جبل المكبر: صرخة عالية في مواجهة مخططات تهويد القدس
المشهد في جبل المكبر يبدو مفتوحاً على مزيد من التوتر والتصعيد في ظل تعنّت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ودفعها الأمور إلى الانفجار بإصرارها على تنفيذ أوامر الهدم. فهل يكون جبل المكبر المقدسي من عناوين المواجهة المقبلة بين الفلسطينيين والمحتلين؟
يشكل تاريخ 31-1-2023 محطة مفصلية في المواجهة بين قوات الاحتلال وأهالي القدس، وتحديداً أهالي جبل المكبر. فأبناء هذه المنطقة أعلنوا والتزموا بالإضراب العام الذي شمل المدارس والقطاع التجاري؛ احتجاجاً على قرارات الاحتلال التي أعلنها وزير "الأمن القومي"، إيتمار بن غفير، للشروع في هدم المنازل في القدس الشرقية. وتقدر أعداد الوحدات السكنية المنوي هدمها في جبل المكبر وحدها بـ 600 وحدة بذريعة عدم وجود تصاريح لبنائها.
الأطماع الإسرائيلية في أراضي جبل المكبر الواقع جنوب شرق القدس المحتلة ليست جديدة. فهناك نيات إسرائيلية لإقامة قاعدة عسكرية ضخمة على أطراف الجبل، وتوسيع مستعمرة "نوف تسيون" المقامة على أراضي البلدة، منذ مطلع العام 2000.
المستعمرة التي يراد لها أن تكون أكبر المستعمرات داخل الأحياء المقدسية، شيدت بتمويل من مستثمرين يهود على أكثر من 100 دونم اقتطعت من أراضي جبل المكبر. يسكن المستعمرة المطلة على البلدة القديمة في القدس المحتلة نحو 100 عائلة إسرائيلية، وهناك نيات إسرائيلية لتوسيعها عبر بناء نحو 200 وحدة سكنية جديدة وعشرات الغرف الفندقية.
وبالطبع، فإن توسيع المستعمرة سيزيد الاحتكاك بين سكان جبل المكبر وقوات الاحتلال، و لاسيما الشرطة وحرس الحدود والحراس الخاصين بالمستعمرة، ما سيعرقل الحياة اليومية للفلسطينيين ويعزز وجود الاحتلال في الأحياء العربية عبر إطلاق يد الاستيطان والمستوطنيين بهدف وصل مستعمرات جنوب القدس بمستعمرات شطريها الغربي والشرقي.
كذلك تخطط بلدية القدس المحتلة لنقل مركز شرطة "عوز" المقام قرب مستعمرة "نوف تسيون" إلى مكان آخر في جبل المكبر على أراضي الفلسطينيين. وهذا الأمر سيسهل لقوات الشرطة الإسرائيلية الوصول إلى الأحياء المقدسية كجبل المكبر وصور باهر وغيرها.
كذلك يعتزم الاحتلال إقامة قاعدة عسكرية ضخمة على أطراف جبل المكبر ما سيحيط سكان الجبل بالحواجز المؤدية إلى القاعدة وسيقيد تحركاتهم وتنقلاتهم، إضافة إلى الإزعاج المترتب على التدريب العسكري في مكان قريب من السكان، ما قد يرفع خطر القتل والاستهداف للمقدسيين في جبل المكبر والأحياء المجاورة.
بن غفير يسرع في تصعيد الوضع في جبل المكبر
كل هذه النيات المعروفة تبدو وكأنها وضعت على أرض الواقع مع قرار بن غفير الذي ترجم هدم 31 منشأة مقدسية فقط خلال شهر كانون الثاني/يناير 2023، آخرها هدم منزل محمد مطر في 29-1-2023 في جبل المكبر الذي يقطنه أكثر من 23 ألف فلسطيني. هذا العدوان الإسرائيلي دفع سكان الجبل، وتحديداً اتحاد عشائر عرب السواحرة والحراك الشبابي في الجبل إلى الدعوة لإضراب عام وعصيان مدني شامل يوم 31-1-2023 مع إغلاق تام لمداخل الجبل بالعوائق، وصب الزيت على الطرقات لمنع اقتحامات قوات الاحتلال.
الالتزام بالإضراب كان صارماً ما بعث رسالة واضحة إلى الاحتلال مفادها أن استمرار عمليات الهدم لن يكون بلا ثمن، وقد أعلنت قوات الاحتلال بالفعل "تأجيل" الهدم إلى نهاية الأسبوع أو الأسبوع المقبل. ومع ذلك، استمرت الاقتحامات عبر قوات المشاة البرية من خلال أراضي جبل المكبر وإمطار الأهالي بقنابل الغاز، وسجل اعتقال شاب فجر الأول من شباط/فبراير من الجبل. ما يؤشر إلى مزيد من التصعيد ولا سيما مع الحديث عن عصيان مدني ينفذه أهالي الجبل، كأنهم يترجمون مقولة "إذا كان محتوماً أن نواجه عدونا، فلنرفض الاستسلام ولنجعل المواجهة مكلفة وصعبة على العدو".
جبل المكبر الذي يقال إن سبب تسميته هو تكبيرات المسلمين "الله أكبر.. الله أكبر" فوق سفحه بعد الفتح الإسلامي للقدس عام 637 بعد الميلاد، شهد إضراباً استمر 3 أيام خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي قادته لجنة أولياء أمور طلبة جبل المكبر بمساندة عشائر عرب السواحرة رفضاً لحرمان نحو 600 طالب من المواصلات من قبل بلدية الاحتلال.
انتهى ذلك الإضراب بتحقيق أهدافه، ما جعل أهل الجبل يكررون التجربة رفضاً لهدم القدس ومنازل أهلها.
ويرفض أهالي جبل المكبر الهدم الذاتي للبيوت، وبهذا الهدف شاركت 11 عشيرة هي عماد اتحاد عشائر عرب السواحرة بكتابة ميثاق ملزم لكل أبنائها رفضاً للهدم الذاتي، وقد جاء في الميثاق "الهدم الذاتي صار وراء ظهورنا، وعليه فإن جبل المكبر يناشد عموم القدس الالتزام بهذا الميثاق".
المشهد الميداني في جبل المكبر يبدو مفتوحاً على مزيد من التوتر والتصعيد في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية الجديدة ودفعها الأمور إلى الانفجار بإصرارها على تنفيذ أوامر الهدم. لطالما كانت القدس مكمن لحظات الانفجار في التاريخ السياسي الفلسطيني الحديث، فهل يكون جبل المكبر المقدسي من عناوين المواجهة المقبلة بين الفلسطينيين والمحتلين في هذه المرحلة التي تحمل إشارات الخطر في أكثر من مكان على خارطة فلسطين؟