أغاني عرين الأسود وكتيبة جنين.. نموذجٌ لتأريخ المقاومة وصوت الشارع

الأغنية الوطنية الثورية الفلسطينية تلعب دوراً هاماً في حكاية بطولة ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتوجّيه المزاج الشعبي والنقل عنه، والمساهمة في تعزيز ارتباط العمل المقاوم بالحياة اليومية الفلسطينية.

  • أغاني عرين الأسود وكتيبة جنين نموذجٌ لتأريخ المقاومة وصوت الشارع
    أغاني عرين الأسود وكتيبة جنين نموذجٌ لتأريخ المقاومة وصوت الشارع

يتصل الشعب الفلسطيني، بالأغنية الشعبية المرتبطة منذ القدِم، أولًا بالأرض والمواسم الزراعية، ثمّ الإنسان الفاعل بهذه الأرض، حيث كان الفلسطينيون يغنون الأهازيج والكلمات ذات النسق المتصل بالحدث الذي غُنّت فيه، كمواسم الحصاد والأعراس وغيرها من المناسبات الإجتماعية.

وقد رافقت هذه الأغنية الشعب الفلسطيني واتصلت بالسياسة لتأرّخ ما أخفته الرسمية السياسية، وتحاكي هموم وآلام الشعب الفلسطيني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ودرّجت في الآونة الأخيرة، أغاني مجموعة "عرين الأسود" وكتيبة جنين، إضافةً إلى أغاني الشهداء الذين نفّذوا عملياتٍ نوعية مسلحة ضد الاستعمار، فأصبحت هذه الأغاني ذات لهجةٍ ولسان كما حال الفلسطيني، تُسمع في شوارع المدن والقرى والمخيمات، وخلال المناسبات الإجتماعية والأفراح الفلسطينية. 

قابلت الميادين نت المحاضِرة في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة "بيرزيت"، قسم الحاج، للحديث عن ارتباط الأغنية السياسية الفلسطينية بالمقاومة، حيث أكّدت أنّ ارتباط الأغنية الفلسطينية بالسياسة، لا يمكن حصره في أي مرحلة ظهر، حيث وصلنا عن الرواية المحكية والمغنية خلال الحكم العثماني والانتداب البريطاني بصفتها مدونة ومسجلة على الأقل".

وأضافت الحاج بأنّه عند الحديث عن الأغنية الفلسطينية الشفهية المسموعة، فإنّ أغاني الملحن والعازف الفلسطيني، واصف جوهرية، "تُعتبر المؤسِّسة في العودة إلى الأغنية الفلسطينية"، مُشيرةً إلى أنّ جوهرية كان يسجل أغانيه على الأسطوانات التي توَزّع في المقاهي خلال ثورة الكاسيتات. 

  • قسم الحاج | محاضرة في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت تتحدث للميادين

ويشار إلى أنّ جوهرية هو ملحنٌ وعازف مقدسي، ولد عام 1897 في مدينة القدس المحتلة، وتوفي عام 1973 في بيروت، وبرز كأحد أشهر الموسيقيين الفلسطينين في أواخر العهد العثماني، كما اهتم بشكلٍ رئيسي بالتراث الشعبي الفلسطيني. 

وفيما يتعلق بالهدف من هذه الأغاني الشعبية الفلسطينية، أوضحت الحاج أنّ الأغنية الحكائية الشفهية لا تقوم بنفس الوظيفة، قائلةً إنّه "سمعنا عن المجاعة التي ضربت فلسطين وبلاد الشام عام 1915، عن طريق الأغنية، وفي مواقع أخرى تكون الأغنية في حيز عسكريٍ مقاوم، أو تعبر عن تيار سياسي وفكري، كما تثوّر الشعب أو تمتص غضبه تجاه القضايا السياسية والاجتماعية". 

وفي سياقٍ متصل، أوضحت أنّه "إلى جانب ملامسة مشاعر الشعب وتثويرها، فإنّ الأغنية تستخدم كوسيلة لتأريخ حدثٍ معين وتحفظه من النسيان"، لافتةً إلى أغنية المقاومَين أحمد حمد الحمود، وصالح أحمد العرميط، والذين عُرفا باسم أبو جلدة، والعرميط، والتي غُنّت فيهما أغنية تدل على نضالهما ضد الاستعمار البريطاني، حيث يقول مقطع فيها (أبو جلدة وأبو العرميط، ياما كسروا برانيط).

ويُذكر أنّ المُقاومَين نفذا عملية قتلٍ لضابط في الشرطة البريطانية عام 1933، لتصبح قصتهم مترددةً في التاريخ الشفهي الفلسطيني، وتنتقل عبر الأغنية إلى الأجيال الفلسطينية.

ولفتت الحاج إلى أنّ الأغنية في الوقت الحاضر ليست نابعة من شخصٍ ذو منصب سياسي، وتحديداً بعد عصر الإنترنت والتكنولوجيا، وأنّه بإمكان أي شخصٍ استخدام تقنيات تسجيل الصوت ونشر المقاطع وكلماتها عبر موقع "يوتيوب".

وقالت، فيما يتعلق بالعلاقة بين الأغنية وطابعها بالمرحلة السياسية، إنّ "أغاني عرين الأسود وكتيبة جنين انتشرت حالياً، وهي تعكس وتعبر عن الحالة الفلسطينية".

أما فيما يتعلق، بحضور الأغاني الوطنية في المناسبات الاجتماعية والأفراح الفلسطينية، وتحديداً أغاني مجموعة "عرين الأسود" وكتيبة جنين، قالت الحاج للميادين نت، إنّها "تحاكي واقعنا السياسي، وتدل على إشهارٍ علني، وتأييد لهذه الجماعة وفعلها"، كما أكّدت أنذها تُعبّر عن الإنتصار بالمفهوم الفلسطيني، وبالتالي يمثّل انتصار مخيم جنين والتغني به وبالبطولة، إعادةً لرمزية الكرامة بعيداً عن مفهوم الهزيمة.

  • كليب عرين الاسود🔥مع شباب البلدة والقديمة وكتيبة بلاطة وكتيية جنين ومخيمها🎶الفنان احمد نبيل 2023

وأضافت في ذات الشأن، بأنّ سماع أغاني عرين الأسود أو الأغاني التي تعبّر عن الفصائل والعمليات الفدائية، يُخرج الحدث من حيز العقاب إلى الإنتقام، كأغنية "17 أكتوبر"، الداعية إلى الثأر والانتصار، بعد الرد على اغتيال الشهيد، أبو علي مصطفى، عام 2001.

وأجرت الميادين نت مقابلةً مع العضو في فرقة "العاشقين" الفنية الفلسطينية، واللاجئ الفلسطيني الذي يقطن في مخيمات لبنان، عبد قدورة، أكّد فيها أنّ "العاشقين" أصبحت تعبر عن الشارع والصوت الفلسطيني. 

وأشار قدورة إلى أنّ الفرقة أصدرت أول أغنيةٍ لها بطابعها الجديد، بعد استشهاد الصحفية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، حيث حملت الأغنية اسم "نجمة القدس".

وأوضح قدورة أنّ ما يميز أغاني فرقة العاشقين، والتي تصدّرت قلوب الفلسطينين ومثّلت المقاوم الملثم والمشتبك، وأرّخت قصة أبطال نابلس وجنين، هو استخدامها اللهجة الفلسطينية التي طغت على كلمات الأغاني.

  • شفتو البطل شفتو | أنشودة شفتو البطل | العاشقين كاملة

وفي ذات السياق، قال قدورة: "عندما نكتب مشهد من مشاهد الأغنية، نكتب شيء يشبه الناس وبلهجتهم، والمشاهد التي نراها تستفزنا للكتابة".

وأكّد قدورة أنّ هذه الأغاني الوطنية انتشرت بشكلٍ واسع في فلسطين والوطن العربي، "ليس لأنّ كلماتها جميلة، بل لأنّ فعل الشهداء هو الأجمل"، مُشيراً إلى أنّها "توثّق حياة الشهداء والمقاتلين وروايتهم في مواجهة الاستعمار، وتشكّل تكاملًا بين القصة والموصوف والوصف واللحن، حيث تصبح بلا قيمة دون الموصوف".

كم قابلت الميادين نت الناشط السياسي، مهند أبو غوش، والذي أكّد بدوره أنّه "في مرحلةٍ من التاريخ، أصبحت الأغنية تستخدم كأداة سياسية، وليس فناً من أجل الفن والتحشيد حول مواضيع وقضايا معينة فقط". لافتاً إلى أنّ "الناس تبحث عن صوتها وعن قول ما لا يُقال".

وأعيد الاعتبار للعامية الفلسطينية خلال عهد وسائل التواصل الاجتماعي، حسب أبو غوش، حيث كُسرت بالتالي الحواجز، وتردّدت الشعارات والهتافات وتمّ تحويلها إلى أغاني لاحقاً، لافتاً إلى أنّ كلمات الأغاني التي تُكتب بالعامية الفلسطينية يمكن أن تتحول إلى هتافٍ يجوب الشوارع، والعكس صحيح. 

  • الأكثر انتشاراً في عام 2022، هل سمعت أحد هذه الأناشيد الفلسطينية؟

وأكّد أبو غوش أنّ الأغنية الفلسطينية خلال الإنتفاضة عبّرت عن صوت الناس، ليس فقط على صعيد الهتافات داخل الزنازين وخارجها، فيما كانت الأغنية السياسية هي إعلام الشعب الرسمي في مواجهة الإعلام الإسرائيلي.

ومرّت الأغنية الفلسطينية، خلال بداية الانتفاضة، بمرحلةٍ بحثية، وفقاً لما ذكره أبو غوش، كإنتاج أحمد دحبور، وتوفيق زياد، وعبد اللطيف البرغوثي، مضيفاً أنّ كل الأغاني التراثية "تمّ جمعها بعد إضافة الطابع الثوري عليها".

وأوضح أبو غوش أنّ "الأغاني التي أنتجها عبد قدورة وفرقة العاشقين كانت قائمة ومساندة لأبطال المرحلة الفلسطينية، عرين الأسود وكتيبة جنين"، فيما جرى كتابتها خلال ساعات قصيرة لتواكب المرحلة.

وشدّد أبو غوش في حديثه للميادين نت على أنّ الأغاني التي ترتبط بالفعل المقاوم "تعبّر عن نهج فاعلها ومن يساهم في نشرها واستخدامها"، وهي بالتالي تأخذ منحى التأكيد على فعل المقاومة، عبّر التغنّي وإعلاء الفعل الثوري، ومن جهةٍ أخرى تعطي هذه الأغاني فكرةً ومؤشراً عن الانتماء الفكري والسياسي لِمن يسمتع لها أو يشاركها.

وقد لعبت الأغنية الفلسطينية دوراً تاريخياً في رواية التاريخ المنسي أو الأرشيف غير الرسمي، حيث أظهرت أصوات المهمشين والمضطهدين الذين يواجهون الإستعمار، كما سلطت الضوء على تجارب نُقلت إلى الأجيال بطريقةٍ سلسلة.

اخترنا لك