صارماً" على قيام الدول الأوروبية بهذا الهجوم فيما يخصّ استضافة قطر للمونديال، في محاولة لشحن الأجواء في الدوحة ضد العرب ككل على خلفية عنصرية.

وفي ضوء ذلك، توجهت الفيفا برسالة إلى اتحادات كرة القدم لجميع الفرق المشاركة في هذه المسابقة، وطلبت منهم التعليق على قضايا كرة القدم فقط، وعدم الضغط على الدوحة أو توجيه انتقادات إليها بأي شكل من الأشكال.

في المقابل، لم تأل وسائل الإعلام الغربية، ولأسباب سياسية، جهداً من أجل منع إقامة هذه البطولة الدولية بسلاسة ومن دون أي مشاكل، فكانت تختلق الأعذار، وتنتهز أي ثغرة لتشويه صورة بعض الدول المشاركة وتسييس المونديال، كما جاء في الإعلام المحلي القطري.

وتبنّت الدول الأوروبية الإجراءات الدعائية عبر استغلال قرار حظر المشروبات الكحولية في الملاعب، ولكن ذلك لم يتعدَّ كونه أداة للضغط من أجل اختلاق مشاكل من دون أي قاعدة جوهرية.

المثير للاستغراب، وفقاً لوسائل الإعلام، أن الدول التي لطالما رددت شعار "كرة القدم ليست سياسية"، ولا يجب استغلالها بذرائع مختلفة، هي نفسها اليوم، في سلوك متناقض، من أكبر المساهمين في التحريض السياسي فيما يخصّ مونديال 2022.

اقرأ أيضاً: قطر: نرفض بشكل قاطع ادعاءات الاتحاد الأوروبي التي تربط حكومتنا بأي تجاوزات

مونديال قطر.. الدفاع عن القيم

الكثير من النقاط الإيجابية ظهر جلياً خلال "مونديال قطر"، من أبرزها فرض البُعد الثقافي العربي إيقاعه على التغطيات الإعلامية على هامش مباريات كرة القدم في قطر. كانت نقلة نوعية في الصور، إذا ما قورنت بالبطولات السابقة على مقاعد الجماهير، إذ يصدّر المونديال صور العائلة أولاً، والتراث العربي في التغطيات البصرية ثانياً.

وقد حاولت عدسات المصورين البحث عما هو جديد ومشوق وغير مألوف، وحظيَ الزي التقليدي العربي باهتمام الكاميرات ورصدها.

وقد أثير جدل واسع في أوروبا ودول العالم قبل أشهر حول قوانين قطر في بعض الحريات الشخصية، ولكن زال الكثير من هذه المخاوف بعد التصريحات الرسمية للمختصين بتنظيم بطولة كأس العالم، والتي حثت على "احترام عادات الشعوب وتقاليدها بمختلف هوياتها من دون تأثير في العادات والقوانين المحلية"، قائلين: "مثلما ستحترم قطر عادات وتقاليد الضيوف من الدول المختلفة أيضاً، نحن نعتقد أن من واجب الضيوف والزوار أثناء كأس العالم احترام عاداتنا وتقاليدنا في المنطقة".

ومن ضمن النقاط التي ظهرت إلى العلن، الرفض العربي الواسع لمحاولات الغرب فرض القيم التي يرفضها المجتمع العربي (الأمر لا يتعلق بهذه العادات بحد ذاتها، بل بما يرفضه المجتمع وما يتقبله، وهذا حق له). كريستوف إيرهارت، مراسل صحيفة "فرانكفورتر العامة" الألمانية في الشرق الأوسط، تحدث في مقال قبل أيام عن الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه بلاده بعدم استثمار مونديال 2022 لتعزيز علاقتها وثقتها مع الدول العربية.

وأكد المراسل الألماني أنَّ الدوحة نجحت في تحقيق هدف مهم من أهدافها في تنظيم كأس العالم، وهو تحويل مونديالها إلى "مونديال كل العرب"، موضحاً أن هذه النسخة "العربية" للمونديال جمعت العرب اليوم في خط واحد رافض لـ"التعالي الألماني خاصة، والغربي عامة"، في التعاطي بشكل انتقائي مع ملف حقوق الإنسان.

اجتماعياً.. المونديال يجمع العائلة

أعاد المونديال معه قيماً وثقافات كانت قد بدأت بالتلاشي مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي الذي سبب عزلة اجتماعية في العائلات، وأعاد ملامح العائلة المتكاملة التي تنتظر المباراة يومياً، وتجتمع وتتنافس في التشجيع. بدت البيوت كأنها في حال من التأهب، صغاراً وكباراً، وكان الأزواج ينسجون خططاً جديدة في كيفية ترتيب الجلسات وسط حضور أفراد العائلات الممتدة، مع إيقاف أي نشاطات اجتماعية خارج أجواء المونديال.

ليست "الدوحة" وحدها من استعد لاستقبال مباريات كأس العالم بحفاوة، فقد كان ذلك حال الكثير من الأسر التي حضرت في منازلها ورتبت أولوياتها استعداداً لحضور المباريات.

من جهة أخرى، عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المنشورات الطريفة التي طالت حال بعض الأسر والعائلات التي يتابع أفرادها كأس العالم، والتي عاشت حالاً كبيراً من التوتر خلال أيام المونديال.

اقرأ أيضاً: البرلمان الأوروبي يؤكد للميادين تعليق أنشطة مرتبطة بقطر إثر أزمة الفساد

  • سفيان بوفال يحفل مع والدته في الملعب
    سفيان بوفال يحتفل مع والدته بعد التأهل لنصف نهائي كأس العالم - مونديال قطر 2022

وقد اختلفت فعاليات كأس العالم لهذا العام عن غيرها، بحسب التقارير التي نشرت، بتزامنها مع فصل الشتاء الذي يتميز بترابط العلاقات الاجتماعية الأسرية، إذ تكون العائلة أقرب إلى بعضها البعض، وتقضي وقتاً أطول معاً. ومن جهة أخرى، تقل المناسبات الاجتماعية التي عادة ما تكثر في فصل الصيف.

لكن البارز في مونديال هذا العام كان الدعم العائلي للاعبين على وجه الخصوص على أرض الملعب، كما حصل مع المغرب، عندما انتشرت مشاهد لأحد اللاعبين وهو يحتضن والدته بعد انتهاء المباريات. هذا الدعم كان بمنزلة دعم للقيم العربية ورد واضح على كل من يحاول فرض قيم غربية على المجتمع العربي.

ولعلَّ رفع ليونيل ميسي كأس بطولة العالم مرتدياً العباءة العربية أصدق وأفضل تعبير عن القيم التي ظهرت في مونديال قطر.

اقرأ ايضاً:بالعباءة العربية.. ميسي يرفع كأس العالم مطلقاً أفراح الأرجنتينيين (فيديو)

 

اخترنا لك