"جيش" ذوي الإعاقة في العراق.. لا أحد يمثلنا
ذوو الإعاقة، فئة مهمشة في المجتمع العراقي، يغيب الحديث عنها لأربع سنوات، ثم يعود إلى الواجهة قبل كل دورةٍ انتخابية، ويتسابق المرشحون من كل حدبٍ وصوب نحوهم لكسب أصواتهم في صناديق الإقتراع، والذريعة مساعدتهم للوصول إلى المراكز الانتخابية.
مهما حاولت أن تتخيلّ حجم المعاناة التي يعيشها نظيرك من ذوي الإعاقة، فإن مخيلتك لن تسعفك في إدراك حجم الصعاب التي يواجهها يومياً في أغلب المجتمعات العربية، وتحديداً في العراق.
فريق "المياين.نت" توجه إلى "تجمّع المعوقين في العراق"، ومقره في بغداد، ليرصد معاناة هذه الفئة ولينقل مطالبهم ويوصل رسالتهم إلى المعنيين.
جيش "ذوي الإعاقة" في العراق، قد يظن القارئ بأن العنوان فيه نوعٌ من المبالغة والتضخيم، ولكنه حتماً سيوافقنا الرأي عندما يعلم أن العراق يضم أكبر عدد من ذوي الإعاقة في العالم، وأن عدد هذا الجيش الذي يتجاوز 4 ملايين معوق بحسب مركز "تجمع المعوقين في العراق"، يفوق تعداد الجيش الصيني الذي يحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد الجنود الفاعلين في الخدمة، ويتجاوز بثلاثة أضعاف عديد الجيش الهندي الذي يحتل المرتبة الثانية عالمياً، وكذلك الجيش الأميركي المصنّف من حيث عدد جنوده في المرتبة الثالثة.
من حقنا المشاركة في الإنتخابات
توجهنا إلى "تجمّع المعوقين في العراق"، وفي طريقنا صادفنا علي عبد الحسين تركي، كان يتكئ على عكازتين، ويستعين بهما للوصول إلى المركز، الطريق طويل، ودرجة الحرارة اليوم في بغداد تجاوت الـ 40 درجة مئوية، ينقّلُ علي خطاه بحذر، فأي خطوة غير محسوبة، ستكون مكلفة جداً، فأغلب الشوارع والممرات الضيقة والأزقة في العاصمة ترابية وغير معبدة.
علي تركي، واحدٌ من ذوي الإعاقة،أصيبت قدمه اليمنى بشلل دائم نتيجة خطأ طبي، في حديثٍ "للميادين.نت" قال:" نحن نعاني من صعوبات جمّة، المسلسل يعيد نفسه في كل دورة انتخابية، نُنسى كأننا لم نكن، ثم يتوافد إلينا الجميع من كل حدبٍ وصوب خلال فترة الانتخابات، والذريعة هي مساعدتنا للوصول إلى مراكز الاقتراع الغير مجهزة أساساً لحالاتنا الخاصة، لا نريد شفقة من أحد، نحن نطالب بحقوقنا، من حقنا أن نشارك في الإنتخابات ليس فقط كناخبين وإنما أيضاً من خلال الترشح، لأن لا أحد بإمكانه أن ينقل معاناتنا إلا من يشاطرنا الوجع نفسه".
ندخل برفقة علي إلى المركز،نشرب كوباً من الشاي، الضيف الدائم في جلسات العراقيين، ثم يطل علينا "فراس محمد" على كرسي متحرك، يضرب بيده على مسندها قائلاً: "هذه صديقتي المخلصة، هي الوحيدة التي تحملني من دون أن تتذمر، ولكن المشكلة التي نواجهها هي عدم تجهيز المرافق العامة ودوائر الدولة ووسائل النقل وغيرها، بوسائل وتجهيزات تسهل علينا الحركة والتنقل، هناك إهمال لأبسط حقوقنا، وكل دورة انتخابية تهطل علينا الوعود كالمطر، ولكن بعد إعلان النتائج، يتحول واقعنا إلى صحراء قاحلة، الكل يتبخر، المرشحون والوعود، وأبقى أنا وهذه الكرسي، ألم أقل لكم إنها صديقتي المخلصة".
ويضيف فراس قائلاً:" المراكز الانتخابية في العراق هي عبارة عن مدارس، ونحن في الأساس لم ندخل المدارس لنتعلم لأنها غير مجهزة بوسائل تسهل علينا التنقل، فكيف سنشارك في الاقتراع؟ يتوجب على الحكومة أن تهتم بنا بشكل جديِّ وفاعل، شبعنا وعوداً، نريد أفعال، نحن نعامل وكأننا مواطنون من الدرجة الثانية".
يحدّق "محمد رشيد" في وجوهنا،يحاول أن يصطاد كلمة من بين شفاهنا، يراقب حركات الأيدي، يرصد تعابير الوجوه، وكأنه يحاول فك شيفرة "مخطوطة فوينيتش" الغامضة، ثم ينفصل عنّا بشكل كامل، ويرفع نظره نحو السقف، بقيّ الحال على ما هو عليه، إلى أن دخل خبير لغة الإشارة مصطفى ميرزان ليكون صلة الوصل بيننا وبينه، عندها بدأ محمد حديث الأصابع مع مصطفى، بلحظة تحول إلى "مايسترو" يضبط بحركاته وإشاراته إيقاع اللقاء، ويشدُّ انتباهنا نحوه، وكأنه يقول لنا "أنا هنا وعندي الكثير من الكلام"، يقاطعه مصطفى ويقول بالنيابة عنه: " إنه مسرورٌ بقدومكم، يريد أن يرحب بكم ويشكركم جداً".
مشاكل الصم والبكم في العراق كثيرة
ثم ينقل عنه قائلاً "مشاكل الصم والبكم في العراق كثيرة، حالهم كحال أقرانهم من ذوي الإعاقة، حاولت أن أجد وظيفة، ولكن من دون جدوى، لماذا انتخب؟ هل تراعي هذه المراكز المعايير؟ لا يوجد مترجمين إشارة في المراكز، ولا دلالات صورية توضيحية، وهناك غياب كامل لثقافة لغة الإشارة في مجتمعنا، نحن نعيش في عزلة، صحيح أننا مختلفون عن محيطنا ولكننا لسنا ناقصين".
خلف مكتبه كان يجلس موفق الخفاجي، رئيس تجمع المعوقين في العراق، هو أيضاً مبتور القدم، أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، وفي حديثٍ لـ "الميادين.نت" قال " المعوقون لا يواجهون فقط عقبات في المشاركة بالعملية الانتخابية، المسألة أكبر من ذلك، هم أيضاً محرمون من حق أساسي وهو الترشح والمشاركة في العملية السياسية التي تكفلها كل الاتفاقيات الدولية، القانون العراقي يحتاج إلى تعديل وتحديداً في بعض التشريعات السياسية والقانونية التي ترى المعوق على أنه فاقد الأهلية، وهذا أمر مرفوض ومستغرب، ملف المعوقين بات من أولويات الدول والعالم بأسره، على مدى الدورات الانتخابية الثلاث السابقة، اجتمعنا بالجهات المعنية وبالمسؤولين عن مفوضية الانتخابات للنظر في أحوالنا، ولكن أصواتنا لم تلق صدىً لدى المعنيين، نأمل في الدورة المقبلة أن يتداركوا الأمر، نريد من يمثّلنا، ولا أحد الآن يمثّلنا".