حملة أميركية ضد البابا فرنسيس.. ما خلفياتها؟

اتهاماتٌ جاهزةٌ وتوصيفاتٌ مدروسةٌ، صدرت عن الإمبريالية الأميركية وملحقاتها في المؤسسات الدينية ضد البابا فرانسيس، بسبب تصريحاته الداعمة لروسيا. وتبين أنّ الانتقادات الأميركية لها خلفيات أخرى.

  • حملة أميركية ضد البابا فرنسيس.. ما هي خلفياتها؟
    البابا فرنسيس. 

ثارت الإمبريالية الأميركية وملحقاتها في المؤسسات الدينية، ضد البابا فرانسيس، لمجرّد وصفه روسيا بـ "الأم العظيمة والثقافة العظيمة". ووصلت الحملات والانتقادات ضده إلى المحافظين الأميركيين الكاثوليك، الذين وصفوا البابا بـ"المتخلف". 

كذلك، لم تتأخر أوكرانيا عن المشاركة في الحملة، فاستنكر متحدّثٌ باسم الحكومة ما زعم أنها دعاية "امبريالية روسية". 

صدرت اتهاماتٌ جاهزةٌ وتوصيفاتٌ مدروسةٌ، من دون مراعاة موقع البابا الديني والمعنوي، ومن دون التدقيق أو البحث عن مقاصد رأس الكنيسة في ما خص تقديره للأمة الروسية. 

وكان البابا قد اتهم بعض زعماء الكنيسة الكاثوليكية الأميركية بـ"التخلي عن المذاهب المسيحية لمصلحة الأيديولوجيات السياسية"، لكنه أوضح بأنه "لم يكن ينوي تعزيز طموحات الامبراطورية لأي شخص، وإنّما كان الأمر مجرّد تشجيعٍ للشباب الروسي على الترويج لأفضل ما في ثقافته".

هذا الفيض من الحقد والإساءة للبابا ليس وليد ساعته، ولا يتعلق حصراً بتقييماته وتصريحاته الأخيرة. كما أنّ عين النخب السياسية والدينية التي تتحكم في العقلين الأميركي والغربي لا تتوقف عن التدقيق في توجهات البابا فرانسيس ولا سيّما منذ الحرب الاوكرانية في شباط/فبراير 2022، علماً أنّ البابا دعا مراراً الى حلٍّ سلمي للحرب الروسية الاوكرانية، عارضاً توسط الفاتيكان بين الجهتين. 

الحملة ضد البابا جائت على خلفية انتقاده للسياسة الأميركية

من جهته، أوضح محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، موسى عاصي، أنّه بعد أقل من عام على وصول البابا فرنسيس إلى الفاتيكان، "بدأت الانتقادات تأتي من قبل الكاثوليك الأميركيين ومن المحافظين الأميركيين".

وهذه الانتقادات "جاءت على أساس التنديد الذي كان يقدمه البابا  للرأسمالية، وأيضاً للتعاطي مع البيئة بشكل خاص ولسياسة الرأسمالية في البيئة وفي العالم بشكل عام"، مؤكداً أنّ "هذه الرؤية تختلف تماماً مع رؤية الكاثوليك الأميركيين". 

كذلك، أكّد محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية، منذر سليمان، أنّ مجيء البابا فرنسيس لم يكن ضمن السياق التقليدي الذي يرغب به المحافظون في الولايات المتّحدة، فـ "هو  من أصول أرجنتينية، وليس أوروبياً". كما قال إنّ البابا انتقد شركات الأسلحة، وانتقد الحروب، كما قال في قضية المثليين أنها خطيئة وليست جريمة". 

من ناحية أخرى، اعتبر محلل الميادين للشؤون الاوراسية والدولية، مسلم شعيتو، أنّ المسألة أيديولوجية، شارحاً أنّ "الولايات المتّحدة تتخلى عن قيمها، علماً أنّ القيم التي تمتلكها هي قيم مسيحية". لكن المعتقد الجديد الذي تحاول واشنطن تعميمه، هو الشذوذ، وفقاً لشعيتو، "وبالتالي التهجم على البابا هي فرصة من أجل نشر هذه المبادئ والقيم الجديدة وتعميم هذه الايديولوجيا". 

صراعٌ داخل الكنيسة.. والمخابرات الأميركية تتنصّت على انتخابات الفاتيكان

بدوره، أكّد شعيتو أنّ صراعاً يجري داخل الكنيسة، إذ نرى استعجال البابا لتعيين الكرادلة، "وهم أغلبهم يحملون الفكر والقناعة التي يؤمن هو بها". 

وكشف سليمان أنّ المخابرات الأميركية زرعت معاونين داخل الفاتيكان، وثبت من بعض المصادر، أنّه عندما يجتمع الكرادلة لانتخاب البابا، يتم محاولة منع إمكانية وصول أحد إلى المعلومات عن أي اجتماع.

كما كانت الشركات التقنية الأميركية والاستخبارات الأميركية "تعتمد على بعض الأشخاص في الوصول إلى معرفة طبيعة المداولات التي تجري داخل الجمع الكاردينالي لانتخاب البابا"، وفق سليمان. 

ولفت عاصي إلى أنّ الكاثوليك المحافظون في الولايات المتّحدة يريدون بابا "بعيداً عن المواقف الانسانية الاجتماعية التي يطرحها اليوم البابا فرانسيس"، ومشابهاً تماماً الى يوحنا بولس الثاني، البابا الذي حكم الكنيسة منذ العام 1985 وحتى العام 2005، وكان محارباً شرساً ضد الشيوعية وساهمت مواقفه وخطبه بتأليب الرأي العام لا سيّما في الدول الشرقية". 

الفاتيكان والقوّة الناعمة 

كما أشار عاصي إلى أنّه "إلى حد بعيد، الكاثوليك الأوروبيون يحتفظون باحترام واسع للبابا والفاتيكان بشكل عام" خلافاً للكاثوليك الأميركيين، ولكن هناك "اختلافات عميقة في الرؤية لإدارة شؤون العالم" بين البابا فرانسيس وبين القادة السياسيين في أوروبا، موضحاً أنّ البابا يركّز على "المهاجرين واللاجئين في أوروبا". 

وبشأن القوة الناعمة التي تمتلكها الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، بيّن سليمان، أنّ لها تمثيل دبلوماسي على الصعيد العالمي لأكثر من 170 دولة على الأقل، ولها شبكة إعلامية وتعليمية واسعة، بالإضافة إلى قمر صناعي تم إطلاقه منذ العام 2000،  مشدداً على أنّ "شخصية البابا لها دور أساسي في كيفية أن تكون هذه القوة المعنوية مسألة ايجابية أو سلبية للبشرية وللعالم وللصراعات العالمية القائمة". 

اخترنا لك