ألسنة الشعوب تعود إلى أصولها.. لغة المستقبل تبتعد عن الإنكليزية والفرنسية
حواجز لغوية ترتفع وأخرى تختفي. العالم لا يتغيّر سياسياً واقتصادياً فحسب، بل يتغير حروفاً ولغاتٍ أيضاً. فما حجم هذا التغيّر؟ وما ديمومته؟ وكيف تتأثّر ألسنة الناس بالهزات السياسية الدولية؟
دخلت "الماندرين" (اللغة الصينية) رسمياً المناهج الدراسية في إيران بعد خطوة مماثلة لتركيا والسعودية، والتي صنّفتها اللغة التعليمية الثالثة في البلاد، بعد العربية والإنكليزية. كذلك، انتعشت لغة "البامبارا" في مالي على حساب الفرنسية.
حواجز لغوية ترتفع وأخرى تختفي. العالم لا يتغيّر سياسياً واقتصادياً فحسب، بل يتغير حروفاً ولغات أيضاً. فما حجم هذا التغيّر؟ وما ديمومته؟ وكيف تتأثّر ألسنة الناس بالهزات السياسية الدولية؟
"الماندرين": "لغة المستقبل"
كان لافتاً دخول اللغة الصينية المناهج الإيرانية، وفق ما رأى محلل الميادين للشؤون الإيرانية، سياوش فلاح بور. وأكد أنّ ما جرى خطوة أساسية نحو تنفيذ "سياسة التوجه شرقاً"، وفتح الباب أمام تعاون الشارع الإيراني مع الصين، كي لا تكون العلاقات مقتصرة على الشركات الحكومية.
ولفت فلاح بور إلى أنّ هذا القرار "مرتبط بمستوى التجار المحليين"، لأنّ العلاقات السياسية والاقتصادية، على صعيدَي الحكومة والشركات الكبيرة، قائمة.
وعقّب بور، في السياق، بأنّ معظم الشركات الغربية، وحتى بعض الشركات التابعة للدول الشرقية، بما في ذلك الشركات الهندية، انسحبت من إيران خوفاً من العقوبات الأميركية، لكنّ الشركات والمجموعات الاقتصادية الصينية لم تكترث لها.
من جهتها، أفادت صحيفة "ذا هيل" الأميركية بأنّ قرار إيران لا يقتصر عليها فقط، ولا على الدول التي لطالما وقفت في وجه الولايات المتّحدة وقاومت ضغوطها وعقوباتها، بل أيضاً على الدول الحليفة لواشنطن. فالسعودية، مثلاً، بدأت خطواتها الأساسية للخروج من المنظومة الأميركية.
وذكرت الصحيفة أنّ جامعة الملك سعود وقّعت اتفاقية مع معهد "كونفوشيوس" لإنشاء قسم للغة الصينية. كما فرضت جامعة جدة على الطلاب الجدد دراسة لغة "الماندرين"، بغضّ النظر عن تخصصهم.
وفي كانون الأوّل/ديسمبر 2021، ارتفع عدد المدارس الثانوية في السعودية، التي تدرّس اللغة الصينية إلى نحو 700، بينما تشير وسائل الإعلام، التي تملكها الدولة السعودية، إلى اللغة الصينية على أنها "لغة المستقبل"، وفقاً لـ "ذا هيل".
وتابعت الصحيفة أنّ الاستثمار الكبير للحكومة السعودية في تعليم اللغة الصينية "متجذر في الجغرافيا السياسية، ومدفوع بالرغبة في تحقيق برنامجها الشامل لرؤية السعودية 2030".
اللغة الأم.. من أفريقيا إلى أوروبا
أمّا في أفريقيا، فيعود التحوّل عن اللغة الفرنسية في مالي إلى "أسباب ثقافية وسياسية"، بحسب ما قال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، والذي أضاف أنّ باماكو، عاصمة مالي، تسعى لـ"التحرر من ثقافة الاستعمار والاستغلال والهيمنة".
ووفي السياق، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنّ اللغة الفرنسية في مالي "تخسر مكانتها"، إذ وافق الناخبون الماليون، في حزيران/يونيو، بنسبة 97%، على دستور جديد، اقترحته الحكومة العسكرية في البلاد، يتضمّن نقل الفرنسية من لغة رسمية إلى لغة تُستخدم في مجالات العمل فقط.
وعلى الرغم من أنّ الدستور، الذي خفّض رتبة الفرنسية في البلاد لا يزال مكتوباً باللغة نفسها، فإنّه يوضِح طموحات النظام المالي إلى إنهاء سطوة اللغة الفرنسية، على غرار بلدانٍ أخرى، مثل الجزائر، وفقاً للصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن الأستاذ الجامعي من مينيسوتا، شريف كيتا، ملاحظته، في كل مرة يزور فيها بلده الأم، مالي، ويستقل سيارة أجرة، فإنّ عدداً أقل من مذيعي الراديو يستخدمون اللغة الفرنسية.
وأضاف أن "بعضهم كان يخلط الفرنسية باللغة المحلية، أما آخرون فكانوا يمتنعون عن استخدامها بالمطلق"، مشيراً إلى أنّ "الناس يتجهون إلى التحدث باللغات الأفريقية".
وفي شمالي أوروبا أيضاً، تأخذ قضية اللغات منحىً جديداً. وعلى سبيل المثال، تأمل الدنمارك وهولندا والنرويج استعادة أولوية لغاتها في الجامعات والبحوث، كما يجري التحضير فيها لرد فعل عنيف ضد اللغة الإنكليزية، بحسب صحيفة "ذا إيكونوميست" البريطانية.
وتابعت الصحيفة أنّ عدداً من مواطني فنلندا وهولندا والنرويج والسويد يتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، وغالباً ما يثير السكان إعجاب السياح بإتقانهم اللغة الإتكليزية". لكن "هذه الكفاءة أثارت الجدل"، وفق الصحيفة، إذ أصبحت الجامعات والمؤسسات الدولية تقدّم دورات تدرَّس في الغالب - أو حتى بالكامل - باللغة الانكليزية.
ويتساءل بعض مواطني هولندا والدول الإسكندنافية، بحسب "ذا إيكونوميست"، عن المساحة التي ستُترك للغاتهم الوطنية إذا لم تدرَّس في جامعاتهم الرائدة، علماً بأنّ المتحدثين يستخدمونها في سياقات أكاديمية أقل.