العشائر العراقية.. ركن سياسي ثابت على امتداد السنوات
تشكّل العشائر العراقية جزءاً اساسياً من المجتمع العراقي، حافظت على امتدادها وبقائها على الرغم من الأزمات السياسية والعسكرية التي عصفت بالبلاد.
تُعرَّف العشيرة بأنها مجموعة من الأشخاص الذين تجمعهم قرابة أو نَسَب، ويعود أصلهم إلى مؤسِّس واحد يُنسَبون إليه.
ومع مرور ما يقارب 90 عاماً على استقلال العراق، حافظت العشائر المنتشرة في "أرض الرافدين" على وجودها وقوتها، على الرغم من التقلبات الكبيرة التي شهدتها البلاد من حروب وتغيّرات سياسية.
دور العشائر في ثورة عام 1920 حتى تحقيق الاستقلال
قبل قيام الثورة عام 1920، عمل الحكم الاستعماري على إنشاء عدد من القوانين التي تُكرّس نظام العشيرة، من أجل تغييب صورة العراق الموحّد والمستقبل عن أذهان أبنائه، لينشأ قانون دعاوي الدولة العامة، وقانون دعاوي العشائر. وكان للحاكم الحق في إحالة القضية على أحد هذين القانونين، الأمر الذي يكفل استمرار الأعراف والأحكام العشائرية.
أدّت العشائر العراقية دوراً محورياً في قيام ثورة العشرين، التي عمّت أرجاء البلاد، وانطلقت شرارتها من واقعة "الرمثا" الشهيرة، لتدور بعد ذلك عدة معارك بين أبناء العشائر من جهة، والقوات البريطانية من جهة أخرى، كانت أبرزها "البو حسان"، و"العارضيات" الأولى والثانية.
وعلى الرغم من فشل ثورة العشرين، فإن تضحيات العشائر العراقية استمرت حتى تحقيق الاستقلال في عام 1934، مُكرّسةً وجود العشائر وأبنائها خطّاً دفاعيّاً في وجه أي احتلالٍ يحطُ رحاله في العراق.
العشائر في مرحلة ما بعد الاستقلال وصولاً إلى الغزو الأميركي (2003)
مع رحيل الانتداب البريطاني، وإعلان استقلال العراق، بقيت العشائر العراقية على حالها. وعلى المستوى القانوني، استمرّ العمل بقانون العشائر (عُدّل في مناسبتين، في عامي 1929 و1933).
مع نجاح انقلاب عام 1958، الذي قام به عدد من الضباط بقيادة عبد الكريم قاسم، وإنهاء الحكم الملكي، توقّف العمل بقانون العشائر نهائياً، لتبقى الأمور على حالها، حتى بعد انقلاب عام 1963 الذي أطاح حكمَ قاسم.
أمّا بعد وصول حزب البعث إلى السلطة وتفرُّده بحكم البلاد، فبرزت علاقة جدلية بين العشائر والدولة، تمثَّلت بأحداث سياسية وعسكرية مهمة.
وعزَّز اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (22 أيلول/سبتمبر 1980-20 آب/أغسطس 1988) الانتماء الوطني على حساب العشيرة، نظراً إلى توجيه النظام الحاكم الحرب إلى بُعدٍ تاريخي (الصراع العربي الفارسي).
وبعد مرور فترة وجيزة على انتهاء الحرب مع إيران، قام العراق بغزو الكويت (2 آب/أغسطس 1990)، الأمر الذي اعتُبر حينها تهديداً لأمن الخليج، واستدعى حملة عسكرية (عاصفة الصحراء)، وضعت الجيش العراقي في مواجهة التحالف الذي كان يضمّ دولاً عربية وأجنبية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
مع انتهاء "عاصفة الصحراء" وهزيمة الجيش العراقي، الذي أُجبر على الخروج من الكويت، اختلف تعامل النظام مع العشائر ليتخذ اتجاهاً طائفياً، تمثَّل بتعزيز بعضها وتهميش البعض الآخر، بحسب الانتماء، دينياً وإثنياً.
غطاء العشائر عقب الغزو الأميركي للعراق (19 آذار/مارس 2003)
ازداد الحضور العشائري بعد الغزو الأميركي للعراق، وانتهاء حكم صدام حسين، بفعل المنعطف الخطير الذي سلكته الأحداث الأمنية في البلاد، إذ خلق قرار الحاكم المدني الأميركي في العراق آنذاك بول بريمر، والذي يقضي بحل جميع الأجهزة الأمنية العراقية، حالةً من عدم الاستقرار الأمني عمّت مختلف أنحاء البلاد، الأمر الذي عزَّز حضور الحماية العشائرية، والتي لجأ إليها الهاربون من الاقتتال الطائفي، والساعون للحصول على المساعدات والخدمات في ظل غياب الدولة.
هَبّة أبناء العشائر في مواجهة "داعش" والتنظيمات الإرهابية
مع سقوط الموصل في يد تنظيم "داعش" في عام 2014، وتهديد "الجماعات التكفيرية" للعاصمة بغداد، شهد موقف العشائر انقساماً، فبعض أبنائها فضّل الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية (سُرعان ما أعلنت العشائر براءتها من هؤلاء)، في حين أن أغلبية العشائر تناست مشاكلها مع الدولة وحشدت أبناءها للدفاع عن العراق، مُشَكِّلةً إضافة نوعية إلى تشكيلات القوات المسلحة والحشد الشعبي.
وكان لأبناء العشائر ومقاتليها مشاركات وتضحيات كبيرة، ساهمت في تحرير أراضي العراق من سيطرة التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً في المدن التي ينتمون إليها.
وعلى الرغم من إعلان الانتصار على "داعش" في عام 2017، فإنّ مساهمات أبناء العشائر العراقية استمرت في المحافظة على أمن المناطق التي يوجدون فيها واستقرارها، بالإضافة إلى التعاون الكبير مع الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب وأذنابه.
العشائر العراقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في 10 تشرين الأول/أكتوبر
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المبكّرة، في 10 تشرين الأول/أكتوبر، تسعى العشائر العراقية للاستفادة من الأفضلية التي منحها إياها القانون الإنتخابي الجديد، الأمر الذي من شأنه جعل الطابع العشائري سيدَ الموقف في الدورة المقبلة. وبحسب الخبير في القانون العراقي طارق حرب، فإن قانون الانتخابات الذي سيقسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية صبّ في مصلحة العشائر وشيوخها.
ويوضح حرب، في حديث إلى الميادين نت، رأيه، فيقول إن كثرةَ الدوائر وصِغَرَ حجمها يُتيحان للعشائر التحكّم في الناخبين، ويمنحان مرشَّحيها أفضلية في السباق الانتخابي.
وعلى الرغم من انتشار الأحزاب السياسية بكثرة في العراق، فإن الكلمة العليا تبقى للعشائر، الأمر الذي دفع عدداً من الأحزاب والتيارات السياسية إلى التعاون معها، من أجل الاستفادة من القدرات البشرية والمادية التي تمتلكها، وهو ما قد يشكل عاملاً حاسماً يضمن وصول مرشحي هذه الأحزاب إلى المجلس النيابي.