بعد تحرير عام 2000 في لبنان.. "معادلة الردع النهائية" تقديرٌ إسرائيلي خاطئ

"معادلة الردع النهائية" بددتها المقاومة اللبنانية غيّرت موازين القوى، وخلقت توازنات ردع جديدة، ومنذ عام 2000 وحتى الآن بدأت المقاومة في لبنان تبديد رواية "التفوّق الإسرائيلي" التي يحاول الاحتلال فرضها.

  • في ذكرى عيد المقاومة والتحرير..
    في ذكرى عيد المقاومة والتحرير.. حزب الله ينهي "أسطورة" التفوّق الإسرائيلي

"اعتقد الكثيرون أن الانسحاب من لبنان سيخلق رادعاً نهائياً يؤدي إلى انسحاب الطرف الآخر والابتعاد عن شنّ عملياتٍ ضد إسرائيل". (الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي عاموس مالكا).

حزب الله ينهي "أسطورة" التفوّق الإسرائيلي

لم يكن انسحاب "إسرائيل" من جنوب لبنان عام 2000 خياراً إسرائيلياً، كما روّجت له حكومة الاحتلال آنذاك، فالمقاومة اللبنانية واصلت عملياتها إلى أن طردت المحتل من الشريط الجنوبي (الحزام الأمني)، وذلك قبل الموعد المحدد من جانبها بستة أسابيع.

وقبل أشهر من 25 أيار/مايو 2000، عقد الكنيست الإسرائيلي جلسةً عامة، للتداول بقرار حكومة إيهود باراك الانسحاب من لبنان، برزت في المداولات مواقف، كان من أبرزها موقف موشيه راز عن حزب "ميرتس"، الذي قال: "من الجيد أن تقرر الحكومة إخراج الجيش الإسرائيلي من أتون النار في لبنان، فالواجب فقط الخروج بسرعة من دون إبطاء".

ضرباتُ حزب الله وضعت "تل أبيب" أمام خيارين اثنين؛ إما الانسحاب بلا قيدٍ أو شرط، وإما المكابرة واستمرار الاستنزاف البشري والمادي، فكان الانسحاب هو الخيار لـ"إسرائيل".

لم يخلق الانسحاب الإسرائيلي من لبنان أيّ عاملٍ للردع، لأنّه لم يمنع حزب الله من إطلاق النار أو محاولة اتخاذ إجراءات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل الذي فاجأ الاحتلال هو التطور اللوجستي وتضاعف القدرات العسكرية لدى المقاومة منذ التحرير حتى اليوم.

الفشل في فرض الاحتلال توازن الردع تحدث عنه رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، إيهود باراك، في مقابلةٍ له عام 2020 نشرتها صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إنّه بعد الانسحاب "حزب الله ردّ بالكاتيوشا وسكان الشمال (المستوطنون) هم من دخلوا لأيام طويلةٍ إلى الملاجئ"، لافتاً إلى أنّ حزب الله فرض معادلةً جديدة على القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب، باستهداف المستوطنات الشمالية بالصواريخ رداً على استهداف المقاومة واللبنانيين.

وردّ باراك أيضاً على إشكالية طالما تم توجيهها إليه، وهي أن حزب الله تعاظمت قدراته بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، حيث بيّن في هذا السياق أنّ الحزب ازداد قوّةً، بعد الانسحاب، فعدد الصواريخ ارتفع من 7 آلاف إلى 14 ألفاً من عام 2000 إلى عام 2006، في حين أن مدى الصواريخ لم يتغيّر، بمعدّل زيادة ألف صاروخ في السنة. لكن تعاظم القوة الصاروخية ارتفع بين عامي 2006 و2019، إلى 140 ألف صاروخ، بمعدّل 10 آلاف صاروخ في السنة. وبمدى يغطي تقريباً كل فلسطين المحتلة.

وأقرّ باراك بتطوّر حزب الله ومواجهته جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال احتلاله أراض لبنانية، مشيراً إلى "أنهم في البداية كانوا يسيرون أمامنا ليلاً ونحن نشاهدهم بوسائل تشخيص الحرارة والرؤية الليلية الموجودة في الدبابات، وكنا نطلق النيران عليهم.. لكن بعد عدّة سنوات أصبحت عبواتهم لا تختلف عن عبوات الجيش الإسرائيلي ونشأت حرب أدمغة بين الجيش وبينهم".

استمرار حالة الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وقدرة المقاومة على هزيمته في معارك كبرى كانسحاب عام 2000، وانتصار المقاومة في حرب تموز/يوليو 2006، وتعاظم قدرات المقاومة نتيجة خوضها المعارك في سوريا ما عدا المواجهات والجولات المتعددة، راكمت انتصارات وخبرات كشفت على لسان قادة الاحتلال زيف إنجازات "إسرائيل" العسكرية في لبنان خاصّة وفي غزّة عموماً.

اليوم، حزب الله يملك إرادة القدرة من أجل استهداف النقاط والمؤسسات الاستراتيجية في كيان الاحتلال، وهذا ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عام 2010، وبالتالي أمام أي استهداف إسرائيلي، فإن حزب الله قد يستهدف في المقابل ما يماثله في العمق الإسرائيلي سواء من حيث البنى التحتية أو من حيث المقاتلين والمعادلة التي أعلنها السيد نصر الله عام 2020، مروراً بتحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة، وصولاً إلى جهوزية المقاومة للردّ في عمق العدو في نيسان/إبريل الماضي.

"إسرائيل" تراهن على انقلاب "مركز الثقل" عند حزب الله

عملت "إسرائيل" قبل انسحابها عام 2000 من جنوبي لبنان على تهديد "مركز الثقل" لدى الجانب الآخر وهو بيئة المقاومة وحاضنتها الشعبية، وفعّل الاحتلال هذه الاستراتيجية بشكلٍ كبير حيث استهدف المدنيين لتحقيق أهدافه، التي تتلخص بتأليب بيئة المقاومة عليها، بالإضافة إلى ردع المقاومة ومنعها من استمرار تنفيذ عملياتها العسكرية خشية أن يكون الثمن استهداف المدنيين في لبنان.

اعتقد جيش الاحتلال بعد اندحاره، ووفقاً لتقاريره الاستخباراتية، بأنّه سيدفع الطرف الآخر للخوف من ضرباته وقوته وردود أفعاله، مما يمكن أن يضرّ في نسيج الحياة المدنية اللبنانية. 

لذلك، عمد حزب الله بدوره إلى استهداف المستوطنات، رداً على كل مرة كانت "إسرائيل" تستهدف فيها المدنيين اللبنانيين، وأدت هذه المعادلة إلى ردع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن الاستمرار في تنفيذ استراتيجية "مركز الثقل" المدني في لبنان.

برزت هذه الاستراتيجية الإسرائيلية في السابق بشكلٍ واضح في عدوان نيسان/أبريل عام 1996، عبر التدمير والإبعاد والتهجير بحق المدنيين، وكذلك عبر مضايقات "جيش لحد" لبيئة المقاومة وحاضنتها، مع الرهان على إيجاد ديناميكية شعبية ورسمية في لبنان تحاصر المقاومة وتمنعها من استهداف الاحتلال.

وفي حرب تموز/يوليو 2006 حاول الاحتلال تأليب بيئة المقاومة على نفسها، ولكن لم ينجح لأسباب عدّة منها الدعم الرسمي اللبناني الواضح والعلني الذي تمتعت به المقاومة، حيث أمّن لها كلّ الشروط المذكورة للنجاح (الملاذ، الشرعية، المساعدة العسكرية)، وقد تأكّد هذا الدعم منذ الأيام الأولى لتولي إميل لحود منصبه الرئاسي من خلال خطاب القسم الذي ترجمته الدول اللبنانية عملياً عبر تبنّي العمل المقاوم، والسعي إلى تأمين المزيد من الدعم الدولي والغطاء الشرعي له.

ويمكن القول إنّ بيئة المقاومة لحزب الله، والتي كانت قد عانت في الماضي من تبعات الاجتياح الإسرائيلي بالإضافة إلى حرب تموز/يوليو، وجدت أخيراً لنفسها قوّة وازنة، لذلك فإنّ الرهان على ضرب هذه البيئة من قبل "إسرائيل" وتأليبها على قيادتها باء بالفشل، والدليل كان التأييد الشعبي لحزب الله والمقاومة في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

معادلة "توازن الردع" بدأت تتشكل معالمها في عدوان نيسان/أبريل عام 1996، أو ما عُرف بـ"عناقيد الغضب" حيث فرضت المقاومة حينها معادلة "الصاروخ بالصاروخ"، وتطورت المعادلة مع الانتصارات، من الاندحار الإسرائيلي عام 2000 على وقع ضربات المقاومة وصولاً إلى حرب تموز/يوليو  2006  حيث وجدت "إسرائيل" نفسها تضطر لوقف الحرب وإجراء المفاوضات غير المباشرة لتبادل الأسرى بعد 3 سنوات، كما أرادت المقاومة منذ اليوم الأول، وبهذا تكون "معادلة الردع النهائية" التي حاولت "إسرائيل" ترسيخها سواء في جنوبي لبنان عام 2000 أو في قطاع غزّة عام 2005 قد فشلت على المستويات كافة ولا سيما العسكرية والشعبية. 

اخترنا لك