توقيف كارلوس غصن.. لعبة أميركية بخلفيات سياسية؟
ثمة من يربط التطورات الأخيرة بموقف غصن من العقوبات الأميركية على إيران. موقف استدعى عقاباً أميركياً بعدما أعلن في حزيران/ يونيو المنصرم أن شركة "رينو" التي يرأسها لن تتخلى عن وجودها في إيران بشكل تام وإن أبدى استعداده لتقليص هذا الوجود، في ما عدّه البعض تحدياً للتوجهات الأميركية.
أثار توقيف كارلوس غصن من قبل السلطات اليابانية صدمة في أوساط رجال الأعمال في العالم. لم تنقض ساعات على إعلان الخبر حتى بدأت تبرز مؤشرات على دوافع سياسية وراء التوقيف. ساهم في تعزيز هذه المؤشرات ما أعلنته الحكومة الفرنسية الثلاثاء من أنها لم تجد أدلة على احتيال ضريبي من جانب غصن الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة تحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي.
وكان لافتاً سرعة الإعلان الفرنسي بعد يوم على ورود خبر توقيف رجل الأعمال اللبناني الأصل والمقرب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزعم التهرب من الضرائب وإخفاء جزء من مداخيله.
وكانت السلطات اليابانية استدعت غصن صباح الإثنين للتحقيق معه في خرقه للقوانين، في وقت أعلن التلفزيون الرسمي الياباني أن مقر شركة نيسان تعرض لتفتيش مساء الأحد الماضي.
الخبر لم يفاجئ شركة نيسان التي تنحى غصن عن رئاستها التنفيذية عام 2017 مبقياً على رئاسته لتحالف نيسان- رينو- ميتسوبيشي، إذ أصدرت الشركة بياناً أوردت فيه أنها كانت "تجري تحقيقات داخلية حول سوء سلوك من قبل غصن والمدير التنفيذي غريغ كيلي". وأعلنت أنها اكتشفت "أعمال سوء مرتبطة بغصن مثل استخدام أملاك الشركة لغايات شخصية"، خاتمةً بيانها بإعلانها تعاونها المطلق مع مكتب الادعاء العام وعن نيتها الاقتراح على مجلس الإدارة "إقالته من منصبه حالاً".
ويُعد غصن الرجل الرقم واحد في قطاع صناعة السيارات في العالم ومهندس إنقاذ شركة "نيسان" التي وصلت عام 1999 إلى حافة الإفلاس قبل أن يتولى غصن إعادة هيكلتها وصعد بها تدريجياً لتقترب عملياتها من "رينو" في تحالف صناعي عالمي انضمت إليه عام 2016 شركة "ميتسوبيشي".
وتمتلك "رينو" 43.4 % من "نيسان"، بينما تمتلك "نيسان" 15 % من "رينو".
وأثار توقيت العملية إضافة إلى أمور أخرى التباسات دفعت بعض المراقبين والخبراء لإبداء الريبة والشكوك حول ما يجري. وزير الاقتصاد الفرنسي الذي تملك حكومته 15% من أسهم رينو التي يديرها غصن سرعان ما قال الثلاثاء إنه طلب إجراء تحقيق في قضية ضرائب غصن فور تبلّغه بتوقيف الأخير في اليابان، لكن التحقيق لم يظهر "شيئاً بشكل خاص بشأن وضعه الضريبي".
ما القصة إذاً؟ وهل من قُطب مخفية وراء هذا التوقيف؟
ثمّة من يربط التطورات الأخيرة بموقف غصن من العقوبات الأميركية على إيران. موقف استدعى عقاباً أميركياً بعدما أعلن في حزيران/ يونيو المنصرم أن شركة "رينو" التي يرأسها لن تتخلى عن وجودها في إيران بشكل تام وإن أبدى استعداده لتقليص هذا الوجود، في ما عدّه البعض تحدياً للتوجهات الأميركية.
في هذا الإطار يؤكد خبير الشؤون الأوروبية والفرنسية تمام عصام الدين أن موضوع توقيف غصن يعتبره الفرنسيون ضربة لهم، لأنه رفض الانصياع للعقوبات الأميركية على إيران وقرر عدم توقف إنتاج سيارات"رينو" فيها، وأن باريس ترفض تنحيته عن الشركة الفرنسية.
وتابع "ستقوم فرنسا بكل ما تستطيعه مِن أجل حماية غصن، و هي بدأت عملياً بذلك عبر تصريحات رسمية فحواها أن غصن لم يخالف قوانين الضرائب في فرنسا ". كما لفت إلى أن غصن يُعد من أصدقاء وحلفاء الرئيس ماكرون المقربين لما له من ثقل في عالم الاقتصاد والأعمال في فرنسا والعالم.
وكان غصن قال للمساهمين في شركة "رينو" خلال اجتماع للجمعية العمومية في باريس حينها: "لن نتخلى عن إيران، سيكون لنا مستقبل فيها". وأضاف "لن نفعل ذلك على حساب مصالح رينو، سنسهر على ألا يتسبب وجودنا في إيران بإجراءات عقابية مباشرة أو غير مباشرة من قبل السلطات الأميركية".
في المقابل، أعلنت الشركتان المنافستان "بيجو" و"ستروين" الفرنسيتان انسحابهما من السوق الإيرانية، التزاما بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة.
وتحظى"رينو" بحضور قوي في إيران حيث تتخطى مبيعات الشركة 160 ألف سيارة سنويا، كما بلغ مجموع مبيعات الشركة في العالم 3,76 مليون سيارة.
وفي 2017 وقعت الشركة عقدا كبيراً في إيران لإنتاج 300 ألف سيارة سنويا، وذلك في إطار مشروع مشترك تبلغ قيمته الاستثمارية 660 مليون يورو.
وبموجب عقد الشراكة تحصل "رينو" على 60% من حصص الشركة الجديدة، وتحصل منظمة التحديث والتطوير الصناعي الإيرانية الحكومية على حصة 20%، كما تحصل الشركة الخاصة الإيرانية "بارتو نغوين ناسه" على 20%.