ميدانيات مصر: استهداف الداخل قبل 25 يناير
مع اقتراب ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، لوحظ تتالي عدّة أحداث أمنية في الداخل المصري، بشكل يؤكّد أن اقتراب هذه الذكرى، والتوتّرات المتصاعدة بين مصر ودول إقليمية مثل تركيا، يعتبران من أهم الدوافع التي تم الاستناد إليها للعب على ثنائية "الدين - السياحة"، لتشتيت المجهود الأمني الداخلي والإيحاء بأنه هشّ ولا يسفر عن نتائج ملموسة، في ظلّ اقتراب العمليات العسكرية شمالي سيناء من نهايتها، بعد نتائج أكثر من ممتازة مقارنة بنفس هذه الفترة منذ عامين.
الطرف الأول من الثنائية المذكورة عاليه هو "الدين"، فبعد الهجوم على حافلة كانت تقلّ أقباطاً بمحافظة المنيا في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، كانت منطقة مدينة نصر في القاهرة على موعد مع محاولة لاستهداف إحدى الكنائس عن طريق قيام أحد العناصر الإرهابية بزرع عبوة ناسفة أعلى أحد المساجد، وهذه العبوة كانت مصمّمة بحيث تطلق بعد انفجارها قذيفتين محليتيّ الصنع في اتجاه الكنيسة المجاورة، مما يحدث أضراراً بها وبالمسجد المجاور. لكن فشلت هذه المحاولة بعد اكتشاف الأهالي للعبوة، ولكن أستشهد أحد ضباط الشرطة اثناء محاولته تفكيك هذه العبوة التي كانت معدّة داخل حقيبة سفر كبيرة. تلا هذه العملية محاولة أخرى لكنها كانت هذه المرة بعبوة هيكلية تم زرعها في سيارة متوقّفة بميدان الأوبرا وسط القاهرة.
العملية الثانية كانت متعلّقة بالطرف الثاني في هذه الثنائية وهو "السياحة"، كان هذا الطرف خلال السنوات الماضية محط مجهود كل المجموعات الإرهابية التي حاولت ضرب الوضع الداخلي في مصر، منذ عام 1997، الذي شهد مذبحة الدير البحري بمدينة الأقصر، والتي أسفرت عن عشرات القتلى، جرت عدّة محاولات للتأثير على قطاع السياحة، منها التفجيرات المُتزامنة في مدينة طابا جنوبي سيناء في تشرين الأول / أكتوبر 2004، والهجوم الانتحاري على حافلة تقلّ سياحاً كوريين في طابا أيضاً عام 2014. لكن كانت الضربة الكبيرة ذات التأثير طويل المدى، هي سقوط طائرة تحمل على متنها سيّاحاً روساً، بعد إنفجار عبوة ناسفة على متنها في تشرين الأول / أكتوبر عام 2015، وهو الهجوم الذي تبنّاه تنظيم "ولاية سيناء" المُبايع لتنظيم داعش الإرهابي. منذ ذلك التاريخ عانت السياحة المصرية من بعض الركود. لكن شهدت البلاد منذ مطلع العام الحالي تصاعداً في أعداد السائحين، تعزّز بعد عودة تدفّق السياحة الروسية إلى مصر. فجاءت عملية تفجير حافلة كانت تقلّ سياحاً فيتناميين أثناء تحرّكها في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، لمحاولة اللعب على هذا الوتر. وبرغم سقوط أربعة قتلى وعدد من الجرحى في هذا التفجير الذي تم بعبوة ناسفة وضعت على جانب الطريق، إلا أن حركة السياحة في مجملها لم تتأثّر كثيراً، بما فيها حركة الزوّار من فيتنام.
وعلى الرغم من أن هناك بعض التطوّرات التي أسهمت في تحجيم أثر هذه العمليات، منها افتتاح الرئيس المصري لكنيسة ومسجد في العاصمة الإدارية الجديدة، وإعلان الإتحاد الأفريقي لكرة القدم عن إسناده استضافة كأس الأمم الأفريقية منتصف هذا العام إلى مصر، إلا أن هذا التكتيك من جانب المجموعات الإرهابية المرتبطة بجماعة الأخوان، يشير بوضوح إلى أن تصاعد العمليات أو توقّفها يكون رهناً بعاملين أساسيين، هما حجم المجهود الأمني المبذول، ونسبة التوتّر في العلاقات بين مصر ودول إقليمية معينة.
عمليات سيناء تقترب من المنعطف الأخير
تستمر العملية الشاملة "سيناء 2018"، في مناطق شمال ووسط سيناء، في ظل فترة باتت فيها عمليات تنظيم "ولاية سيناء" المُبايع لتنظيم داعش، في أقل معدّلاتها في أواخر العام الماضي، حيث اقتصرت هذه العمليات على محاولة جديدة من قِبَل التنظيم، بعد فشل محاولات سابقة، لنقل عملياته إلى مناطق وسط سيناء، بعد أن بات تحت ضغط متواصل من قِبَل القوات العسكرية والأمنية، والأهالي وعناصر القبائل. فحاول الهجوم عن طريق تفجير عبوة ناسفة على عربة مدرّعة تابعة للجيش قرب منطقة "المغارة" وسط سيناء، لكن فشل الهجوم، وتبعه اعتقال فردين تابعين للتنظيم. كذلك استمر مسلسل الهجمات على المدنيين من قبل التنظيم، حيث هاجمت عناصر عدداً من العمال قرب منطقة الحسنة وسط سيناء، واختطفت أحد المقاولين المسؤولين عنهم، واغتالت أحد أفراد قبيلة المساعيد في مدينة العريش، وأعدمت فردين من قبيلة الترابين في منطقة قرب قرية البرث جنوبي مدينة رفح، وهاجمت عمال تابعين لشركة كهرباء شمال سيناء، أثناء إصلاحهم لأحد أعمدة الكهرباء في منطقة كرم القواديس شرقي العريش، ما أسفر عن استشهاد فرد وإصابة إثنين أخرين.
في المقابل، نفّذت القوات الأمنية والعسكرية حملة كبيرة في مناطق وسط سيناء لمواجهة محاولات تنظيم ولاية سيناء نقل القتال إليها، وكان لافتاً التعاون المتزايد بين هذه القوات والأهالي وعناصر القبائل، حيث تمكّنوا من قتل ثلاثة إرهابيين والقبض على رابع في مدينة الشيخ زويد، كانوا قد تسلّلوا إلى داخل المدينة لتنفيذ اغتيالات ضد بعض المتعاونين مع القوات الأمنية، كذلك شنّت قوات وزارة الداخلية إغارة على أحد المنازل في مدينة العريش، نتج منها مقتل أربعة عشر عنصراً من عناصر تنظيم ولاية سيناء.
في ما يتعلق بالداخل المصري، استمرت وزارة الداخلية في عملياتها ضد تنظيم "حسم" المرتبط بجماعة الإخوان المحظورة، حيث هاجمت منزلاً في محافظة الجيزة، كان يتواجد فيه عدد من أفراد هذا التنظيم، وقتلت منهم سبعة أفراد، واعتقلت أربعة، وصادرت عدّة عبوات ناسفة وأسلحة، بجانب أجزاء خاصة بطائرات من دون طيّار، كان أفراد التنظيم يحاولون تجميعها. كذلك شنّت وزارة الداخلية عقب عملية تفجير باص السائحين، عمليتيّ مداهمة في الجيزة وشمالي سيناء، أسفر عنهما مقتل 40 عنصراً إرهابياً، كما تمكّنت عقب تفجير مدينة نصر، من اعتقال أربعة أفراد على صلة بهذه العملية.
Seems like #MuslimBrotherhood #Hasm terrorist group cell which #MOI raided last night in #Salam city #Cairo, tried to use parts from RC planes to make home made drones. pic.twitter.com/JNdr9CMQpC
— Mohamed Mansour ߇갟笠(@Mansourtalk) December 20, 2018
حديث السيسي، والتعاون الإسرائيلي
كان التقديم الذي مهّدت به قناة "سي بي أس" الأميركية لحوارها مع الرئيس المصري، دليلاً آخر على أن اقتراب موعد ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، يمثل أيضاً لبعض الأطراف الدولية، فرصة سانحة لتصفية حساباتها مع النظام القائم. بالإضافة إلى الحديث المعتاد عن الحريات وحقوق الإنسان، وهو الحديث الذي اختارت القناة للتدليل عليه إبن أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، أبرزت القناة في تغطيتها كلام الرئيس المصري عن تعاون "وثيق" مع إسرائيل، في عدّة مجالات من بينها "الحرب على الإرهاب في سيناء"، والسماح بدخول الطائرات الإسرائيلية إلى أجواء سيناء لضرب عناصر داعش. وانتظر الجميع هذا الحوار كي يشاهدوا ما تمّ الحديث عنه في هذا الحوار ، الذي تم ّتسجيله منذ أكثر من أربعة أشهر. فجاء الحوار معاكساً تماماً لما تم الترويج له، فالرئيس المصري تحدّث عن تنسيق مع إسرائيل لأسباب تتعلّق بمعاهدة السلام بين البلدين، وتتعلّق أيضاً بحاجة المقاتلات وطائرات الاستطلاع والطائرات من دون طيّار التابعة لسلاح الجو المصري، للتحليق في أجواء فلسطين المحتلة أثناء عملياتها قرب الشريط الحدودي، وهذه النقطة كنا قد أشرنا إليها في مادة سابقة. وقد أكّدت هذه المعلومات صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي نشرت مقالاً مفصلاً حول حادثة تمّت خلال هذه الشهر، تعرّضت فيها مقاتلة إسرائيلية من نوع "أف-15" إلى تتبع ومن ثم إغلاق راداري عليها من جانب مقاتلة مصرية من نوع "أف-16" عبرت خط الحدود مع فلسطين المحتلة، وقد فتح سلاح الجو الإسرائيلي حسب الصحيفة تحقيقاً حول هذا الحادث.
For the second time, #Egyptian #EAF Beechcraft 1900 aircraft (probably) perform heavy ISR mission over northern #Sinai and over #Gaza stripe. the operation is still ongoing. pic.twitter.com/5Ece4IIUeN
— Mohamed Mansour ߇갟笠(@Mansourtalk) January 16, 2018
التوتّر مع تركيا يستمر
الزيارات المتتالية لمسؤلين يونانيين إلى مصر، والتي كان آخرها زيارة رئيس الإستخبارات، ثم نائب وزير الخارجية، تتعلّق في الأساس بإعلان البحرية التركية عن سلسلة من المناورات، بدأتها أواخر العام الماضي مع الولايات المتحدة الأميركية جنوب غرب قبرص، ثم مناورات مُماثلة في بحر إيجة بدأت منذ أيام. هذا التوتّر المستمر، والمرشّح للتصاعد أكثر إذا ما توسّعت تركيا في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص اليونانية، تسبّب في ازدياد رغبة القوات المسلحة المصرية في تحديث قواتها البحرية، التي تخضع منذ عامين لبرنامج متدرّج للتحديث الشامل، وآخر ثمار هذا التحديث كان إعلان الحكومة الإتحادية الألمانية عن الإتفاق مع مصر على تزويدها بفرقاطة واحدة من نوع "ميكو أيه-200"، والتي تصنعها شركة "تيسين كروب"، مع توفر احتمالية تزويد مصر بفرقاطة أخرى في المستقبل القريب. كذلك استمرت البحرية المصرية في مناوراتها في البحرين الأحمر والأبيض المتوسّط، وآخر هذه المناورات كانت مناورة "الموج الأحمر 1" أواخر الشهر الماضي، والتي شاركت فيها قطع بحرية من المملكة السعودية والأردن والسودان وجيبوتي واليمن، بجانب الصومال بصفة مراقب. على المستوى القيادي، أجرى الجيش المصري تعديلاً واسعاً في مراتبه القيادية، وشمل هذا التغيير قادة كل من المخابرات العسكرية وحرس الحدود والمظلات والشرطة العسكرية والكلية الحربية، بجانب قائد المنطقة الغربية العسكرية ورئيس أركان القوات البحرية. وهو تغيير واسع النطاق تبدو فيه ملامح الاستعداد لمرحلة مقبلة قد تشهد تحديات أهم وأخطر على المستوى الإقليمي بصفة خاصة.