"الشمال الأولى" في انتخابات لبنان: دائرة مترامية.. عصيّة على الاحتساب
تتوزع مقاعد الدائرة على سبعة، ثلاثة للسنّة، واثنان للروم الأرثوذكس، وماروني واحد، وعلويّ واحد، ورغم تقارب عدد المقاعد بين طوائف الدائرة الأساسيّة، إلا أنّ الكتلة الشعبيّة السنيّة هي التي تشكّل الوزن الحاسم.
ما انفكّت الحركة الانتخابيّة، وما تتطلبه معركتها من نشاط، باردة في ساحة الدائرة الأولى في محافظة الشمال، ربما بسبب ما يواجهه الجمهور من أزمات تشغله عن معركة يعرف أن نتائجها، كالعادة، لن تأتي له بالمنّ والسلوى، وربما لأن لغطاً كبيراً ما زال يرافق المعركة، بشأن إجرائها أو تأجيلها.
حتى إنّ الماكينات الانتخابية، في حال إنجاز استعداداتها، لاا تزال تنتظر أمراً ما قبل الانطلاق، والأرجح أنها تنتظر اللحظات الأخيرة لبدء المعركة للتثبت من إجرائها، قبل البدء بحركتها التي تحتاج إلى الكثير من المصاريف والجهود الانتخابية.
دائرة الشّمال الأولى هي عكّار. كانت قضاءً حتى الأمس القريب، وصارت محافظة مع إجراءات تغيير طفيف في انتقالها من قائمقامية إلى محافظة.
ليس الأمر غريباً أن تتحول عكار إلى محافظة بينما هي تضمّ ما يناهز ثلاثمئة بلدة وقرية ومدينة، ويقارب عدد سكانها ما يوازي كل بقية أقضية الشمال الأخرى مجتمعة.
شكّلت عكار سابقاً كتلة حريريّة بامتياز، إثر حادثة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري 2005، وخروج القوات السورية من لبنان.
في فترة الوجود السوري، انضبطت الحركة السياسية وفق الإيقاع السوري، وقبل ذلك، أي ما قبل بدء الحرب الأهلية اللبنانية، كان للسلطة اللبنانية التأثير الأكبر في رسم معالم المعارك الانتخابية، وتشكيل لوائحها، وفوزها في الانتخابات.
فعلى سبيل المثال، في الانتخابات التي حدثت زمن الشهابية، أي بين 1958 و1968، ضبطت الشعبة الثانية في الجيش اللبناني الانتخابات، وأنتجت برلماناً موالياً للسلطة، متّخذة من أحداث كبيرة، كثورة 1958، وانقلاب الحزب القومي 1961، حجّة للإمساك بالوضع الأمنيّ، وتالياً السياسيّ.
وفي آخر معركة انتخابية عام 1972 قبل اندلاع الحرب الأهلية، أرخت السلطة الجديدة (كتلة الوسط: فرنجية- سلام- الأسعد)، المُعارِضة للشهابيّة، بظلٍّ قويّ على الحركة السياسيّة في عكار، حيث كانت قد ضربت الشعبة الثانية، وأضعفتها على المستوى اللبناني، فحدثت أول تجربة من نوعها، وهي ترشّح الدكتور عبد الله الراسي، المقرّب من العهد، على أقوى لائحتين عكاريّتين في الوقت عينه، ما حسم المعركة سلفاً لصالح لائحة السلطة آنذاك.
توقفت الحياة الانتخابية في لبنان عقب أحداث 1975، وما تلاها، وعادت للمرة الأولى سنة 1992، حيث دخل لبنان مرحلة الطائف، وكان للوجود السوري تأثير أساسي في الحركة السياسيّة اللبنانيّة، وانعكس ذلك على عكّار في لوائح انتخابيّة موالية للسلطة الرسميّة، وكان للرئيس الحريري دور كبير في تحوّلات الولاء الشعبي السياسية؛ كما ترك دور رجل الأعمال عصام فارس بصمات جليّة في الساحة العكاريّة، نظراً إلى الخدمات الكبيرة التي قدّمها في المنطقة.
في هذا الظرف، بدأت عكار تشكّل خزاناً لوقود المعارك السياسية الحريريّة، بتحالفها مع القوى الموالية لسوريا.
ويوم خرجت قوات الجيش السوري من لبنان، بقي الخزّان الشعبي موالياً للحريرية، يرفدها بأكبر كتلة شعبيّة سنيّة في لبنان، إلى جانب الكتلة الطرابلسيّة الوازنة.
ومع انسحاب الرئيس سعد الحريري من المعركة الحاليّة، تشهد الساحة تشرذماً، وظهوراً للعديد من اللوائح من مشارب مختلفة، وليس غريباً أن تتمثّل شخصيات حريريّة سابقة في لوائح متجابهة اليوم.
تتوزع مقاعد الدائرة على سبعة، ثلاثة للسنّة، واثنان للروم الأرثوذكس، وماروني واحد، وعلويّ واحد، ورغم تقارب عدد المقاعد بين طوائف الدائرة الأساسيّة، إلا أنّ الكتلة الشعبيّة السنيّة الوازنة بشكل حاسم، والتي تشكّل الحريريّة الوزن الأقوى فيها وتَفْرِق بكثير عن بقية الطوائف، كانت تحسم نتائج المعركة وتحدّد نواب بقيّة الطوائف.
اللوائح
رست الترشيحات على ثماني لوائح، وهو عدد كبير نسبيّاً مقارنة مع القوى والتيارات السياسية المتمثلة في المنطقة، وهي:
لائحة "النهوض لعكار"، وهي مكتملة، ومدعومة من بهاء الحريري، بالتحالف مع قوى على صلة دبلوماسيّة ودوليّة؛
لائحة "الوفاء لعكار" وهي مدعومة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مكتملة، ووجوهها جديدة على الساحة السياسية؛
لائحة "عكار" شكّلها النائب السابق طلال المرعبي بالتحالف مع "القوات اللبنانيّة"؛
لائحة "عكار التغيير" مكتملة وفيها مجموعة من الأسماء الآتية من ساحات حراك 17 تشرين الأول 2019؛
لائحة "عكّار أولًا" يرأسها النائب السابق محمد يحيي، بالتحالف مع التيار العوني، والحزب السوري القومي الاجتماعي؛
لائحة "الاعتدال الوطني" وتضم كتلة نيابية لتيار المستقبل سابقاً، وفي مقدمها النائب وليد البعريني، ابن العائلة الموالية تاريخياً لسوريا، لكنه التحق بلائحة تيار "المستقبل" في الدورة السابقة، ومعه نواب حاليّون، ووجوه جديدة؛
لائحة "نحو المواطنة" من ستّة مقاعد، تضم تحالف الحزب الشيوعي اللبناني مع "مواطنون ومواطنات"، ومرشّحة مستقّلة؛
لائحة"عكار تنتفض" من خمسة مرشحين، وفيها تجمّعٌ ثانٍ من حراك شارع 17 تشرين الأول 2019.
التوقعات
من الصعب ضبط التكهنات في منطقة مترامية كعكار، مع غياب التأثير التاريخي فيها للحريريّة وتشرذم القوى، وانعكاس ذلك ببلوغ عدد اللوائح ثمانية.
لكن مركز الاحصاء والدراسات الاستراتيجية، بمبادرة الباحث والخبير في الشؤون الانتخابية الدكتور إيليا إيليا، وضع دراسة علميّة موضوعيّة عن الدائرة بواسطة 3832 استمارة، موزعة على 125 بلدة وقرية.
ناخبو الدائرة يبلغون هذا العام 309517 ناخباً، بينما كانوا 293071 ناخباً في الدورة السابقة 2018؛
من نتائج الدراسة المقارِنَة، يظهر أنّ عدد المقترعين في دورة 2018 بلغ 136947 ناخباً، أي ما نسبته 39,63 في المائة؛ وتظهر الدراسة عن الدورة الحاليّة أنّ عدد الناخبين الافتراضيّ هو 117369، أي ما نسبته 37,92 في المائة.
وبعد تحديد الحواصل، والنسب، وإجراء الترتيبات اللازمة وفق القانون الانتخابي المعمول به، سيكون الفائزون:
من لائحة "الاعتدال الوطني": وليد البعريني، محمد سليمان، هادي حبيش (نواب حاليّون)، وسجيع عطيّة (جديد).
ومن لائحة "عكّار أولًا": أسعد درغام (عوني ونائب حالي) وحيدر عيسى (علوي جديد).
ومن لائحة "عكّار": طلال المرعبي (نائب سابق، ابنه طارق المرعبي نائب حاليّ من لائحة تيار المستقبل السابقة).
إلا أن النتائج تظل عرضة لتبدلات طفيفة، بإقرار من الدراسة، ويعتمد ذلك على تعديل كسور الحواصل، ونسبها ذات الفارق الضئيل.