الشيخ التشادي أبو الأنوار للميادين نت: الوجود الفرنسي استعمار لأفريقيا ومتحمسون لأدوار صينية وروسية
الشيخ أبو الأنوار محمد جرمه من تشاد يقول للميادين نت إن الدول الأفريقية المستعمَرة فرنسياً، ليس لديها عملة صعبة. كل ما تمتلكه هو في الخزينة الفرنسية.
على الرغم من استقلال تشاد عن فرنسا، فإنها ارتبطت بها باتفاقات اقتصادية وعسكرية وأمنية، الأمر الذي جعل الأنظمة، التي حكمت هذا البلد بعد الاستقلال، ترهن قراره للفرنسيين، وتضع مقدِّرات تشاد في خدمة الوجود الفرنسي فيها، وفي الساحل الأفريقي بصورة عامة.
لكنّ مجموعة من القوى السياسية رفضت هذا الوجود الفرنسي، وأسّست حراكاً للتخلص منه، أدّى إلى جملة تحركات وتظاهرات منادية برحيل الفرنسيين. فكيف ينظر التشاديون إلى الوجود الفرنسي، وكيف يتعاطون مع توجه كلّ من روسيا والصين إلى الحضور في هذه القارة؟
أسئلة يجيبنا عنها الشيخ أبو الأنوار محمد جرمه خاطر، الوزير والنائب في البرلمان التشادي وعمدة العاصمة انجمينا سابقاً، في هذا الحوار:
كيف تنظرون إلى دور تشاد في منطقة الساحل الأفريقي، بشأن التنسيق مع الفرنسيين في مواجهة التنظيمات المسلحة؟ ما هي القصة؟ وكيف أصبح جيش تشاد جزءاً من المعركة في مالي؟
إن دور تشاد في منطقة الساحل لا يخلو من عيوب مؤسسية وانتهازية واستعراض غير موفق، لأن تشاد خسرت فيها كل شيء، ولم تكسب إلّا موت أبنائها بأعداد مجهولة، من أجل شهرة رئيس كان معزولاً قبل بداية تلك الحركات المصطنعة، وكانت الحكومة الاشتراكية في فرنسا، برئاسة فرانسوا هولاند، ترفض حتى التحدّث معه!
فلمّا تورّطت فرنسا في تلك الرمال المتحركة، التي صنعتها بغبائها، طمعاً في نهب معادن جمهورية مالي، جاءت فرصة الرئيس التشادي ليفك عزلته.
تطمع فرنسا في معدن الذهب في مالي. ومن أجل ذلك، صنعت منظمة MIjAO في شمالي مالي، وهي حركة مطالبة بتقسيم الدولة، بحجة أن شمالي مالي، المنطقة المتاخمة لموريتانيا والجزائر، سكانها عرب، وكثير منهم كان مجنَّداً في معسكرات الزعيم الليبي معمر القدافي.
لمّا حدثت فرصة التدخل الفرنسي الآثم في ليبيا، وتدخّل الناتو لاغتيال القذافي، انتهزت فرنسا الفرصة لتصطاد عصفورين في حجر واحد.
ألقت فرنسا في مناطق، سيطرت عليها قبائل الأمازيغ، أطناناً من الأسلحة لمصلحة أعراب شمالي مالي، المنتمين في الأصل إلى هذه المجموعة العرقية. وكما تجري المياه بما لا تشتهي السفن، استفادت من هذه الأسلحة مجموعات من هذه القبائل، لكنها أصولية متطرفة، وأغلبيتها تنتمي إلى تنظيم "القاعدة".
فتعقّد الأمر بالنسبة إلى فرنسا، التي لا تريد خسارة جنودها، على الرغم من أنها في هذه الحالات لا ترسل إلّا جنوداً من الإثنيات الأجنبية.
أوعز بعض الضباط إلى الرئيس إدريس ديبي في إرسال جيشه إلى دولة مالي لمساعدة الحكومة الفرنسية، الأمر الذي يجبر الأخيرة على الاعتراف به والتعامل معه.
وقبل إخطار الحكومة الفرنسية، أو الحكومة والبرلمان في تشاد، أو حتى حكومة النيجر، التي عبَر الجيش أراضيها، وصل جيش تشاد إلى مالي.
صفّقت فرنسا وهلّلت، وجعلت أبواق إعلامها تتغنّى بشجاعة رئيس تشاد، ديبي، و"جيشه الباسل"، واستقبله فوراً الرئيس فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه.
طبعاً، لا شكّ في أن العسكري في تشاد يتميز بجرأة في المعارك، لأنه لم يتقيد بتكتيكات المعارك المدروسة في الأكاديميات. فهو يقتحم ساحة المعركة من دون تردد وبلا حساب، الأمر الذي يجعل خصمه يتفاجأ به دائماً.
وهذا النمط من القتال يسبب كثيراً من الخسائر في الأرواح، لكنه، في الغالب، يُسفر عن كسب المعركة.
أمّا دور تشاد، كدولة، فليس من مصلحتها على الإطلاق أن ترسل جندياً واحداً إلى خارج حدودها، ما لم يكن هناك خطر مباشر على أمنها. والحالة في مالي لم تكن كذلك طبعاً.
ما هي خريطة التيارات السياسية الأبرز في تشاد؟ القارئ العربي، إجمالاً، لا يعرف كثيراً عن بنية الأحزاب والسلطة واللاعبين الأساسيين فيها؟
في بداية تسعينيات القرن الماضي، لمّا عادت التعددية الحزبية، تشكَّلت أحزاب ذات أفكار اشتراكية تقدمية وأخرى ذات ميول يمينية، لكنها جميعاً تقلّد النمط الفرنسي، أحزاباً ومؤسسات ودستوراً وقوانين، نتيجة للغزو الثقافي الفرنسي العنيد، الذي صنع نواباً ينوبون عنه بعد أن قرر منح تشاد الاستقلالَ المزيَّف، فتجد الكادر الحزبي فيها ينشط لمصلحة الاستعمار، وهو يظن أنه يعمل لبلده.
النهج المؤسسي الفرنسي فريد في العالم، بحيث إن رئيس الجمهورية يترأّس مجلس الوزراء ولا يخضع للمساءلة إلّا في حالة الخيانة العظمى، وهذه يحدّدها البرلمان؛ أي اجتماع المجلسين، الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ويصوت بأغلبية أربعة أخماس، الأمر الذي يعني عدم مساءلته في أي حال حتى يستكمل مدته الرئاسية.
وفي الوقت نفسه، يكون رئيس الجمهورية في هذا النظام هو راعي القضاء، بما أنه يترأّس مجلس الوزراء، وهو ما يجعله جهازاً تنفيذياً.
أمّا مبدأ فصل السلطات، الذي يتبجّح به الدستور الفرنسي، فلمّا دخل أفريقيا، صنع دكتاتوريات دستورية ديمقراطية!
من هنا، كان إدريس ديبي أقوى من المعارضة، منفردة ومجتمعة، وأمر بتشكيل أحزاب موالية، حتى بلغ عدد الأحزاب في تشاد 207 أحزاب.
وتراجعت الأحزاب، التي كان لها تيارات محددة، لتشاركه في خدعة الديمقراطية التعددية من أجل الاستمرار في الحياة السياسية، فانتهت التيارات ولم يبقَ منها إلّا الأسماء، الأمر الذي جعل حراك الناشطين في منظمات المجتمع المدني والنقابات، ذا صدقية أكبر من حراك الأحزاب، كما بات للحكومة وزن أكبر من الأحزاب.
ولعل الحوار العام، المزمع عقده قريباً من أجل المصالحة الوطنية، يأتي بتوصيات تُصلح ما فسد من الأحوال الناتجة من سوء إدارة الحكم.
كيف تتعاملون في تشاد مع الهجمات المسلّحة في منطقة الساحل الأفريقي، ولاسيما مع وجود عدد كبير من التنظيمات المسلّحة ("الدولة الإسلامية – ولاية غرب أفريقيا"، "أنصار الإسلام والمسلمين"، وغيرهما من التنظيمات)؟
الهجمات المتعددة في أفريقيا بصورة عامة، وفي جوار تشاد على نحو خاصّ، ليس لها تأثير مباشر في الوضع التشادي، ولو أن سوء الأحوال الأمنية في السودان المجاور يطل بظلاله على التشاد، نظراً إلى التداخل والتمازج الكبيرين بين الدولتين.
إن ما يهدّد تشاد الآن هو وجود التنظيمات المسلحة في شماليّها، والخلافات الحادة داخل ما خلّفه الرئيس ديبي من نظام عشائري ضيّق ومتحكّم، من دون أيّ كفاءة، في كل مسارات الدولة.
هذه الأوضاع لا تبشّر بخير، ويُتوقَّع انفجارها في أي لحظة.
أين الدور الفرنسي في ذلك إذاً؟
هذا وجود استعماري، في كل المقاييس، وتعتمد عليه فرنسا من أجل بقائها دولة عضواً في مجلس الأمن.
هذا الوجود يضمن لها سداد ديونها بواسطة "الفرنك السيفا" (الفرنك الأفريقي)، الذي تطبعه من ورقها، وتأخذ بدلاً منه كل الصادرات الأفريقية، لأن كل عوائد صادرات هذه الدول يتم تحويلها إلى الخزينة الفرنسية. وبدلاً منها، فإن فرنسا تطبع لها "عملة القرود" المشهورة!
فالدول الأفريقية المستعمَرة فرنسياً، ليس لديها عملة صعبة. كل ما تمتلكه هو في الخزينة الفرنسية، ولا يسمح لصاحبها أن يحصل عليها، إلّا بمقدار 40%، وعند الضرورة القصوى.
الوجود الفرنسي في تشاد هو المرتكز الأساسي لجميع العمليات الفرنسية في أفريقيا. لذلك، فهو مهم جداً لفرنسا.
وطُلب من فرنسا الانسحاب أكثر من 3 مرات. وفي كل مرة تصنع حركة مسلحة تدعمها من خلف الكواليس، حتى يضطر الحاكم إلى طلب مساعدتها، فتعود بكل جبروتها.
حسناً، ماذا عن سائر القوى الدولية، مثل الصين وروسيا؟
موقفي تجاه الصين وروسيا واضح. لما اصطنعت أميركا مسألة المواجهة في أوكرانيا، وأدّى ذلك إلى استيلاء روسيا على القرم، ورأيت ما دار من نقاش بشأن ذلك في مجلس الأمن، كتبتُ مقالاً بالفرنسية، ونشرته في صفحتي في "فايسبوك". كان عنوان المقال "العقول في إجازة"، ولمّا تصحو ستجد أن الزمن تجاوزها.
الأمر هو أن هذا النظام العالمي شاخَ فعلاً، وآن له أن يتغير، وكنت أردد ذلك منذ الانهيار الاقتصادي عام 2008.
قلت في عدة مناقشات، في المراكز الثقافية والاستراتيجية، إن دور أميركا كقوة مهيمنة على العالم انتهى مع وصول أوباما إلى رأس الحكم. وبعد خطابه المشهور في القاهرة، قلت إن ما يقوله أوباما لا يزيد على كونه استهلاكاً، وسيفعل عكس ما جاء في هذا الخطاب تماماً.
لم يصدقني أحد، لكنني كنت واثقاً بما أقول، والآن يذكّرني الكثيرون بما كنت أقوله.
الصين وروسيا ستكونان سبباً في زوال هيمنة الغرب كله، ولن ينتهي هذا العام إلّا وسيظهر إلى العلن هذا الأمر، بصورة واضحة.
التفاعل بين الأحداث الكونية المتلاحقة، وطموح روسيا والصين إلى قيادة العالم، سينتج عنهما قطعاً زوالُ النظام الجوسياسي والنظام الاقتصادي، الناتجين من نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي كللتها نهاية الحرب الباردة.
العالم المسمى "ثالثاً" كله مؤيد للحراك الروسي الصيني، ولو أن أفريقيا تميل إلى تأييد الروس أكثر.
المخاوف لم تزل تتحكّم في كيفية التعاطي مع ما ينتج من هذه المعركة الشرسة. فهل ترجع هاتان الدولتان إلى فرض نمط جديد من التعاطي مع الضعفاء؟
ماذا عن الوضع في مالي؟
أمّا ما يجري في مالي، بشأن تحركات الجيش والموقف بشأن الوجود الفرنسي، فهو جيد، ونحن نؤيده بقوة، وكل الناشطين يعملون على جعل مالي نقطة تحول، ومثالاً يُحتذى به.