انقلاب جديد في أفريقيا.. موقع الغابون الجيوسياسي والأهمية الاقتصادية
شهدت الغابون، حدثاً لافتاً تمثل في إعلان عسكريين إلغاء نتائج الانتخابات في البلاد، وحلّ الدستور والسيطرة على السلطة، ووضع الرئيس الحالي علي بونغو قيد الإقامة الجبرية.. فهل بدأ الحراك بالتوسع ضد الهيمنة الفرنسية في أفريقيا؟
"لا أدري ما الذي يحدث..."، هكذا علّق الرئيس الغابوني، علي بونغو أونديمبا، ابن الرئيس الأسبق عمر بونغو أونديمبا، على عملية اعتقاله صباح اليوم الأربعاء، كما دعا "العالم والأصدقاء إلى التحرك والاحتجاج ضد الذين قاموا باعتقاله"، بعد أن تمّ وضعه قيد الإقامة الجبرية، فيما أوقف أحد أبنائه بتهمة "الخيانة العظمى"، بحسب ما أعلن بيان لعسكريين تولوا السلطة في البلاد، صباح اليوم.
وجاءت هذه التطورات عقب إلغاء نتائج الانتخابات، وحلّ الدستور والسيطرة على السلطة، وذلك بعد الإعلان عن فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية، وهو الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً. فما الذي يجري في الغابون الدولة التي تتوسط أفريقيا؟
اقرأ أيضاً: لماذا تسمى الغابون بعملاق النفط الأفريقي؟
الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية
تقع الغابون على ساحل المحيط الأطلسي من أفريقيا الوسطى، ويحدها خليج غينيا إلى الغرب، وغينيا الاستوائية إلى الشمال الغربي، والكاميرون إلى الشمال، وجمهورية الكونغو نحو الشرق والجنوب، وعاصمتها وأكبر مدنها، هي مدينة ليبرفيل وبورت جنتيل.
اسمها "غاباو" ويعود إلى الملاح البرتغالي دييغو في القرن الخامس عشر، وهو أول أوروبي وصل إليها. ويقدر عدد سكان الغابون بـ2.3 مليون نسمة، أما لغتها الرسمية في البلاد، فهي الفرنسية.
وأصبحت الغابون واحدة من 4 أقاليم في أفريقيا الاستوائية الفرنسية عام 1910، وهو اتحاد دام حتى عام 1959، ثم نالت استقلالها في 17 آب/أغسطس 1960 بعد أن كانت مستعمرة فرنسية.
تشتهر الغابون بثرواتها النفطية والذهب واليورانيوم، إضافةً إلى استخراج الألماس والذهب أيضاً، كما تمتلك احتياطيات من خام الحديد عالي الجودة. ولذلك، تُعد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد في أفريقيا، بفضل هذه الثروات، لكن وفق البنك الدولي، لا يزال ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر.
كذلك، تُعد الغابون، مصدراً صافياً للنفط، وهي أحد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، إذ تمتعت بكامل العضوية في المنظمة النفطية في عام 1975، لكنها أنهت عضويتها عام 1995، وانضمت مرة أخرى إلى المنظمة في الأول من تموز/يوليو 2016.
وحسب تقرير للبنك الدولي، هي رابع أكبر منتج للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وهي واحدة من أكبر منتجي المنغنيز في العالم، كما يتم استغلال ومعالجة اليورانيوم بها منذ عام 1961.
بفضل النفط والاستثمار الأجنبي الخاص، تحتل البلاد المرتبة الرابعة من حيث مؤشر التنمية البشرية في أفريقيا (بعد موريشيوس وسيشيل وجنوب أفريقيا) وخامس أعلى مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا كلها (بعد سيشيل وموريشيوس، وغينيا الاستوائية، وبوتسوانا).
منذ أواخر الستينيات، جلبت عائدات النفط لحكومة الغابون دخلاً غير مسبوق، استخدمته لبناء البنية التحتية وتمويل التوسع في خدمات التعليم والصحة. وعلى الرغم من تقلّب الأسعار وما يترتب على ذلك من انخفاض في الإنتاج، فإنّ إيرادات النفط لا تزال تشكل غالبية الميزانيات الوطنية.
كما أنّ الأخشاب، أصبحت في الآونة الأخيرة القطاع الأكثر أهمية من وجهة النظر الاقتصادية في الغابون، إذ توفر فرص عمل لما يصل إلى 28% من سكان الغابون.
فرنسا واستثمار ثروات الغابون
تعد الغابون وفق الكثير من النقاد، نموذجاً للنهب الفجّ الذي جرى تحت رعاية فرنسا. وتنتمي البلاد التي تتوسط أفريقيا وعملتها الفرنك الأفريقي، إلى المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا. وتمنح عضوية الغابون في المجتمع الاقتصادي الفرنسي قدراً كبيراً من الاستقرار؛ لأنّ الفرنك الصادر عن بنك دول وسط أفريقيا، مرتبط باليورو، ما يمنح الشركاء التجاريين الثقة في العملة الغابونية. كما تمتلك فرنسا الاحتياطيات الوطنية للغابون، مثلها مثل 14 دولة أفريقية أخرى في غرب ووسط أفريقيا.
وتوجد نحو 110 شركات فرنسية في الغابون، توفر 14 ألف فرصة عمل وتنتج مبيعات تقدر بنحو 3.23 مليارات يورو، بحسب موقع وزارة الخارجية الفرنسية.
الغابون تنضم إلى مجموعة "الكومنولث"
انضمت الغابون وتوغو الناطقتان باللغة الفرنسية، في حزيران/يونيو 2022 إلى مجموعة "الكومنولث"، النادي الناطقة بلدانه بالإنكليزية، والذي كانت ترأسه الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية. ورغم أن لا صلات تاريخية تربط الغابون وتوغو ببريطانيا، فإنّ المجموعة التي تضم 54 دولة غالبيتها مستعمرات بريطانية سابقة وافقت على طلبي انضمامهما في اليوم الأخير من قمة الكومنولث التي انعقدت في رواندا، وهما أول عضوين ينضمان إلى الكومنولث منذ أن انضوت رواندا في المجموعة عام 2009.
وعقب انضمام الغابون إلى "الكومنولث"، قال الرئيس الغابوني علي بونغو، على صفحته في موقع "تويتر" إنّ بلاده "تدخل التاريخ" بانضمامها إلى المجموعة، مضيفاً: "بلادنا، بعد 62 عاماً على استقلالها، تتهيّأ لتحقيق اختراق بفصل جديد".
وعليه، رأى محلّلون إنّ دولاً فرنكوفونية عدة، سعت في السنوات الأخيرة إلى الانضمام إلى مجموعة الكومنولث للخروج من محور فرنسا وهيمنتها، حيث كانت المصالح الفرنسية عنصراً حاسماً، في تحديد مستقبل الزعامة في الغابون بعد الاستقلال، وذلك بعد انتخاب ليون إمبا، أول رئيس للغابون عام 1961، بدعم سياسي ومالي فرنسي لحملته. وفي عام 1964 تعرض إمبا لمحاولة انقلاب لإطاحته، لكن فرنسا تصدت له.
علي بونغو يخلف والده عمر بونغو أونديمبا
بعد الرئيس الغابوني السابق إمبا، استلم الرئيس الراحل، عمر بونغو أونديمبا (والد الرئيس الحالي علي بونغو) السلطة في البلاد من عام 1967 حتى وفاته في حزيران/يونيو 2009. وأعلن الغابون دولة الحزب الواحد، وأنشأ حزباً جديداً هو الحزب الديمقراطي الغابوني (PDG). كما كان حليفاً وثيقاً لفرنسا التي قدمته كنموذج ناجح لقادة أفريقيا.
وأعيد انتخابه لثلاث فترات رئاسية متتالية، مدة كل منها سبع سنوات. وتحكم عائلة بونغو الغابون، منذ 55 عاماً.
وفي الثالث من أيلول/سبتمبر 2009، انتخب علي بونغو رئيساً للبلاد، وهو لايزال في منصبه حتى إطاحته اليوم، من قبل المجلس العسكري، بعد طعن أحزاب معارضة بنتائج الانتخابات واتهامات بالتزوير والرشوة، تبعتها أعمال نهب وحرق للقنصلية الفرنسية في بورت جنتيل.
وتعرض الرئيس علي بونغو في 7 كانون الثاني/يناير 2019 لمحاولة انقلاب، عندما نجحت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني في السيطرة على مبنى الإذاعة الوطنية، ومنعوا إذاعة كلمة الرئيس، بمناسبة العام الجديد. لكن أُلقي القبض على الضباط المتورطين، وأعلنت الحكومة الغابون آنذاك فشل محاولة الانقلاب.
يُعد علي بونغو من أهم حلفاء باريس التي لديها وجود عسكري في الغابون، ويقدر معهد أبحاث الدفاع السويدي أنّ "هناك نحو 350 منشأة فرنسية في البلاد".
أحداث سبقت سيطرة العسكريين على السلطة في الغابون
في أعقاب أحداث الغابون التي سبقت الانقلاب أخيراً، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأنّ استطلاعات الرأي السابقة في البلد الأفريقي، أظهرت أنّ "لدى عامة الناس رأياً سيئاً للغاية تجاه السياسيين الفرنسيين والجغرافيا السياسية الفرنسية".
وقال مارك بورسي، الذي قدّمت شركته للعلاقات العامة، المشورة للرئيس علي بونغو في حملة إعادة انتخابه، إنّ توقيت سيطرة العسكريين على السلطة بعد فترة وجيزة من إعلان نتائج الانتخابات يشير إلى أنّها "لم تكن انتفاضة عفوية".
وكما هي الحال في المستعمرات الفرنسية السابقة الأخرى، قال بورسي إنّ استطلاعات الرأي التي أجرتها شركته على مدى الأشهر الـ18 الماضية، أظهرت أنّ "فرنسا لا تحظى بشعبية كبيرة بين غالبية الغابونيين".
وصباح اليوم، شهدت الغابون، حدثاً لافتاً تمثل في إعلان عسكريين إلغاء نتائج الانتخابات في البلاد، وحلّ الدستور والسيطرة على السلطة، وذلك عقب الإعلان عن فوز الرئيس الحالي علي بونغو بفترة ثالثة في الانتخابات الرئاسية.
وفي التفاصيل، قال العسكريون الذين أكدوا أنهم يتحدثون باسم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات"، إنهم "بسبب حوكمة غير مسؤولة تتمثل بتدهور متواصل للحمة الاجتماعية، ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى، قرروا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم"، وأنّ "الانتخابات لم تكن ذات مصداقية وتمّ إلغاء نتائجها".
وظهر الضباط الكبار في الجيش الغابوني على قناة "غابون 24"، وأعلنوا سيطرتهم على السلطة.
وفي وقت لاحق، قال رئيس المجلس العسكري الحالي، الجنرال برايس أوليغي نغويما، الذي تمّ تعيينه اليوم قائداً للمرحلة الانتقالية في البلاد، في مقابلة مع صحيفة "لو موند" الفرنسية، إنّ "هناك استياء كبيراً في الغابون، ولا أحد يتحمل المسؤولية، ولم يكن لبونغو الحق في الحصول على ولاية ثالثة، وتمّ الاستهزاء بالدستور، ولم تكن طريقة الانتخاب نفسها جيدة، لذلك قرر الجيش أن يطوي الصفحة، ليتحمل المسؤولية".
وعقب التطورات اليوم في الغابون، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن إنّ بلادها "تتابع الموقف في الغابون من كثب"، وذلك خلال إلقائها خطاباً أمام اجتماع للسفراء في باريس. ولم تقدم أي تفاصيل أخرى. ثم أعلنت شركة التعدين الفرنسية "إراميت" تعليق عملياتها في الغابون.
وإضافة إلى ذلك، تراجعت أسهم ثلاث شركات فرنسية كبرى، بشكل كبير في بورصة باريس، اليوم، في أعقاب الانقلاب العسكري حيث كانت تعمل في هذا البلد.
أما مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فأشار إلى أنّ وزراء دفاع دول التكتل سيناقشون الموقف في الغابون، وأكد: "إذا ثبت أنه انقلاب عسكري، فإنّ هذا سيأتي بالمزيد من الاضطرابات للمنطقة بأكملها".
وكان الغابيون قد صوّتوا في الانتخابات السبت الماضي، حيث دُعي نحو 850 ألف ناخب مسجّلين إلى التصويت في إطار 3 انتخابات خلال اليوم نفسه: رئاسيّة وتشريعيّة وبلديّة.
وأُعيد انتخاب علي بونغو بفارق ضئيل عام 2016 لا يتجاوز 5500 صوت، ما دفع منافسه، جان بينغ، إلى اتهامه بتزوير الانتخابات. فيما وعد المعارض أوندو أوسا، بأنّ المعارضة "الموحّدة" خلفه "ستطيح" من السلطة بونغو وحزبه الديمقراطي الغابوني، وتضع حداً لـ"عهد عائلة بونغو" التي تمسك منذ أكثر من 55 عاماً بزمام سلطة تُعاني "الفساد"، وسوء الحكم، بحسب أوسا، رغم أنّ الحزب الديمقراطي الغابوني الذي ينتمي إليه الرئيس بونغو يتمتع بأغلبية كبيرة في مجلسي الشيوخ والنواب.
تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس علي بونغو كان قد أصيب بجلطة دماغية عام 2018 غاب في إثرها عن الظهور لأشهر، ما دفع المعارضة إلى التشكيك بقدرته على إدارة البلاد. ورغم معاناته المستمرة من صعوبات في الحركة، فإنه أجرى في الأشهر الأخيرة جولات في كل أنحاء البلاد وزيارات رسمية إلى الخارج، شملت حضور عدد من القمم.
من هو الرئيس علي بونغو أونديمبا؟
علي بونغو أونديمبا (64 عاماً) تولى السلطة في انتخابات عقب وفاة والده، عمر بونغو عام 2009، الذي قاد الدولة أكثر من 41 عاماً.
وتلقى الرئيس المخلوع تعليمه الجامعي في جامعة "سوربون" بفرنسا، قبل أن يعود ليشغل مناصب سامية في حكومة والده.
وخلال فترة رئاسة والده، شغل منصب وزير الشؤون الخارجية من 1989 حتى 1991، ثم وزيراً للدفاع من 1999 حتى 2009.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، أصيب بونغو بجلطة دماغية بقي بعدها لمدة 10 أشهر من دون ظهور علني.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس مركز الانتخابات في الغابون، فوز علي بونغو بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على 64.27 % من الأصوات.
وكان علي بونغو قد ترشح لولاية ثالثة، بعد أن قلّص فترة الرئاسة من 7 إلى 5 سنوات، في الانتخابات التي جرت السبت الماضي، والتي شملت ثلاث جولات رئاسية وتشريعية وبلدية، جميعها في جولة واحدة.