تهريب السلاح إلى إيران: قنبلة موقوتة بانتظار ساعة الصفر
مشهد يتكرر بعد كل موجةٍ من أعمال الشغب في إيران: الكشف عن مخابئ السلاح وضبط كمية ضخمة من الأسلحة المحظورة داخل البلاد. ما مصادر تلك الأسلحة؟ وكيف تجد طريقها إلى إيران؟
مشهد يتكرر بعد كل موجةٍ من أعمال الشغب في إيران: الكشف عن مخابئ السلاح وضبط كمية ضخمة من الأسلحة المحظورة داخل البلاد. ما مصادر تلك الأسلحة؟ وكيف تجد طريقها إلى إيران، على الرغم من الإجراءات الأمنية المشدّدة وجهود طهران المتواصلة للرقابة على حدودها؟ هل هي ظاهرة معتادة أم أننا أمام عملية منظمة لإدخال السلاح إلى إيران على نطاقٍ واسع؟ والسؤال المهم: من الذي يقف خلف هذه العملية الواسعة؟
"إنّ المحتجين في إيران يستخدمون أسلحة مستوردة من قواعد عسكرية ومن أماكن في كردستان العراق. هذا الوضع يدل على أنهم لم يعودوا عزلاً". هذا جزء من مقابلة مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض جون بولتون مع قناة "بي بي سي" الفارسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بالتزامن مع تصعيد أعمال الشغب داخل إيران، ولا سيما المدن الحدودية.
أثارت المقابلة الكثير من الجدل في الأوساط السياسية في إيران، إذ اعتبرتها وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة "أهم اعتراف أميركي" منذ سنوات بدعم الفوضى داخل البلاد عبر إرسال السلاح إلى المجموعات غير الشرعية التي تنشط غالباً في المناطق الحدودية.
وعلى الرغم من أهمية المقابلة، فإنّ تأييد عمليات تهريب الأسلحة إلى الداخل الإيراني لم يعد يحتاج إلى مثل هذه الشهادات. وقد بات واضحاً للجميع أن إيران تعدُّ واحدة من أهم الوجهات لتهريب السلاح في الشرق الأوسط. ورغم تشديد الأمن الإيراني الإجراءات الرقابية، ما أدى بدوره إلى كشف المزيد من الخلايا الإرهابية لتهريب الأسلحة وتفكيكها، فإن الأرقام والوثائق تشير إلى أن عملية تدفُّق السلاح إلى إيران لا تزال جارية وتتجاوز هذه الحدود.
ووفقاً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، إلى جانب المعلومات المتوفرة، تنطلق عمليات تهريب السلاح إلى إيران من 4 قواعد رئيسية.
تركيا: تهريب السلاح وفق رؤية جيوسياسية
يقول شهريار أحمدي، وهو عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إنَّ معظم عمليات تهريب الأسلحة إلى داخل إيران تجري عبر الحدود في شمال غربي البلاد. ويكشف في حديثه إلى وكالة "تسنيم" أن نحو 13 مصنعاً لجمع الأسلحة الأميركية والأوروبية يعمل في تركيا ويوفر ما تحتاجه شبكات التهريب في دول الجوار.
يجري ذلك في وقت تعثرت جميع المفاوضات بين طهران وأنقرة من أجل تعزيز الرقابة العسكرية على الحدود المشتركة بين البلدين، وفق تصريح أحمدي. ولا يستبعد أن تمضي تركيا نحو إنشاء خلايا أمنية داخل المحافظات الإيرانية، مستغلةً القضايا القومية شمال غربي إيران لخلق ورقة ضغطٍ على الحكومة الإيرانية في ظل تصاعد حدة التوتورات الجيوسياسية بين البلدين في ما يتعلق بمنطقة القوقاز. ويظهر السجل التركي في ملف سوريا أنَّها لا تتردد في تصدير الفوضى والإرهاب إلى دول الجوار.
إقليم كردستان العراق: بوابة أميركا نحو غرب إيران
إذا كانت تركيا أكبر مصدرٍ لإنتاج السلاح المهرَّب إلى إيران، فإنَّ كردستان العراق يحتضن أكبر شبكة لتهريب تلك الأسلحة. وينقل موقع "مشرق نيوز" الإيراني عن مصادر أمنية قولها إنَّ حرس الحدود الكردستاني سلّم السيطرة الكاملة على أجزاء من الحدود المشتركة مع إيران لمجموعات إرهابية تعمل تحت إشراف القوات الأميركية في الإقليم. وفي هذا السياق، يزيد عدم سيطرة الحكومة العراقية على الشؤون الأمنية والعسكرية في إقليم كردستان تعقيد أوضاع الحدود الإيرانية.
ولا تقتصر عملية تهريب السلاح من كردستان على الأسلحة الخفيفة، بل تشمل في بعض الحالات أيضاً أسلحة ثقيلة تستخدم في حرب المدن. وقد شهد بالفعل عدد من المناطق الحدودية غربي إيران، جراء الإضرابات الأخيرة في البلاد، اشتباكات عسكرية محدودة بين الجماعات الانفصالية الكردية وقوى الأمن.
تعود جذور نشاط هذه الجماعات إلى ما قبل الثورة الإسلامية، إلّا أنها باتت تؤدي دوراً بارزاً في إثارة الفوضى عند الحدود الغربية لإيران، في ظل الدعم غير المسبوق الذي توفره الدول الغربية لها.
الحدود الشرقية: تسونامي تهريب السلاح
تواجه إيران صعوبات عديدة في إدارة حدودها الشرقية، نظراً إلى قلة الحواجز الطبيعية على تلك الحدود، فهي عبارة عن مناطق صحراوية شاسعة تشكّل تحدياً كبيراً لأي قوة تنوي السيطرة عليها، ناهيك بتخاذل أفغانستان وباكستان عن فرض رقابة فاعلة على حدوديهما.
وكشفت صحيفة "جوان" التابعة لحرس الثورة، في تقرير لها قبل شهر، أنَّ كمية الأسلحة المهرَّبة من الحدود الشرقية منذ مطلع رأس السنة الإيرانية تتجاوز 30 ألف قطعة سلاح، ما يكفي لتجهيز جيش بأكمله.
وأشارت الصحيفة في التقرير إلى أنَّ معظم تلك الأسلحة استخدمها مثيرو الشغب خلال الاضطرابات الأخيرة. وتفيد التقارير الصادرة عن الشرطة الإيرانية بتفاقم ظروف الحدود الشرقية منذ عودة حركة "طالبان" إلى السلطة في آب/أغسطس 2021.
الحدود البحرية على الخليج: محاولات لإثارة الفوضى
تأخذ عملية تهريب الأسلحة عبر المحافظات الجنوبية المطلة على الخليج نصيباً أقل مقارنةً بالنوافذ الثلاث الأخرى في إيران، بالنظر إلى وجود العقبات الطبيعية، فضلاً عن السيطرة الشاملة للقوات المسلحة على تلك المناطق. ومع ذلك، يتواصل تهريب السلاح على نطاق أصغر، وهو يشمل غالباً الأسلحة الخفيفة، ولا سيما عبر محافظة خوزستان جنوب إيران.
وتم الكشف عن العديد من الخلايا الإرهابية التي تتلقى الدعم المالي والعسكري من عدد من الدول الخليجية خلال السنوات الماضية. وتتبنى هذه الدول العربية في الخليج رؤية مماثلة لتركيا للعب على الوتر العرقي والطائفي بهدف التدخل في الشؤون الإيرانية وإثارة الفوضى.
مصادر تهريب السلاح عبر شبكات سرية إلى إيران كثيرة، غير أنَّ القوة التي تقف خلف جميعها واحدةٌ، وهي التي تستخدم كل ما في وسعها لانهيار الأمن في البلاد.
تمثل هذه الإستراتيجية إحدى نتائج مبدأ "رأس الأخطبوط" الذي تبنته "إسرائيل" لمواجهة إيران منذ سنوات، بعدما أخفقت في احتواء المقاومة عبر الساحات الإقليمية. وتستمر عملية تهريب السلاح المنظمة إلى إيران، على الرغم من تكاليفها الباهظة ومخاطرها الأمنية، لتعزيز المخزون العسكري الذي قد يتم استخدامه يوماً ما عندما تحين ساعة الصفر.