كيف يستخدم الاحتلال إشاعة الجريمة داخل أراضي 48 ضد النضال الفلسطيني؟

من العدوان المباشر إلى دعم العصابات المسؤولة عن إشاعة الجريمة والقتل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48.. سياسة "إسرائيل" في وجه الفلسطينيين.

  • إشاعة الجريمة داخل الأراضي المحتلة عام 48.. سياسة
    إشاعة الجريمة داخل الأراضي المحتلة عام 48.. سياسة "إسرائيل" في وجه الفلسطينيين

تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 ارتفاعاً في عدد ضحايا القتل والجريمة، حيث بلغت حصيلة القتلى منذ مطلع عام 2023، 166 من بينهم 10 نساء، فيما بلغ عدد القتلى منذ بداية شهر أيلول/سبتمبر 11 قتيلاً. إن هذه الأرقام ارتفعت مقارنة بالعامين المنصرمين، وبحسب ما جاء في تقرير صادر عن جمعية الشباب العربي(بلدنا) فإن عدد القتلى ارتفع منذ 2016 من 53 إلى 108 قتلى في عام 2022، أي بنسبة 103%.

ويشير ذات التقرير الصادر عن "جمعية بلدنا"، بأن 84 % قتلوا نتيجة إطلاق نار، فيما بلغت نسبة الضحايا تحت سن الـ30 عاماً 58%، وتركزت هذه الجرائم في الشمالي الفلسطيني المحتل بنسبة 82%. 

إن هذه المعطيات تظهر ارتفاع الجريمة والقتل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وتضع الصحفيين والمحللين السياسين ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب الفلسطينية، أمام نقاش ذو بعدّ سياسي يتشعب من خلاله الاقتصاد والوضع الاجتماعي. في سبيل حلّ إشكالية خلقها الاستعمار الإسرائيلي بشكل ممنهج، والحوار بين ثنائية ارتفاع الجريمة في ظل غياب العمل السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وفقدان الفصل والأحزاب الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة لرؤية فلسطينية موحدة ،بعيداً عن التقسيمات الجغرافية التي خلقها الاستعمار في فلسطين.

موقع الميادين نت، أجرى مقابلة مع الباحث الفلسطيني، أحمد اللحام، الذي بدوره قال بأن" ظاهرة القتل والجريمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 لها أبعاد ومرتبطة بعوامل أدت إلى انفجارها بشكل واضح"، وأشار إلى أن العامل الاقتصادي لعب دوراً، وعلى مدار 70 عاماً انتهجت "إسرائيل" سياسات اقتصادية أدت إلى البطالة والاكتظاظ والعنف، وأضاف بأنه" بعد عام 1948 لا يوجد قرى فلسطينية جديدة وبالمقابل يوجد 600 "قرية يهودية" وهو تميز ممنهج ضمن سياسة "الابارتهايد".

وفيما يتعلق بعمل الأحزاب الفلسطينية هناك، قال إن" العمل السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 اختزل فقط داخل الكنيست الإسرائيلي دون عمل حقيقي على أرض الواقع"، وأضاف بأنه" لا يوجد عمل سياسي بالتالي الفرد يبحث عن الخلاص الفردي، إما من خلال الانخراط بالتعليم والأكاديميا لتحقيق الآمال الاجتماعية والإقتصادية والبعض الآخر يسير في مسار الجريمة أو الهجر خارج البلاد".

وفي سياق متصل، أضاف بأن"إسرائيل تستثمر موضوع الجريمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 سواء بالشكل السياسي أو الأمني، عبر دعمها لهذه العصابات".

موقع الميادين نت، أجرى مقابلة مع عضو المكتب السياسي لـ"حركة أبناء البلد" في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، لؤي الخطيب، الذي بدوره قال بأن"أي تحليل يبتعد عن كون إسرائيل هي السبب في الجريمة، فهو تحليل غير علمي وحقيقي"، وأضاف " صحيح أن الفلسطينين هناك يعانون من ظروف اقتصادية سيئة خلقها الاحتلال، ولكن إن نظرنا إلى مخيمات اللجوء في الضفة الغربية التي تعاني من ذات الظروف لا نشاهد القتل".

وقال بأنه" خلال السبعينات كسر الفلسطينون في الأراضي المحتلة عام 48 حالة الخوف من إسرائيل واتجهوا نحو البوصلة الوطنية والدينية، وهذا ما خلق عند العدو المخاوف"، وأضاف بأن "إسرائيل" كانت تصنفهم على أنهم طابور خامس وهو تصنيف يضع الفلسطيني وكأنه ضمن النسيج الإسرائيلي، وتابع أنّ من بين السيناريوهات التي وضعتها "إسرائيل" في مواجهتها للفلسطينيين هو إغراقهم بالدماء وتحييدهم عن بوصلتهم الوطنية.

وأضاف بأن "إسرائيل" إلى جانب مساهمتها في العنف والجريمة فإنها تصبو إلى تهجير القيادة والنخب السياسية والعائلات الفلسطينية بحثاً عن الأمان الشخصي، ولفت إلى أن"الإنسان يستطيع تحمل الظروف الاقتصادية والسياسية ولكن عندما يُقتل ابنه أو أحد أفراد عائلته تصبح المعادلة مختلفة"، وأشار إلى أنه"إن لم تستطع إسرائيل تهجير الفلسطينيين فإنها تدفعهم إلى تحييد البوصلة الوطنية السياسية".

وتابع أنّ "إسرائيل" نجحت نوعاً، فـ"سابقاً كان الاهتمام الاعلامي والصحفي يصب في الحالة الوطنية والتخطيط للفعل الوطني، أما اليوم الاهتمام والتركيز عن العنف والجريمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48".

وأكد في ذات السياق، "أن إسرائيل تتحمل مسؤولية دماء الفلسطيني، مشيراً إلى أن"هذا العنف تقوم به منظمات الإجرام بدعم مالي من إسرائيل"، مضيفاً بأن "إسرائيل" لديها المعلومات عن عدد المنظمات الإجرامية وكم تملك من الأموال، ولكنها في ذات الوقت تدعي عدم وجود الأدلة الكافية لإلقاء القبض على المجرمين.

أمّا عن دور الأحزاب السياسية، قال بأن" كل التشكيلات السياسية تفتقر إلى الأدوات لمواجهة العنف والجريمة"، مؤكداً أنّ "وقف العنف لا يحتاج إلى عمل سياسي، بل إلى قوة مسلحة رادعة"، وأضاف" صحيح بأننا نحاول حلّ المساهمة في حل الإشكالية من خلال التدخل لإنهاء أي خلاف عائلي ونشر ثقافة التسامح، إلا أنه "في السنوات الأخيرة تشكّلت ثقافة العنف عند الشباب لحل القضايا".

وفي ذات الشأن، موقع الميادين نت أجرى مقابلة مع مديرة جمعية الشباب العربي(بلدنا)، نداء نصار والتي بدورها قالت بأن قضية الجريمة كبيرة ولا يوجد إطار معين يستطيع التعامل معها، وأضافت بأن" عملنا كجمعية يستهدف فئة الشباب سواء كانوا ضحايا أو فاعلين للجريمة".

وأضافت بأن" قمنا باستهداف فئة الشباب والعمل معها، بناءً على بحث أجريناه خلال عام 2019 بالتعاون مع جامعة كوفنتري البريطانية" وأشارت إلى أنه خلال البحث توضحت سياقات الجريمة خلال العشر سنوات، وأضافت بأن" الفكرة كانت لا نسأل أنفسنا ضمن السياق الكولونيالي كيفية التأثير على العلاقات والبنى الاجتماعية والثقافية للمجتمع، بالتوازي مع ممارسات إسرائيل والشرطة" ووضحت بأن البحث تخلل 18 مقابلة فردية مع شبان وجماعات متداخلة ضمن عالم سوق السوداء. 

وفي ذات السياق، أشارت إلى أنه على ضوء الاستنتاجات التي أظهرها البحث الميداني والمقابلات، تم اجراء نوع من الاستفتاء الجماهيري على المستوى السياسي والجماهيري لتقديم المقترحات وآلية العمل، ولفتت إلى أنه" قمنا لاحقاً بإنشاء كُتيب ومن خلاله عرضنا التدخلات الوقائية لبناء حصانة لدى المجتمع من الجريمة".

وقالت بأنه، في أحدى فصول البحث تطرقنا إلى موضوع العائد المادي السهل ويرافق ذلك أن الشاب الفلسطيني لا يوجد عنده أفق سياسية واقتصادية مما يدفعه إلى اللجوء إلى عالم الجريمة. وأشارت إلى أنه" في نهاية المطاف صحيح بأن هذه الناس مجرمة ولكن ليست مجرمة لأنها لا تحب أن تكون في هذا المكان"، ووضحت بأن الشاب الذي يسلك هذا المسار هو مهمش في مدرسته وعائلته ومحطيه الإجتماعي. وأضافت بأنه" في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والبُعد الطبقي واضحاً، وبالنسبة لمرتكب الجريمة أسهل عليه أن يقوم بسرقة محل تجاري".

وأضافت بأن" إسرائيل تتعامل مع القضية على أن العرب بطبيعتهم يميلون إلى القتل والعنف كي تسقط على نفسها مسؤولية حدوث الجرائم". مشيرة إلى أنّ "إسرائيل" تتخذ خطوات لإضغاف المجتمع على المستوى السياسي وتقييده من خلال الاحتواء الاقتصادي  وإضعاف بنيته من خلال الجريمة.

وأشارت إلى أنه " في السابق كان هناك مؤسسات ومرجعيات تشكل نموذجاً للشباب وإلى جانب الإعتبارات العائلية والحزبية التي كانت تعطي مساحة للحضور"، مؤكدة أنّ غياب المؤسسات والعائلة ساهم في ارتفاع الجريمة. 

وأكدت أن المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب السياسية والجهات القيادية سواء إن كانت داخل "الكنيست" الإسرائيلي أو خارجه.

وعليه، فإنّ  "إسرائيل" تتحمل المسؤولية عن ارتفاع الجريمة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، عبر تعزيز هذه العصابات ودعمها مالياً. ولكن يبقى الرهان قائماً على وعي الفلسطينين في الوقوف بوجه مخططات الاحتلال ومؤمراته.

اخترنا لك