الحركة الطلابية الفلسطينية.. نبض العمل الثوري ضد الاحتلال

الحركة الطلابية الفلسطينية تلعب دوراً في "إعلاء صوت المقاومة وثقافتها"، وتُعتبر "العمود الفقري" للثورة الفلسطينية من خلال انخراط كوادرها في "صفوف الأجنحة العسكرية" المقاوِمة للمحتل.

  • جانب من احتفالات الحركة الطلابية في جامعة
    خَرّجت الحركة الطلابية أكبر قيادات الأحزاب الفلسطينية وأهمها

لا تتوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الطلاب الفلسطينيين عامة، والمنتسبين للفصائل بشكل خاص. وتبدأ هذه الجرائم من اقتحام الجامعات ولا تنتهي بالاعتقال الإداري والأسر.

كانت آخر فصول هذا المسار الإجرامي الطويل الأسبوع الماضي باقتحام قوات الاحتلال جامعة "بيرزيت"، واعتدائهم على حراس الجامعة وتخريبهم للممتلكات، حيث جاء ذلك في اليوم المقرر فيه إقامة احتفالات بمناسبة ذكرى انطلاقة حركة "حماس" الـ34.

وبرغم الاقتحام إلا أن "الكتلة الإسلامية" أقامت احتفالاتها بعد ساعات قليلة، فيما حذر الاحتلال عبر رسائل نصية من المشاركة في الفعاليات التي تخص حركة "حماس"، مهدداً بـ"معاقبة" كل من يشارك فيها.

إدارة جامعة "بيرزيت" أغلقت أبواب الجامعة وقاعة "كمال ناصر"،بعد اقتحام قوات الاحتلال، في وجه أهالي الأسرى والشهداء، مبررة ذلك بمنع التجمعات المغلقة بسبب المتحور الجديد من "كورونا"، ما دفع بعض الطلاب إلى كسر الأبواب للسماح للأهالي بالدخول.

كما شنت قوات الاحتلال حملات اعتقال واسعة ضد العديد من الطلبة من مختلف الجامعات الفلسطينية وعلى رأسهم جامعة "بيرزيت"، محاولةً قتل أي نشاط اجتماعي أو نضالي يسهم في بث الوعي الوطني الفلسطيني. ووفقاً لنادي الأسير الفلسطيني، فإن عدد حالات الاعتقال في صفوف طلبة الجامعات وصل لأكثر من 70 خلال عام 2020.

وكان الاحتلال اعتقل 45 طالباً وطالبة من جامعة "بيرزيت" في 14 تموز/يوليو 2021، على إثر زيارتهم لعائلة الأسير منتصر شلبي.

واستشهد طالب العلوم السياسية في جامعة "بيرزيت" فادي وشحة متأثراً بإصابة في الرأس من قبل قوات الاحتلال، ويذكر أن وشحة كان أسيراً سابقاً ومطارداً ثم شهيداً.

لا يكتفي الاحتلال باعتقال الطلاب الجامعيين، بل تطال الاعتقالات الأطفال وطلاب الثانوية العامة، حيث أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، في وقت سابق، نجاح 451 أسيراً موزعين على 10 معتقلات في امتحانات الثانوية العامة للأسرى.

الحركة الطلابية وإعلاء صوت المقاومة

طالب دراسات عليا وناشط سابق في "القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي"، الذراع الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في جامعة "بيرزيت"، بلال علي قال للميادين نت إنه "على مدار تاريخ الصراع مع الحركة الصهيونية كان للحركة الطلابية الفلسطينية الدور الأهم في المواجهة مع المحتل، وقد برز الدور الطليعي للطلبة في محطات عديدة وتجارب مهمة، منها (كتيبة الجرمق) التي أذلت العدو الصهيوني على أعتاب قلعة شقيف في الجنوب اللبناني في العام 1982".

وأشار علي إلى دور الحركة الطلابية "البارز" خلال الانتفاضة الأولى سنة 1987، وقال إن الطلبة "شغلوا قيادة العمل العسكري في الفصائل الفلسطينية خلال فترة التسعينات والانتفاضة الثانية"، متطرقاً إلى "محاولات مستمرة وحثيثة من قبل أجهزة الاحتلال والسلطة الفلسطينية لتحييد الحركة الطلابية، ومنعها من أداء دورها في قيادة الشارع ومقاومة المحتل".

وقال علي إن دور الحركة الطلابية يتمثل في "إعلاء صوت المقاومة وثقافتها"، مشدداً على "أهمية خلق تواصل دائم ومستمر مع الحركة الطلابية العربية والعالمية، بما يضمن إبقاء صوت فلسطين وقضيتها عالياً".

ولفت إلى العنف الذي يمارسه الاحتلال ضد الطلاب أثناء فترة الأسر والتحقيق، قائلاً إن "بعض الطلاب تعرضوا لتعذيب بشع في زنازين المسكوبية"، مضيفاً أن الاحتلال "كسر ظهر أحد القياديين السابقين في الحركة الطلابية خلال التحقيق معه".

وعَرج علي في حديثة على الإغلاقات والاقتحامات التي يقوم بها الاحتلال للصروح التعليمية، قائلاً إن "اقتحام الجامعات، مثل ماحدث في جامعة بيرزيت الأسبوع المنصرم، ليس بالأمر الجديد"، حيث أغلق الاحتلال جامعة "بيرزيت" عدة مرات بأوامر عسكرية، وأحد الأوامر امتد إلى ما يقارب الـ5 سنوات.

تاريخياً.. تأسيس الاتحاد الطلابي

تعمل الدول الاستعمارية بشكل ممنهج على تغيير ثقافة الشعوب التي تقوم باحتلال أراضيها، محاولةً تجهيل الشعب وسلخه عن هويته الثقافية والوطنية والتاريخية. 

الاستعمار البريطاني، قام مثلاً، بالحد من فرص التعليم وتحديد عدد المدارس لكل مرحلة تعليمية في فلسطين أثناء فترة احتلاله لها، بالإضافة إلى منع إنشاء جامعة وطنية، مما جعل التعليم متاحاً فقط لمن يستطيع دفع تكاليفه باهظة الثمن. 

من جهة أخرى، نشأت جمعيات سميت بـ"جمعيات الخطابة" في الجامعات. ومارس الطلاب من خلالها نشاطهم الرياضي والثقافي والسياسي. وبدأ التنسيق بين هذه الجمعيات لتشكيل اتحاد طلابي لمناهضة الاستعمار ومطامعه، وذلك في ظل تعاون بريطانيا مع الحركة الصهيونية بنيّة إنشاء "دولة يهودية" على أرض فلسطين.

 نشاطات الحركة الطلابية استمرت في مرحلة ما بعد الاستعمار البريطاني. منذ النكبة إلى يومنا هذا لا تزال الحركة الطلابية تمارس دورها الريادي في مقاومة  الاحتلال الإسرائيلي.

العمود الفقري للثورة الفلسطينية

لانا عساف، وهي طالبة في الجامعة "العربية الأميركية" في جنين تحدثت إلى الميادين نت عن دور الحركة الطلابية الفلسطينية في مواجهة المحتل، وقالت إن "الحركة الطلابية تمثل نبض الشارع، وهي الشعلة التي تحرك العمل الثوري"، مضيفةً أن الحركة الطلابية الفلسطينية تُعتبر "العمود الفقري الذي أوقف الثورة الفلسطينية على قدميها"، واصفةً إياها بـ "العقل واليد مجتمعتان في الانتفاضة الأولى والثانية".

وقالت عساف إنه "ليس هناك مستقبل جيد بوجود محتل، والطلبة داخل الجامعات بداخلهم روح التغيير نحو الأفضل عن طريق التثقيف السياسي والتوعية، والاشتباك والعمل الثوري".

وأشارت عساف إلى الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحق الطلبة وعلى رأسها "الاعتقال السياسي"، إذ يستخدم اعتقال الطلبة كـ"أداة ترهيب لتخويف بقية الطلبة والحد من نشاطاتهم".

ولفتت عساف إلى "تركيز العدو على احتلال العقول، ونشر ثقافة الاستسلام"، وتضيف "في حال نجح الاحتلال في ذلك هنا نقول إن إسرائيل انتصرت، ولكن ما لم يحدث على مدى أكثر من 70 عاماً، لا يمكن حدوثه  الآن ولا في المستقبل".  

وتطرقت عساف إلى أشكال المواجهة بين الطلبة الفلسطينيين والاحتلال، وأشارت إلى أن "كل حملة اعتقالات تتبعها موجة اشتباكات بين الطلبة وقوات العدو، حيث تبدأ المواجهة بإقامة المتاريس وإشعال الإطارات، ثم انضمام الطلبة للخلايا الفدائية والجهادية المسلحة".

وأشارت عساف في حديثها إلى اقتحام الاحتلال لجامعة "بيرزيت" ومصادرته للأعلام التي رفعها الطلاب في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية وحركة "حماس"، معتبرة أن "الاحتلال لا يريد رؤية أي شكل من أشكال المقاومة".

العقاب الجماعي

الطالب في العلوم السياسية وممثل "كتلة الوحدة الطلابية"، الذراع الطلابي للجبهة الديمقراطية في جامعة "بيرزيت"، وليد إبراهيم حرازنة، أشار إلى أهمية الحراك الطلابي في المقاومة الفلسطينية، قائلاً إن "الحركة الطلابية في الماضي، أي ما بعد نكسة 1967 ولغاية تأسيس السلطة الفلسطينية، شكلت رأس حربة المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة"، حيث أن للجامعات والكليات الفلسطينية "دور قيادي في التصدي والمواجهة وتنظيم الصفوف، وخلق أرضية العمل الفصائلي في الداخل المحتل". 

وقال حرازنة في حديث مع الميادين نت إن مساهمات الحركة الطلابية في الانتفاضة الثانية لم تقتصر على "التعبئة الجماهيرية"، حيث انخرط الكثير من كوادرها في "صفوف الأجنحة العسكرية، وحملوا السلاح"، مضيفاً أن "ساحات الجامعات أصبحت أرضية تتنافس عليها الفصائل لتشكيل الخلاية العسكرية".

ولفت حرازنة إلى أسباب اعتقال سلطة الاحتلال للطلبة الفلسطينيين قائلاً: "يتم اعتقال الطالب لكونه عضواً في إطار طلابي يعتبره الاحتلال تياراً إرهابياً"، أو بسبب نشاط الطالب وقدرته على الحشد والتأثير. 

وشدد حرازنة على أن "الاحتلال ينتهج أسلوب العقاب الجماعي، حيث أن أي عمل مقاوم يقوم به فردٌ من فصيل ما، تكون تبعاته على كل الطلاب التابعين لهذا الفصيل".

وتحدث حرازنة عن الاعتقالات التي طالت طلاب وكوادر الجبهة الشعبية بعد عملية "عين بوبين" وقال إنه "تم اعتقال ما بين 150 إلى 170 عضواً في الجبهة الشعبية" في كافة انحاء الضفة الغربية، مضيفاً أن عملية الاعتقال عبارة عن عقاب للجبهة الشعبية على العملية، التي كانت فيها عدد من الطلاب الذين كانوا ضمن الخلية العسكرية لـ"عين بوبين".

ومن إنجازات الحركة الطلابية في الحرم الجامعي وفق حرزانة، أنها استطاعت الحصول على خصم في الرسوم الجامعية للطلاب الذين تم اعتقالهم لمدة عام أو أكثر، وتبلغ نسبة الخصم في الجامعات الأهلية والخاصة، ومن بينهم "بيرزيت" 75%، بينما يصل الخصم إلى 100% في الجامعات الحكومية.

وشدد حرازنة على أن "السلطة الفلسطينية تمارس دوراً سلبياً ضد الحركات الطلابية"، بحسب تعبيره، حيث تقوم "بالتضييق على الأنشطة"، وتصل الممارسات إلى حد "ملاحقة وتهديد الكوادر، بالإضافة إلى الاعتقالات السياسية".

خَرّجت الحركة الطلابية أكبر قيادات الأحزاب الفلسطينية وأهمها، من جورج حبش ووديع حداد إلى فتحي الشقاقي ويحيى عياش وغيرهم من القادة والكوادر الثورية الفلسطينية. القوى الطلابية في فلسطين المحتلة مستمرة في مقاومة الاحتلال، مقدمة الشهداء والأسرى، حتى وصلت إلى أن يكون الطلاب هم المحرك الرئيسي ضد الاحتلال في الضفة الغربية، وهذا بطبيعة الحال، ما نشأت عليه الحركة الطلابية منذ عقود في فلسطين المحتلة، ويعبّر عنها وعن وجودها واستمرارها.

اخترنا لك